لست ممن يعتقدون أن الانتخابات العراقية القادمة سوف تأتي بالتغيير الديمقراطي السليم المنشود، فتنهي عهد الاجتثاث والطائفية والفساد والهيمنة الإيرانية الكاسحة. هذا لا يعني دعوة للمقاطعة، ولكنه اجتهاد على ضوء الدور الإيراني الحاسم، ومهما كانت النتائج الانتخابية، ودور واشنطن الذيلي وراء إيران في السماح لولاية ثالثة للمالكي. كذلك ما تدل عليه مؤشرات وأحداث ما قبل الانتخابات: من تسقيط لمرشحين، والحملات الشعواء على المثقفين والكتاب المخالفين لسياسات المالكي، وكذلك استغلاله لمناصبه والمال العام لدعايته الانتخابية، خلافا لنظام مفوضية الانتخابات، واحتمالات التلاعب بالنتائج. ويبقى الدور الإيراني هو الحاسم، وهو المقرر.
لقد سبقت الانتخابات- لحد اليوم- أحداث خطيرة دلت على فشل الحكومة في كل الميادين، وعلى عجز وتبدل مواقف القوى السياسية الأخرى باستمرار، فضلا عن الهجمات على حرية النشر والصحافة، واليوم قرار بتأسيس شرطة للأخلاق!
الانتخابات سوف تجري في وقت استمرار اللهب الطائفي المستعر، وعودة قاعدة داعش بقوة بعد أن تم دحر القاعدة قبل سنوات بفضل الصحوات والقوات الأميركية. ونعرف الجفاء الذي قابلت به الحكومة ظاهرة الصحوات، والتراجع عن معظم الوعود المعلنة، ثم الموقف السلبي الصارخ من مطالب الأنبار، والهجوم المسلح على المعتصمين [ بعد مذبحة الحويجة]، فالانسحاب السريع، مما مكن القاعدة من التسلل للمدن. وكان ممكنا جدا كسب أكثرية سكان تلك المناطق لو استجيب لما هو مشروع من المطالب، ومن ثم عزل عناصر القاعدة وكل متطرف يميل نحوهم ويساعدهم، فالقاعدة لا تحارب امنيا وحسب، بل ولابد من سياسة عادلة ومتوازنة تتعامل مع كل شرائح الشعب بنظرة متساوية ومن غير تمييز وإقصاء.
ولقد صدق المالكي حين خطب في منتدى بغداد عن أموال الشعوب المنهوبة، وقال إن الفساد والإرهاب وجهان للظاهرة نفسها. وهذا ينطبق على العراق أكثر من سواه. فقد فشلت الحكومة في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وهو ما ساعد على تمكين القاعدة وغيرها من الأعداء من التسلل للأجهزة ومراكز التفتيش وتنفيذ جرائمهم. فهل تحارب القاعدة بحفر خندق حول بغداد يستنزف الاموال ويفتح شهية النهب والفساد، أم بالسياسات الوطنية والديمقراطية الحصيفة، وتطهير الأجهزة، وحفر خنادق سياسية وفكرية وأخلاقية بين العراق والفساد، وبين العراق والطائفية، وبين العراق وهوس الاحتكار والاجتثاث والتسلط؟؟ وحين يتحدثون عن الإرهاب، يحصرونه في داعش، مع أن هناك مليشيات إرهابية موالية لإيران وخاضعة للحكومة. وهي تمارس التطهير الطائفي والقتل ومصادرة الأموال والممتلكات، كما جرى في بهرز، وما حدث لعقارات المسيحيين على أيدي عصائب أهل الحق، التي يعلن الناطق الرسمي باسمها أنهم ينفذون فتاوى خامنئي والحائري وبقية الملالي، سواء حين يحاربون بجانب الأسد هم ولواء بدر وحزب الله البطاطي، وطبعا، وأيضا، فيما يفعلونه داخل العراق.
ما يجري في العراق اليوم لا يكاد يصدق. فكيف نصدق ما جرى للطائرة اللبنانية بسبب أن وزير النقل، الذي هو قائد لواء بدر الموالي لإيران يعاقب الطائرة بسبب تخلف ابنه عن موعد الإقلاع في بيروت؟ وكيف نصدق صياغة قانون باسم القانون الجعفري، ومباهاة نفس وزير العدل بكثرة من اعدموا في عهده،علما بأنه تمت محاكمتهم ثم إعدامهم دون أن يطلع الرأي العام على مراحل التحقيق وحقيقة الاتهامات ومواعيد التنفيذ، ومع علم الجميع بأساليب التحقيق المنافية لحقوق الإنسان والعدالة. وهذا الوزير نفسه يعلن عن استعداده لتسليم لاجئي مجاهدي خلق لإيران لو طلبت ذلك، بعد أن تم تنفيذ سلسلة مجازر رهيبة بحقهم في أشرف وليبرتي. فأية عدالةإ وأي وزير للعدل! وأية وزارة لحقوق الإنسان! وكيف نصدق أن حاكم العراق يدعو quot; الدم بالدمquot;، وأنه يتسامح مع نائبته التي تصرخ عاليا [ سبعة بسبعةٍ]!
في مثل هذه الأجواء، ووسط كل هذه الممارسات والسياسات والأحداث، ولاسيما تعمق الشرخ المذهبي، والهيمنة الإيرانية، والضلوع العراقي في الأزمة السورية، وخضوع المؤسسات القضائية وغيرها، والتي من المفترض حياديتها، للسلطة التنفيذية، واحتمال إعلان حالة الطوارئ، والصراعات السياسية، واستمرار الهوة بين المركز وإقليم كردستان لحد تلويح حكومة الإقليم بالاستقلال والدولة الكونفدرالية [ وهو ما نعتبره سابقا لأوانه وموقفا متسرعا]: كيف نأمل أن تأتي الانتخابات بالبديل السياسي السليم؟؟ أم نحن في عهد المعجزات!