تروج الجزائر عبر وسائل إعلامها الخاصة، وعبر حلفائها، العلنيين والضمنيين، ان موقف المغرب من قضية الصحراء، يتحكم فيه عنصر جوهري، يكاد يكون وحيدا، وهو خوفه من الاستفتاء ومن نتائجه، التي لن تكون لصالحه، على حد الزعم الذي تتم الدعاية له، في عدد من الأوساط والمحافل الإقليمية والدولية وصالونات الثرثرة السياسية. والحقيقة ان هذه كذبة يمكن ان تكون مقبولة متى اندمجت إطار أكاذيب اول ابريل، غير انها فضيحة الفضائح، متى اريد التسويق لها لتكون أساس موقف او نظرية تفسيرية لموقف عريق مثل موقف المغرب من وحدته الوطنية والترابية، وليس وليد ظروف سياسية او تاريخية طارئة، كما تحاول، هذه الكذبة البلقاء، الإيحاء به بالنسبة لمن لا يعرفون خلفيات النزاع، والعوامل التي أدت الى اندلاعه والأدوار التي لعبتها الدول والقوى الدولية المختلفة في صنع وتأجيج هذا النزاع خلال العقود الماضية.
ويكفي الإشارة هنا الى عدد من المعطيات الراسخة لتبيان تهافت منطق التفسير بالخوف كما لو ان المسالة مسألة سيكولوجية، وليست سياسية استراتيجية وسيادية بامتياز.
المعطى الاول. ان المغرب هو الذي بادر، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، الى طرح مسألة استرجاع أقاليمه الجنوبية امام أنظار الامم المتحدة، في سياق نضاله من اجل تصفية الاستعمار الإسباني في الصحراء، وكان شعار تقرير المصير هو العنوان الأكبر لهذا النضال. وإذا استطاع المغرب استرجاع إقليمي طرفاية وسيدي ايفني أواخر الستينيات، فإن تعنت الاستعمار الإسباني، في عهد الجنرال فرانكو، حال دون تصفية الاستعمار في إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب حيث كان التخطيط جاريا على قدم وساق في الدوائر الاستعمارية لاختلاق دولة قزمية تابعة لمدريد على مختلف المستويات.
المعطى الثاني، ان المغرب لم يتخل قط عن موقفه الداعي الى ضرورة جلاء المستعمر عن الصحراء، قبل تأسيس جبهة البوليساريو في شهر مايو من عام ١٩٧٣ بعقود طويلة، علاوة على ان مجمل عناصر قيادتها التاريخية كانوا يناضلون بصفتهم المغربية في صفوف الحركة الوطنية الديمقراطية المغربية، بمختلف مكوناتها الحزبية والنقابية قبل ان يقعوا في فخ الاستراتيجية الجزائرية الليبية آنذاك ليتحولوا الى عناصر معادية لنضال الشعب المغربي ويمارسوا السياسة في سياق استراتيجية الجزائر المعادية للمغرب المنخرطة في مؤامرة فصل الصحراء عن المغرب.
المعطى الثالث، ان رفع قضية الصحراء الى أنظار محكمة لاهاي لا يعبر بأي شكل من الأشكال على أدنى خوف من رأي المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة، بل هو دليل على متانة الموقف المغربي واستجابته لكل المعايير الدولية على مستوى السيادة الوطنية كما على مستوى الإرادة الراسخة في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة ونزع فتيل النزاعات المفتعلة التي تتوسلها غالبا قوى الهيمنة من اجل تحسين مواقعها على حساب الشعوب المستقلة ذات السيادة
المعطى الرابع، ان المغرب في ظل ظروف إقليمية ودولية محددة قد أعلن بشكل رسمي موقفه المؤيد لتقرير المصير في الصحراء في مؤتمر المرحومة منظمة الوحدة الافريقية بنيروبي، اعتقادا منه ان الجزائر وليبيا القذافي آنذاك، جادتان في البحث عن حل سياسي ينأى بالمنطقة عن عواصف التوتر والنزاع المسلح، الا ان الموقف المغربي تم تفسيره بشكل خاطئ من قبل خصوم وأعداء وحدته الوطنية، الذين اعتقدوا ان سبحة التنازلات المغربية قد فقدت بوصلتها، وان مزيدا من الضغط على المغرب سيؤدي حتما الى مزيد من التنازلات. وفي سياق هذا الاعتقاد تم التصعيد العسكري ضد المغرب على المستوى الميداني من خلال العمليات الإرهابية العدوانية على التراب الوطني في مختلف مناطق الجنوب، من جهة، وتم التصعيد السياسي، ضده من خلال نزول الدولة الجزائرية بكل ثقلها لشراء مواقف مؤيدة للبوليساريو ودولته الموهومة، في كل افريقيا، وهو ما تم تتويجه بقبول عضوية دولة البوليساريو في منظمة الوحدة الافريقية، الأمر الذي أدى الى قلب المغرب للطاولة في وجه الدبلوماسية الجزائرية من خلال الانسحاب من منظمة لم تعد تملك قرارها بنفسها خاصة بعد ان تحول عدد من دولها الى اداة إضافية ومكملة للدبلوماسية الجزائرية في مختلف المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية.
المعطى الخامس، لقد وافق المغرب على خطة الأمم المتحدة الخاصة بوقف إطلاق النار، وتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء، غير أن الجزائر، التي كانت تتباكى على مصير أبناء الصحراء، أوعزت إلى أدواتها في قيادة جبهة البوليساريو وشيوخ القبائل المؤيدين لها بعرقلة عملية تحديد لوائح الذين يحق لهم أن يشاركوا في استفتاء تقرير المصير، من خلال رفض تسجيل ألاف الصحراويين ضمن القوائم المعدة لهذا الغرض، علاوة على رفضها الصريح والواضح للقيام بأي إحصاء للاجئين، لرغبتها في تضخيم الأعداد للتحكم في نتائج الاستفتاء اذا كتب له ان ينظم في اي يوم من الأيام. وقد كان محصلة هذه العراقيل تخلي مجلس الأمن عن خطته لتنظيم استفتاء تقرير المصير، والدعوة إلى ضرورة التوصل إلى حل سياسي توافقي من خلال مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة عبر المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة إلى الصحراء.
المعطى السادس، مبادرة المغرب بتقديم خطة الحكم الذاتي للاقاليم الجنوبية أرضية للحوار والتفاوض، في سياق البحث عن الحل السياسي التوافقي الذي دعت إليه الأمم المتحدة في سياق تكريس تجاوز خطة تنظيم تقرير المصير التي ثبتت استحالة تطبيقها، على مختلف المستويات. غير أن هذه المبادرة الجدية والطموحة قد قوبلت بالرفض الجزائري المترجم في رفض قيادة جبهة الانفصال التي اعتقدت أن الفرصة قد أصبحت سانحة أمامها لتجديد الدعوة إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير، ليس للبت في أي من الموقفين المطروحين أصلا وهما: قبول السيادة المغربية، على الصحراء، أو الاستقلال عن المغرب، وإنما إضافة موقف محتمل ثالث وهو قبول خطة الحكم الذاتي كما لو أن المغرب تخلى نهائيا عن سيادته الوطنية أو مستعد للتخلي عنها في أي وقت من الأوقات.
المعطى السابع، انكشاف لعبة الدخول في مفاوضات عقيمة مع قيادة الانفصاليين التي لا تملك أي عنصر من عناصر الحل والعقد التي تحتكرها الجزائر وهو ما تجلى في مختلف مواقفها خلال جولات المفاوضات السابقة تحسبا لتطورات تسمح لها بطرح قضايا جديدة تعيد الحوار والتفاوض إلى نقطة الانطلاق أو ما قبلها، كما تبين عندما طرح كرستوفر روس خطته لتوسيع صلاحيات المينورسو إلى مراقبة حقوق الانسان في الصحراء المغربية في محاولة لضرب الموقف المغربي عرض الحائط، وهو ما تم التصدي له بقوة وحزم من قبل المغرب وعدد من أصدقائه على مستوى مجلس الأمن.
إن هذه المعطيات، جميعها، إضافة إلى آخر موقف عبر عنه العاهل المغربي محمد السادس في مكالمته الهاتفية مع بان كي مون، تؤكد، لمن هم بحاجة إلى تأكيد، أن قضية هذا النراع الإقليمي لا يمكن حلها إلى من خلال التوجه مباشرة إلى الأسباب التي أعطته شهادة ميلاده وليس باللجوء إلى كذبة الخوف المغربي المزعوم من نتائج الاستفتاء