منذ 14 أيار / مايو 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وإعلان ديفيد بن غوريون مدير الوكالة اليهودية قيام الدولة الإسرائيلية، وعودة الشعب اليهودي إلى ما أسماه أرضه التاريخية. منذ ذلك التاريخ وإسرائيل شأنا داخليا في ما يعرف ببلدان الطوق، أي سورية والاردن ولبنان ومصر. هنالك مستويين في حديثنا عن تحول إسرائيل لشأن داخلي لبلداننا:
المستوى الأول: هو احتلالها لجزء من اراضي دول الطوق، وقبلها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتبعاتها، أي بكونها عدو كنا معه في حالة حرب، منذ تأسيسه على حساب الشعب الفلسطيني. هل كان بالامكان تأسيس الدولة العبرية، مع بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه؟ سنحصر مقالنا بالحديث عن دول الطوق. إسرائيل بالنسبة للاردن لم تعد عدوا، منذ اتفاقية وادي عربا كمعاهدة سلام بين الاردن وإسرائيل1994. مصر كذلك وقعت اتفاقية كامب ديفيد 1978التي اعادت إسرائيل كامل الاراضي المصرية التي احتلتها عام 1967.أيضا لبنان بانتهاء حرب فلسطين1948 رسمياً، وقعت اتفاقية هدنة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949 في رأس الناقورة، وقد وقعها عن الجانب اللبناني، المقدم في الجيش اللبناني توفيق سالم والمقدم جوزف حرب، أما عن الجانب الإسرائيلي فقد وقعها المقدم موردخاي ماكليف وينوشوا بيلمان وشبطاي روزين، وبحضور الوسيط الدولي رالف بانش. ثم ترسخت هذه الاتفاقية بقرار مجلس الامن 1701 الذي وافقت عليه إسرائيل مع إيران ونظام الاسد وحزب الله والحكومة اللبنانية آنذاك2006. والذي هو أقرب لمعاهدة سلام برعاية مجلس الامن، عموما إسرائيل لا تريد من لبنان أكثر من ذلك. أما سورية فنظام الاسد وضعها فيما عرف بحالة اللاحرب واللاسلم، على إثر اتفاقيات الفصل عام 1974 برعاية حصرية من الولايات المتحدة الامريكية، وبإشراف مباشر من هنري كيسنجر، لكي تموت قضية الجولان بالتقادم، ويبقى نظام الاسد نظاما مقاوما هكذا تجلت مصلحته من جهة، ومن جهة أخرى هو نظام لم يكن بحكم طبيعة تكوينه، قادرا على السلام الكامل، وبالطبع لم ولن يكون قادرا على استرداد الجولان عن طريق الحرب. أكثر عدو لنظام الاسد هو قيام سلام مع إسرائيل. هذه الاتفاقيات لم يخرقها نظام الاسد حتى اللحظة قيد انملة. حتى لو خرقها مناوشا، فإن إسرائيل لن تغضب منه كثيرا، كنظام لعبت دورا في تأسيسه، وكابن مدلل حتى لو شاغب قليلا. هذا ينقلنا للمستوى الثاني: والذي هو عكسي الاتجاه، أي حضور إسرائيل في داخل بلدان الطوق، والذي يتمحور حول أين تكمن مصلحة إسرائيل في كل بلد على حدا، هل تمكن في هذا النظام أو ذاك؟ مع هذا الديكتاتور أو ذاك؟ كيف يجب أن يتعامل المجتمع الدولي مع هذه الدول- الانظمة؟ هل تقبل إسرائيل بقيام دول طبيعية حولها؟ دول قوية اقتصاديا؟ لأنه عسكريا الامر محسوم، إسرائيل لاتخاف من العرب مجتمعين، فهل تخاف من نظام الاسد؟ أو حتى هل تخاف من الاسلاميين؟ أي نوع من الاسلاميين لا يشكل خطرا عسكريا وأمنيا على إسرائيل، ولا نماذجهم للحكم التي قدموها عمليا ونظريا تشكل هذا الخطر، ربما العكس هو الصحيح. نستطيع القول أن النخب كلها في دول الطوق، لا تشكل خطرا على إسرائيل، إلا تلك النخب التي من الممكن أن يكون لها دورا في قيام دول طبيعية ديمقراطية ذات وزن اقتصادي. فأين هم؟ لهذا إسرائيل ووفقا لهذا المستوى تراقب معارضة هذه الانظمة أكثر، أو ربما بنفس القدر التي تراقب فيه هذه الانظمة وتطوراتها. 1956 إسرائيل تشترك في العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس، رغم انه شأنا داخليا مصريا بحتا. 1969 احداث ايلول في الاردن والقتال بين قوى منظمة التحرير الفلسطينية والقوات الاردنية، كانت إسرائيل على اهبة التدخل فيما لو شعرت بأن النظام الاردني في خطر السقوط، وهذه قضية لم تخفها إسرائيل في حينها، بل اعلنتها. يمكن العودة لوثائق تلك المرحلة والمباحثات التي كان يقودها هنري كيسنجر أيضا. حيث طرح سؤال آنذاك هل تتدخل أمريكا أم إسرائيل، لمنع القوات الفلسطينية من الانتصار؟ مثال ثالث حضور إسرائيل في لبنان، وخاصة ابان الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت15 عاما1975-1990 لم يعد خافيا على أحد، لأنه كان حضورا علنيا. أيضا كلنا يعرف عن فضيحة إيران كونترا. تزويد الأسلحة من إسرائيل إلى إيران في آب/أغسطس من عام 1985حيث الحرب الايرانية العراقية، بالطبع الموضوع لا يتعلق بقليل من الاسلحة بل يجب رؤية بعده السياسي آنذاك.عامل آخر يلعب دورا مهما في هذا المستوى من الحضور الاسرائيلي في دول الطوق، هو وجود اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة في الاردن وسوريا ولبنان. هذا الوجود الذي ارتبط أيضا بوجود اجهزة منظمة التحرير الفلسطينية وقواها. هذه عينة من أمثلة كثيرة للتدليل على هذا المستوى من الحضور الاسرائيلي، حتى جاء الربيع العربي 2010-2011 كانت معلنة مواقف إسرائيل من الثورة المصرية، على أي نظام قادم أن يتبنى اتفاقيات كامب ديفيد وهذا انسحب على المجلس العسكري الذي تشكل بعد سقوط نظام مبارك، والاخوان المسلمين الذي عبر مرشحهم اثناء الانتخابات للرئاسية عن التزامه بهذه الاتفاقيات. ملاحظة جديرة بالمراقبة، وهي ان إسرائيل لم تعد مجال مزايدة بين النخب السياسية- سلطة ومعارضة- في الاردن ومصر، على عكس سورية. هذه الملاحظة جزء من الدم الذي دفعه شعبنا ويدفعه. حيث الاتهام بين الطرفين قائما على قدم وساق في سورية اتهام بعمالة كل طرف لاسرائيل. هذه معركة بين النخب اسسها البعث والاسد، داخليا وكرستها اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان1974 اقليميا ودليا. فإسرائيل لاتنزعج من الاسد عندما يشتمها ولا تنزعج من كل بياناته الاعلامية. كذلك بالنسبة للمعارضة السورية لكن هذه المعارضة تبقى بالنسبة لاسرائيل، مستقبل منفتح على احتمال ربما لايخدم مصالحها، بعكس نظام الاسد. الذي خدم مصالحها منذ تأسيسه، تعرفه وتعرف حدود مناورته، تعرف أن لاشيئ في هذا العالم وفي سورية يعنيه إلا استمرار سلطته بغطاء دولي واقليمي إسرائيلي، ومن جهته الاسد الاب لم يكن يثق بأي طرف في العالم بالقضايا التي تخص استمرار سلطته، رضا أمريكا وإسرائيل اساسي نعم، لكن موضوع الثقة موضوع مختلف كحال أي ديكتاتور في العالم. السؤال الذي على كل سوري يشعر باجابته ويعيشها، لكن المفترض الاجابة عنه خاصة بالنسبة لمن يحاول تبرير وجود واستمرار هذا النظام النظام- الجريمة: ما الذي قدمه حافظ الاسد لسورية منذ توليه منصب وزارة الدفاع فيها 1966 حتى وفاته10 حزيران 2000 وتوريث نجله؟ في هذه المزايدة البينية بين المعارضة والسلطة في سورية عموما، عمرها من عمر هذا النظام، أو لنقل من عمر نظام البعث1963 الذي لم يستقر قمعا وتنكيلا وانقلابية حتى انتج النظام الاسدي 1970. نظام حكم البلد خمسين عاما تحت هذه اليافطة، طيفها ونهبها وقتل شعبها ودمره، وهو يتهم معارضتها بأنها موالية لاسرائيل أو مدعومة من إسرائيل. المعارضة تتهمه أيضا بالعمالة لاسرائيل من منظور خطاب ايديولوجي مغلق على نفسه، رغم أنه كان من مهمة المعارضة تفنيد مزاعم خطابها، والبحث عن خطاب سياسي يخرج هذه الورقة من التداول المستهلك. لأن النظام الاسدي مستعد يقاتل إسرائيل فيما لو شعر أنها تهدد سلطته. لهذا عندما تضرب إسرائيل أي موقع عسكري سوري، لا يؤثر على سلطته لا يعنيه شيئا. إسرائيل عندما تحمي هذا النظام فهي متدخلة بالشان السوري، مثلها مثل إيران ولكن على طريقتها، فهي بذلك تحمي مصالحها، وليس محبة بعيونه. لهذا النظام وابواقه في كل خطاب يوجهونه للغرب يرددون أن تغيير النظام سيشكل خطرا على إسرائيل، من رأس النظام حتى أصغر بوق فيه. فهل الجولان ثمنا على المعارضة دفعه لكي ينتهي هذا النظام- الجريمة؟... يتبع