أصبحنا في القرن الحادي والعشرون، حيث التطور والتقدم أبلغ أوجهه في المجتمعات الغربية، والتكنولوجيا داخلة في كل مجالات الحياة المتعلقة بحياة الإنسان، وشُكلت العديد من المنظمات الدولية والأقليمية الخاصة بمسائل حقوق الإنسان وحرياته، وعُقدت الكثير من المؤتمرات والمعاهدات والمواثيق الدولية لأثبات تلك الحقوق والحريات ووقعت عليها الكثير من دول العالم، وأصبحت هذه المواثيق والبروتوكولات المصادر والمنابع التي تستمد منها الدساتير في أغلب دول العالم أسسها وقوانينها. وعليه فقد جاهدت وتجاهد وتتسابق الدول فيما بينها في مجال تطبيق حقوق الإنسان وحرياته، وتنبذ كل مايسئ إلى الإنسان وكرامته، وليس هذا فقط فهي تطلب من الدول الأخرى التقيد بهذه المبادئ والأسس وتطبيق الديمقراطية في مؤسساتها وإقامة الدولة المدنية ذات التعددية السياسية، ومعاملة الفرد على أساس مبدأ المواطنة، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وعدم التمييز بين البشر بسبب الدين أو المذهب أو القومية أو الجنس. هذا عن الدول التي تؤمن بحقوق الإنسان وبحرياته، أما الدول العربية والإسلامية بشكل عام فنراها عكس ذلك تماماً، فهي في أغلب أنظمتها وأن لم نقل كلها بأنها ذات طبيعة أستبدادية وديكتاتورية، وتتميز بأنها أستلمت زمام الأمور في الدولة بالوسائل غير الشرعية، أي أنها أتت إلى الحكم أما بحكم الوراثة أو بالأنقلابات، وهي لاتؤمن بالديمقراطية ولاتمارسها في مؤسسات الدولة، ولاتقيم الإنتخابات، وكل المناصب فيها قائمة على مبدأ التعيين والولاء، لذلك نرى بأن الأمراض الاجتماعية من المحسوبية وصلة القرابة والفساد السمة الأساسية في هذه الدول، وليس هذا فقط فان المجتمعات الإسلامية تصر على التداخل بين الدين والسياسة ولاتريد فصلهما عن البعض، في الحين أن المجتمعات الغربية قد فصلت بين هاتين المؤسستين، حتى لايتم أستغلال أحدهما لمصلحة أخرى وأن لايسئ إليها، وعليه فعلى رجل السياسة أن يمارس الأمور السياسية في المؤسسات السياسة وعلى رجل الدين أن يمارس العادات والتقاليد الدينية في دور العبادة، حتى أن الكثير من رجالات الدين الإسلامي يحاربون الديمقراطية والعلمانيين وينعتون المطالبين بها بالكفر والألحاد، ويحللون دمهم، ويغرسون المفاهيم الخاطئة في عقول الشباب المسلم، محاولين تطبيق وإعادة ماكان عليه الوضع أيام الرسول والصحابة وتطبيقها في الوقت الحاضر، وهذا ماتُطالب به الجماعات الإسلامية المتطرفة والسلفية اليوم، والتي كثرت في الوقت الحاضر وخصوصاً في المناطق التي تشهد الضعف الأمني، فتقوم هذه الجماعات بأرتكاب المجازر والإضطهاد والقتل والنهب والسرقة بحق الأخرين وبحق كل من يخالفها الفكر والثقافة، وكل ذلك بأسم ثقافة الله أكبر حتى أنه وفي الكثير من الأحيان أن مقولة الله أكبر أصبحت مقترنة بالقتل والنحر حتى والعياذ بالله أصبحنا ننفر من كلمة الله أكبر.

وكل ذلك بدعوة الجهاد، ففي الوقت الحاضر يسقط يومياً العشرات من المسلمين بين القتيل والجريح بسبب هذا الجهاد!!!، هذا الجهاد الذي تسبب ويتسبب في تشريد الالأف من المواطنين السوريين يومياً ويتسبب في نشر الرعب والخوف بين صفوف المواطنين الأبرياء، هذا الجهاد يتسبب في خلق النزعات الطائفية بين أبناء المجتمع الواحد، هذا الجهاد يحث أبناء المجتمع الواحد على قتل بعضه البعض!!!، وكل ذلك مرده إلى الخلط مابين الدين والسياسة، لأن دعاة الجهاد يلحون على إقامة الإمارات الإسلامية في كل بقاع الأرض وكأننا نعيش في العصور الوسطى، وكأننا نعيش في الغابة، حيث إنعدام القوانين والدساتير، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى لايمكن بل من المستحيل أن يطالب أتباع دين ما تطبيق ثقافته وتعاليمه على الأخرين في القرن الحادي والعشرون، فما كان يطبق قبل 1000عام لايتناسب مع ماهوحاصل في الوقت الحاضر.

إذا أمعنا النظر في الطبقات التي تنحدر منها هذه الفئات الجهادية المنتشرة في كل بقاع العالم، وخصوصاً في مناطق التوتر وعلى رأسها كل من سوريا والعراق نجد بأن المتواجدين في الصفوف الجهادية ينحدرون من الطبقات الفقيرة والعاطلة عن العمل وغير المثقفة والجاهلة والتي يسهل توجيهها إلى الوجهات الخاطئة، فالسؤال، هل نجد في صفوف الذين يقاتلون الآن في سوريا أحد من أبناء شيوخ وأمراء الذين يمولون هؤلاء الجهاديين؟، وهل نجد أبناء أئمة الجوامع الذين يحللون قتل الأخرين وسفك دمائهم بحجة الجهاد؟، فإذا كان ساسة وأئمة المساجد يؤمنون بهكذا نوع من الجهاد، فلماذا لايدفعون بأبنائهم إلى ساحات القتال؟

وأخيراً أقول متى يعي الأجيال المسلمة بأنه لاجدوى من ثقافة كره الأخر، وعدم القبول به؟، متى يعي الشباب المسلم بأن الله خلق كل البشر بمختلف أديانهم ومذاهبهم ليعمروا الأرض سلاماً وأماناً، وأنه لافرق بين زيد وعبيد إلا بالعمل الصالح؟، متى يقف الشباب المسلم في وجه أئمة المساجد الذين يحرضون أبناء الدين الواحد على قتل بعضه البعض؟ ومتى يكرس الشباب المسلم جهده في سبيل بناء مجتمعه؟.

[email protected]