نزل الملياردير والنائب الكبير أسعد الشريف من سيارته السوداء الفارهة بصعوبة، فقد كان جسمه ضخما مترهلا يتلوى بهشاشة كأنه بلا عظام، كتلة شحم ولحم في جلد أبيض ناعم كالحرير، اسندته ثلة من حراسه،أمسكوا به من تحت إبطيه حتى تماسك واستوى واقفا وهو يلهث، تقلص وجهه وعبس وهو يرى الأرض تحته موحلة وسخة تتناثر عليها الحجارة والقاذورات. وتتطاير في فضائها الخانق اسراب كثيفة من الذباب والبعوض، والأسوأ أن السيارة لا تستطيع الدخول في هذه الأزقة الضيقة الملتوية. سار كالمترنح، فهو قد بلغ السبعين، ليس دون أمراض الغنى والرفاهية. حف بموكبه رهط كبير من حراسه المدججين بالأسلحة الأوتوماتيكية، وقد طوقوا الحي كله أيضا بمئات الحراس. خف لهاثه قليلا، وهو يسير ببطء وضجر، كان خلفه رهط من مستشاريه ومساعديه، وقد أحاط بموكبه مندوبو صحف الاعلانات، ومصورو قناته الفضائية، وقنوات أخرى، دفعوا لها مقدما عن كل ثانية بث مبلغا طائلا، لكن الصفقة ما تزال مربحة للملياردير الشريف فصفقة واحدة يعقدها متسلحا بمقعده البرلماني تضع في خزائنه البنكية ضعفها ملايين المرات! إنها الجولة الانتخابية الكبيرة، ويجب أن يحافظ على هذا المقعد بأي ثمن، لذا جاء من اجل حفنة اصوات لهذا الحي الفقير الآسن المكتظ ببيوت طينية واطئة أقرب للأكواخ الرثة. لم يستطع أن يخفى التقزز وهو يحاول عبثا أن يرسم على شفتيه ابتسامة السياسيين المتمرسين القادرين على تحمل المسئولية مهما كبرت أو ثقلت! كلما ترنحت خطاه لعن في سره مستشاره الأقدم ابن شقيقته الذي أكتسب خبرته من خوضه تجارب في الانتخابات الأمريكية، والذي نصحه quot;ينبغي أن نظهرك في التلفزيون وأنت في بيوت الفقراء! quot; quot;إنهم مغفلون لا يعرفون غير التذمر والشكوى ومع ذلك يمكننا الحصول على آلاف الأصوات منهم بجلسة صغيرة وكلمات ناعمة قليلة، وقد نضطر لصرف بضعة دولارات لكل منهم! يجب أن نصطادهم نحن قبل أن يصطادهم خصومنا!quot; حقا لا يكفي أنهم من أبناء طائفتنا، فمنافسونا من طائفتنا أشد خطرا علينا من منافسينا في الطائفة الأخرى! راح يتحسس طريقه بحذر وبطء خشية السقوط فالأرض زلقة،وإذا التقط منافسوه سقطته في هذا الوحل على التلفزيون فستعني سقوطه السياسي أيضا! عاد يلعن مستشاره، ثم لعن في طريقه ايضا صحفيا ظهر على التلفزيون غامزا من جولته أمس في حي آخر quot; من فوائد الديمقراطية حتى لو كانت مزيفة وشكلية، إنها تحول الأغنياء فاحشي الثراء إلى متسولين لأصوات الناخبين الفقراء، وتحول الفقراء وحتى المتسولين منهم إلى أغنياء متصدقين عليهم quot; صار يتمتم في داخله،quot; لم أعد أحتمل،هذا آخر حي فقير أزورهquot; لم يدخل في أية مرحلة من عمره هكذا أماكن، ولماذا يدخلها؟ فهو قد ولد وفي فمه كما يقولون ملعقة من ذهب وماس، بيتهم الفاحش الثراء كان يلوذ بظلال مرقد ديني كبير في البلاد، ومن يجرأ على القول أن في عين الأسد قذى ودما؟ والده الذي وفد إلى البلاد قبل قرن تقريبا من بلد مجاور، أستغل ذكاءه الوقاد وما معه من ليرات ذهبية قليلة، وصار من اكبر أغنياء البلد بصفقات لم تكن مبرأة عن الغش والابتزاز والظلم؛ لكن لقبه الشريف كان قبله يقرع الأبواب ! وحكمة الملياردير والنائب أسعد الشريف أن أمجاد بيت الغنى يجب أن تتصاعد إلى الذرى، وبنفس طريقة الأب المؤسس ! توقف ونظر إلى حارسه فناوله على الفور منديلا ورقيا معطرا وضعه على أنفه وعاد يغذ السير،quot; لم أكن اتصور أن هذا الحي متعفن نتن إلى هذا الحد، لولا أن النتيجة ستكون وبالا علينا لرجعت على الفور! تعالى نهيق حمار، وسمع نباح كلاب، وقاءت دجاجات وديكة فوق سطح كوخ قريب ! حقا ما الذي أتى بي إلى هؤلاء الغاطين بالنوم
بين الحمير والكلاب السائبة؟ هل سيستيقظون ويهبون إلى صناديق الاقتراع، حتى لو أقسموا أنهم سيعطوننا أصواتهم؟ هل سيستطيع هؤلاء الأغبياء أن يصوتوا لنا وهم لا يعرفون كتابة اسمائهم؟ كيف أذل نفسي لهم؟ اللعنة على ابن شقيقتي الأمريكي الذي ألح في نصيحتي لأقوم بهذه الزيارة. قبل أيام اغتنما مناسبة استشهاد إمامنا العظيم، وتوشحنا بالثياب السود والشالات الخضر ذهبنا إلى السرادقات المنصوبة على طريق حشود الزائرين، طبخنا لهم بأيدينا مرق للحم والرز، ووزعنا عليهم الأطباق الشهية وأكواب الشاي، بأنفسنا، لكنني كنت أراهم يحدقون بنا ويبحلقون كأنهم يريدون أن يأكلوا من لحمنا؛ لا من مواعين الطبيخ! أعرف أنهم رعاع حاسدون شرهون مزعجون لكنننا نحتاجهم في هذه الأيام العصيبة! ذرفنا معهم دموعنا كلها، ضربنا على صدورنا حزنا، ولعنا قتلة شهيدنا، وتوعدنا أحفادهم! لقد أزعجني صاحبنا عضو كتلتنا الكبيرة ذاك الصبي المدعو راضي التقي؛ فهو أعاب علينا نزولنا إلى الناس،وعده تملقا ساذجاَ ومقرفاَ، وقال إنه سيقف في العراء لوحده ليتنسم غبار معركة شهيدنا العظيم، تمهيدا لخوضها هذه المرة ضد الفساد والظلم،هو يشير إلينا نحن منافسوه في قيادة طائفتنا المظلومة على أننا رؤوس الفساد والظلم! بل أنه راح يخوننا متقربا للطائفة الأخرى، إنه يعلن الحرب علينا، كيف نخلي له الساحة؟ من أجل أن نبقى في مقاعدنا البرلمانية يجب أن نتحمل كل هذا العناء، وكل هذه الروائح العفنة! جولتنا مع حشود الزوار رغم طولها كانت ممتعة بعض الشيء، كانت لنا سرادقنا الخاصة، وفي الجو تعبق رائحة اللحم على النار، والرز العنبر، رائحة الدسم عندي أطيب من أي عطر، بينما هذا المكان يضج برائحة جيف القطط والكلاب ! فسح حارسه الطريق إلى كوخ طيني، كانوا قد أعدوه منذ يومين ليكون فيه لقاؤه مع النساء، اختاروهن من زوجات وأمهات الشهداء ضحايا الإرهاب. يقول مستشارونا أن أعضاء لجان إدارة الانتخابات لن يتساهلوا معنا بعد الآن، قالوا إن ما قمنا به في الانتخابات السابقة كان فضائح مخزية لم نعد نستطيع احتمالها خاصة أمام الهيئات الدولية التي شككت بنزاهتنا، وأدانت ما أسموه تواطأنا مع الأحزاب الكبيرة المتنفذة!، قالوا إننا لم نعد نستطيع استعمال فتاوى مراجعنا الدينية، ولا نفوذ وأموال الدول التي تسندنا، ولا أموال الدولة كذي قبل،صارت تصرفاتنا وتحركاتنا مكشوفة! ولكن لا، وألف لا، هؤلاء المستشارون يبالغون، ما زال لدينا الكثير مما نستطيع عمله لنقف بوجه خصومنا من الطائفة الأخرى، وفي طائفتنا! من يعتقد أن خزائن الملياردير أسعد الشريف مفتوحة للقضايا والحاجات العامة التي لا تنتهي؛ واهم تماما، كل دولار من ملياراتي القليلة كسبته بعرقي وبكد وهم وغم! أين أموال النفط ؟ ماذا حصلت منها ؟ هم يتهمونني بالطمع بها، لتصرف الدولة منها على حملاتنا الانتخابية، أليست هذه طريقة جيدة لضمان نزاهتها ونظافتها؟ هل حصولي على كرسي برلماني بعد نضالي الطويل كثير علي؟ يقولون لي اترك البرلمان وعش حياتك متمتعا بأموالك الطائلة، لماذا بعد هذا العمر الطويل لم تعرف معنى الحياة؟ أية حياة؟ هؤلاء يهرفون بما لا يعرفون، منصب نائب في البرلمان موقع متقدم ضروري للحياة السعيدة، زينة كبرى، فخر عظيم، به أستطيع القول إنني خدمت الشعب ليس بأموالي فقط بل بنضالي السياسي! كان السائرون أمامه وخلفه وعلى جانبيه يتلفتون في كل الاتجاهات يقودون خطاه البطيئة إلى الكوخ، يدبون بصمت، لا تسمع وقع خطواتهم على الطريق المترب في موضع موحل في آخر إلا إذا اصطدمت بقطع معدنية أو علب ألمنيوم فارغة، وهي كثيرة تكاد تغطي الأرض كلها؛ فسكان هذا الحي يعيشون على النبش في نفايات المدينة المكومة غير بعيد عن أكواخهم، كانوا يظنون أنفسهم نفايات أيضا، حتى جاء من ينبش بينهم عن أصواتهم!
اختار منظمو حملته النساء ليجتمع بهن في هذا الحي وأحياء أخرى ؛لحكمة لم يفصحوا عنها؛ لكن الاحتمال الأكبر أنهم أرادوا القول أن الشريف رجل متواضع جدا، وليس متعجرفا متعاليا، وهو مهتم
بشئون الفقراء وليس بشئون مستثمري النفط الدوليين كما يشاع عنه، وهو الأب والحامي والذائد عن حمى النساء الثواكل والأرامل؛،غيره من النواب يلوذون في المساجد لا تتوقف شفاههم عن التمتمة بالدعوات والصلوات بينما هم سرا بعد أن ينتهوا من صفقات السرقة والرشاوى،يهرعون إلى أسرة الغواني،والموائد العامرة بالطعام والشراب المحرم، بل وموائد القمار أحيانا! طال سيرهم في الطرق الملتوية! اقترحت عليهم ان يجمعوهن بسرادق واحد وسط حديقة بيتي الكبير، لكن مستشاري اللعين قال الأفضل أن يراك الناس في التلفزيون وأنت في كوخ من الحي الفقير. تجلس معهن على الأرض كما يفعل مراجعنا العظام، هل مراجعنا لا يستطيعون شراء المقاعد الوثيرة؟ أنت تعرف كم يملكون! خزائنهم تكاد تنفجر متخمة بالذهب، لكنهم بجلوسهم على الأرض يشعرون الناس أنهم لا يملكون سوى هذه الأسمال البالية، وهم ينبذون التعالي، مذكرين بالقول المأثور quot;التراب فراش الأنبياء والقديسين في الدنيا وفي القبر quot; ! ما ضر ان تجلس مثلهم للحظات نصورك فيها فتدخل رحاب الأنبياء والقديسين والزاهدين ؟ ملعون هذا الشاب اليافع ابن شقيقتي،كم لسانه ذرب مقنع، لكنني أدفع ثمن كلماته من روائح وفظاعة هذا المكان!
دخل الكوخ فصدمته رائحة أخرى جعلته يضغط على كرشه الكبير لكي لا يتقيأ !
كانت الرائحة زنخة حادة جدا، حوالي عشرين امرأة بين عجوز وشابة تحمل على صدرها أو تمسك بيدها طفلا، كن مهيئات للزيارة وقد انتظرنها طويلا، بعضهن سكبن على أجسادهن عطورا حصلن عليها من زجاجات النفايات، باختلاطها بالروائح الطبيعية المتفسخة جعلت المكان المغلق خانقا بالرائحة الثقيلة الخانقة! سمحوا لثلاثة أو أربعة رجال بالوجود بينهن مراعاة للتقاليد، كان الملياردير منهكا جدا فتهالك جالساً على الحشية التي أعدت لجلوسه، ساعده في ذلك أثنان من حراسه! كان مساعدوه قد ثبتوا على الجدار الطيني المتآكل، وفوق رأسه، صورة لأحد الأئمة ممسكا بسيفه. وضع حارس مخدة أسندت ظهر الشريف الضخم، ثمة امرأة كانت تجلس قبالته وقريبا منه على الأرض المفروشة ببساط متهرئ كان في حجرها طفل قارب الرابعة من عمره، متسخ الوجه، تحيط بفمه هالة من بقايا حلوى أو طعام، وقد انسحب طرف ثوبه إلى صدره، لم يكن بسروال فبان عضوه محتقنا ومنتعضا، وقع بصر الملياردير عليه فبانت على وجهه تكشيرة غامضة، كانت أنفاس المرأة والطفل في هذا المكان المكتظ تكادان تمسان وجه الملريادير. مضى يتفحص وجوه النسوة، كن شاحبات صفراوات واجمات، فهن قد فقدن أعز ما لديهن أبناءهن أو آباءهن وأزواجهن، ظهرن في عباءاتهن وملاحفهن السود اقرب لحزم من الحطب المسود كثيرا تحت الشمس،كن ذاهلات، حدق بالمرأة التي تقابله والتي لا تنفك كلما انزلق الطفل اليتيم من حجرها تشده إلى بطنها، كانت ربما تفكر: ما معني ان هذا الرجل العجوز الأنيق الوقور جاء ليأخذ أصواتنا؟ ما هي أصواتنا؟ هل علينا أن نغني له؟ ماذا نفعل لنمنحه اصواتنا؟ قلت للرجل الذي جاءنا يطلب أصواتنا، أنا لا أعرف القراءة والكتابة، ولا أعرف ماذا تريدون! قال نريد أصواتكم، وهي محفوظة في الأوراق التي فيها صوركم، وهي عندكم، وعلينا أن نجلبها معنا، وسنحصل على مدافئ وبطانيات، وحليب وسكر، كانت كباقي النساء تمسك أوراقها بيد،وتشد طفلها إلى بطنها باليد الأخرى.
هيمن عليهن صمت يقارب الخشوع، قيل لهن إن الملياردير سيد مبارك، ومن نسل الرسول،انبعث صوته راسما على وجهه انشراحا وسرورا محاولا طمأنتهن :
ـــ تفضلن، جئت أسمع منكن!
هبت في وجهه على الفور عاصفة من أصوات النسوة مختلطة متداخلة،كن يتكلمن دفعة واحدة، ولم يسمع صوت من الرجال، ربما أوصوهم بترك الحديث للنساء فالجلسة مخصصة لهن! اللعنة على الفقراء، هذه عادتهم الكسيفة، دائما، كلهم يتكلمون دفعة واحدة فلا تفهم ماذا يريدون، هذا هو سبب بقاءهم فقراء، وليس هناك اي سبب آخر، الثرثرة هي سبب فقرهم،لا يتركوننا نفهم ماذا يريدون، يلومننا اننا لا نعرف معاناة الفقراء، تدخل مساعدوه وأمروا النساء أن يتكلمن الواحدة بعد الأخرى، هدأت الضجة قليلا، سمعت امرأة تقول:
ــــ العام الماضي وزعتم، بطانيات وعلب حليب للأطفال، أنا لم احصل على شيء!
رد محاولا الضحك بلطف:
ــــ تكرمين، سيارات المؤنة تأتيكم بعد قليل، مساعدتكم واجب علينا، ولا علاقة لها بالانتخابات!
سمع صوت مرتعش لعجوز غائصة بين النسوة فلا يرى وجهها :
ـــ انتم لا تتذكرونا الا وقت الانتخابات، تعدوننا،ثم تذهبون، ولا نرى وجوهكم مرة أخرى!
تعالى صوت الملياردير متصنعا الهدوء:
ــــ لا يا حاجة انتم بقلوبنا دائما، لكن اعمالنا كثيرة ؛انشغالات يا حاجة، انشغالات؛ صدقيني نحن لا ننام الليل نفكر بكم، لا حاجة لأن تقولي شيئا عن مطالبكم ؟ لا...لا نحن نعرفها، سكن جديد،في حي حديث كهرباء طبابة، عمل للأبناء، مدارس نعرف ذلك جيدا أنا فقط جئت لأراكم وأسلم عليكم!
لكن العجوز عادت تقول:
ـــ أي سلام يا سيد ؟ وحق جدك رسول الله، تعبنا كثيرا، صرنا نتمنى الموت لنرتاح!
،سنين عديدة،نسمع هذه الوعود ولم يتحقق منها شيء! لا أمل، أنتم لا تستطيعون أن تغيروا أوضاعنا، اتركونا بحالنا!
ــــ لا يا حاجة، تعرفون نحن الذين اسقطنا الدكتاتور الظالم، نعم نحن الذين اسقطناه،وليس أمريكا،وهذا عمل صعب جدا، تعرفون كم كان الدكتاتور قويا، جبارا ومن يسقطه،كيف لا يستطيع تغير أحوالكم؟ بناء بيوت لكم؟ أو جلب كهرباء، أو تشغيل أبناءكم ؟ هذه أشياء بسيطة... بسيطة يا حاجة، أصبري علينا راح الكثير وبقى القليل !
ساد صمت وسمعت امرأة تبكي، أخرى، أخذت تهلهل، ثمة امرأة أطلقت ضحكة عصبية، صرخ أطفال، وأخذوا يبكون، تعالت أصوات رجال تنتهر، وتزجر، وتدعو للهدوء، عاد الشريف يردد ما قاله:
ــــ قريبا كل شيء يتحقق لكم، بيوت، كهرباء نقل، عمل للشباب،مدارس مستشفى كل شيء، كل شيء، سنعيد بناء هذا الحي؛ سنعيد بناء البلاد كلها.... وتوقف! فجأة شعر بماء دافئ يرتطم بشفتيه؛ ويدخل فمه، أحس بملوحته ورائحته النتنة؛ فأغلق فمه،كأن ثمة تبادلا قد حصل في حلقه بين كلماته مع هذا الماء الغامض الغريب ! ظل الماء يتدفق قويا يرش وجهه، سمع أصوات نسوة مستنكرات، وأخريات و ضاحكات، ونظر أمامه، وقريبا منه، ورأى الطفل وهو يرسل معجزته الصغيرة من بين فخذيه! ومن
غيره يستطيع أن يفعلها؟ كان تيار الماء وقد كبت طويلا يندفع ثابتا إلى وجه الشريف، صار هذه المرة يدخل عينيه ويغشي بصره! اندفع الحراس إلى الشريف لينهضوه،كانت ربطة عنقه الحريرية الفاخرة قد تحولت في البلل إلى سمكة متفسخة لكنها صارت تسبح! أفلت الطفل من حجر أمه، وقد أحس براحة؛ أنه قد أفرغ مثانته،وإن النساء والرجال حوله في حراك وصخب لا يفهمه، لكن يجعله يضحك فرحاً!