تحرر العراق من نير الاستبداد في التاسع من ابريل قبل أحد عشر عاماً، وخرجت القوات الامريكية من بغداد عاصمة الرشيد بعد ان فشلت في العثور على أسلحة الدماؤ الشامل التي ادعت حيازة النظام السابق لها، لكن حال بغداد والعراق وليلاه ما تزال كما هي... سيئة باختصار وفي أحسن الأحوال.
مليون ضحية.. وخمسة ملايين يتيم.. ومليوني أرملة.. وجيش جرار من الجرحى والمعوّقين، وأربعة ملايين مهاجر في بقاع الأرض، وسبعة ملايين عاطل عن العمل.. صناعة متوقفة ومزارع معطلة ومدن محاصرة... هذا ما يمكن التقاطه في العراق اليوم بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للاحتلال.
لم تتحقق أي من الوعود الاميركية، والنتيجة أن الاحتلال الاميركي أبشع من احتلال المغول لبغداد لا شيء ايجابي حتى الآن تحقق إلا... الانترنت والهاتف الخليوي والساتلايت، وهي أمور كانت ممنوعة في السابق.
من يلعن الاحتلال صار يُحتسَب في خانة الارهابيين أو من أنصار النظام السابق، لذا تجد الجميع يلتزم الصمت خوفاً على نفسه، ويلقي جام غضبه ومشاعر حزنه على مواقع التواصل الاجتماعي لعدم تمكن حكومة نوري المالكي من مراقبتها كلها.
الذكرى الحادية عشر لاحتلال العراق من قبل القوات الاميركية بعد معركة قصيرة وغير متكافئة بين الجيش العراقي وقوات التحالف المؤلفة من 11 دولة بقيادة واشنطن، انتهت في التاسع من شهر أبريل الحالي بدخول الدبابات الى قصر quot;الرحابquot; الجمهوري وسط بغداد.
عن أي تحرير يتحدثون؟ الجميع يكاد يكون مجمعاً ان العراق كان دولة ذات سيادة ونظام وقانون وأمن وأمان ورخاء، واليوم هو مجرد أشلاء شعب ضائع، وتحول العراق الذي كان مضرب المثل في التقدم والتحضر إلى عِبرة ومثال لباقي شعوب المنطقة للتنبه من خطر الاستعانة بالغريب على أهل بلدهم.
عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان العراقي، مزهر الملا، يعتبر ان خروج المحتل قبل إصلاح ما أفسده في العراق، هو سبب ما يحدث في العراق. ويؤكد الملا، أنه quot;كان على الاميركيين، بعدما دمّروا البلاد، أن يصلحوها على الاقل قبل أن يغادرواquot;، ذلك أن بلاد الرافدين اليوم برأي النائب quot;تحتاج الى 20 عاما فقط كي تعود الى ما كان عليه في السابقquot;.
العراقيون من أصحاب المقاهي اعتادوا استبدال لوحات مقاهيهم الجدارية بأخرى، في كل ذكرى لاحتلال بغداد، وخصوصاً في بغداد والفلوجة والبصرة. هكذا يضع هؤلاء لافتات تتحدث عن مآسي الاحتلال وتلعن المحتفلين به، كواحدة من أساليب الاعتراض السياسي السلمي، احتجاجاً على إصرار الحكومات المتعاقبة في بغداد، على اعتبار التاسع من أبريل/نيسان، عيداً وطنياً للعام الثامن على التوالي.
العراق الرسمي مشغول هذه الأيام بعقد مؤتمر دولي في بغداد يدعو الى استراتيجية دولية تكافح الارهاب والفساد ونهب الثروات، شدد فيه رئيس الحكومة نوري المالكي على ضرورة وجود ما سماه تعاونا امميا يستعيد الاموال المنهوبة وسرّاقها، حيث تسعى بغداد لاستعادة أموالها المهربة الى الخارج والتي تبلغ ترليونًا و14 مليون دولار وتسليمها وزراء ومسؤولين كباراً هاربين.
يؤكد رئيس الوزراء نوري المالكي في كلمة له خلال افتتاح ملتقى بغداد الدولي لمكافحة الفساد أن الارهاب والفساد وجهان لعملة واحدة، وإن هناك ترابطًا بين نهب الثروات وبين الفساد والارهاب يتطلب تعاوناً دولياً لمحاربة الارهاب لأن هذه القضية مشتركة بين عنصرين اساسيين من عناصر التحدي لعملية الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم.
هيئة النزاهة الوطنية في العراق قدرت في آخر تقرير لها أن الأموال العراقية المهربة والمتواجدة في الدول المراد استرجاعها بلغت ترليوناً و14 مليون دولار، لكنها أقرت بوجود بعض المعوقات في موضوع تسلم المتهمين واسترداد الأموال لاختلاف النظم الداخلية، مشيرة إلى وجود أموال مهربة في الأردن ولبنان والإمارات تم الحجز عليها لغرض إعادتها للعراق.
الفساد المالي والإداري ينتشر في العراق بشكل كبير وصنفته منظمة الشفافية العالمية ثالث أكثر دولة فساداً في العالم، بعد الصومال والسودان، إلا أن الحكومة العراقية غالباً ما تنتقد تقارير المنظمة بشأن الفساد وتعتبرها غير دقيقة وتستند إلى معلومات تصلها عن طريق شركات محلية وأجنبية أخفقت في تنفيذ مشاريع خدمية في العراق.
والحال ان ليلى العراق بعد احد عشر عاماً.... لا تزال مريضة بأسوأ استبداد وأمراض اجتماعية كانت مندثرة في العراق خلال عهد ديكتاتور واحد... فيما استفحلت مع تناسل المستبدين وشيوع الطائفية والمذهبية بين شرائح المجتمع الواحد.
هشام منوّر.... كاتب وباحث