حين إنطلقت حركة ( الملكية الدستورية ) من لندن عام 1993 و بعد المتغيرات العنيفة التي عاشها العراق و العالم العربي بعد الغزو العراقي للكويت و إنكفاء النظام العراقي السابق بعد الهزيمة الكارثية في ( أم المعارك ) عام 1991 و إعادة صياغة مشهد جديد للمعارضة العراقية في الخارج، كان الأمل معقودا على أن تكون تلك الحركة التي دشنها المرحوم الشريف الحسين بن علي الهاشمي والد الشريف علي بن الحسين بداية حقيقية لإعادة تصحيح الموقف التاريخي و إحداث نقلة نوعية في مسيرة المعارضة العراقية و تشكيل المظلة السياسية الجامعة المانعة التي من شأنها أن تكون الإطار المتسامي فوق الطائفية و العشائرية و المناطقية، لقد إنطلقت الحركة الدستورية الملكية العراقية لتسد الفراغ الكبير في الجسم الوطني المعارض، و كانت حركة سياسية و إجتماعية واعدة إعتمدت على النوستالجيا الشعبية و الحنين العام للعهد الملكي في العراق الذي أسس العراق الحديث و خطط لنهضته و كان الصورة العراقية للحكم الوطني و لأول مرة منذ الغزو المغولي للعراق عام 1258، و برغم الشكوك و إشارات التوجس و الحذر و سخرية البعض من إعادة الضوء على المشروع الملكي العراقي و محاولة إعادة إحياء العهد الملكي بطريقة دستورية و سلمية و حضارية بعيدة عن العنف إلا أن الحركة قد حظيت بقبول و ترحيب شعبي كان محدودا في بدايته و تلقفته و ألتفت حوله الإنتيليجنسيا العراقية المثقفة، و كان مشروعا و طنيا وادعا تلقته بحذر بالغ الأنظمة العربية و شكك الكثير في جدواه فيما أعتبره أهل الحركة الدينية العراقية ( الجماعات و الأحزاب الشيعية العراقية ) مجرد هرطقة أو نغم نشاز لا يتناسب و المشروع الطائفي الهادف لقيام دولة دينية عراقية تكون ملحقة بدولة الولي الإيراني الفقيه، فدخول الشريف علي بن الحسين على الخط يصيب في مقتل المشروع الطائفي! فلا أحد يزايد على نسب و إنتماء و هوية العائلة الهاشمية المالكة في العراق؟ و لا أحد بإستطاعته مهما بلغ به الحقد و السوداوية ان يشوه اصالة و إنتماء و تضحيات تلك الأسرة الكريمة التي قدمت دماء أفراد العائلة الملكية فداءا للعراق و شعبه في إنقلاب 14 تموز الدموي الأسود عام 1958، صحيح أننا لم نعش في ذلك العهد و لم نعاصره كما لم نشهد مصرع العائلة الهاشمية و لكننا قرأنا التاريخ و أستوعبنا دروسه جيدا و عرفنا كل التفاصيل الدقيقة عن ذلك العهد الزاهر، فدماء الملك فيصل الثاني و خاله الأمير عبد الآله و نساء الأسرة هي بمثابة عار معلق برقبة كل من إنتهك حرمة و دماء تلك الأسرة الكريمة، لقد كانت تلك الجريمة المروعة المفتاح المركزي لكل المصائب التي حدثت في العراق لاحقا حتى وصل حاله لما وصل إليه حاليا من دمار و تشظي و خراب.. الحركة الملكية الدستورية كانت تمثل مشروعا وطنيا شاملا عابرا للطائفية و متسامي على قذارتها و عفونتها و تخلفها المريع، و كان من المفترض بعد العودة للعراق عام 2003 أن يستمر زخم الجهاد و الصراع من أجل إقرار صيغة معينة تعيد إرساء معالم العهد الملكي و خلق جيل جديد يصحح التاريخ عبر التركيز على منهجية الفكر الدستوري و النضال من أجل محاولة إعادة الإعتبار للعهد الملكي العراقي وحتى محاولة إعادة تشييد النظام الملكي الدستوري بإعتباره الحامي و الضامن لوحدة العراق و شعبه، لقد نشأت في العراق أجيال لاتعرف شيئا عن العهد الملكي الدستوري و عاد المجتمع العراقي للأسف القهقرى لقرون عديدة بل أن الظواهر الطائفية السائدة في الساحة العراقية تؤكد بأن العراق لا زال يعيش حاليا في العصر الأموي! و إن ثارات قريش لم تزل صيحاتها تتردد في أجواء العراق محولة المشهدين السياسي و الإجتماعي لكوميديا عراقية سوداء بعد أن تمكنت الرجعية الدينية/ الطائفية من فرض صيغتها و بشكل موجع و غير مسبوق، ومن الطبيعي في ظل الأجواء و الأفكار العراقية السائدة بأنه لا توجد حاضنة طبيعية لأفكار و توجهات الملكية الدستورية خصوصا و إن شخصية الشريف علي بن الحسين هي شخصية غير هجومية ووديعة و لا يمكن لها أن تجاري طبقة التماسيح و العفاريت الحاكمة في العراق، فالشريف علي نشأ في محيط و بيئة نظيفة لا يمكن له أبدا معها أن يصل لمستوى ضحالة و عدوانية و نفاق الطبقة الحاكمة من الذين كانوا مشردين في شوارع و أزقة قم و طهران و ريف دمشق و عملوا طويلا في خدمة المخابرات السورية و الإيرانية و الليبية القذافية، لذلك فقد كان غريبا للغاية في الإنتخابات الماضية أن يقوم الشريف علي بترشيح نفسه لدخول البرلمان وهو صاحب مشروع سياسي و مطالب بإعادة حق سلبه العسكر في العراق بإنقلابهم الدموي، و اليوم تزداد الغرابة مع دخول الشريف علي للمعركة الإنتخابية الحالية ومع من؟ مع قائمة دولة القانون المالكية الطائفية و مع حزب الفشل التاريخي حزب الدعوة و هو تصرف غريب و لا ينم أبدا عن حنكة و لا يخدم توجهات الحركة الملكية الدستورية و لا تاريخها و لا منهجها، ودخول البرلمان فيما لو تم ليس شرفا للشريف، فمن يطالب بعرش العراق لايجوز له أن يضع عينيه على كرسي النيابة الذي لن يضيف له شرفا بل سيسلب منه أشياء كثيرة و أهمها الإستقلالية و المصداقية و حتى الشرعية!! مؤسف للغاية تصرف الشريف علي الذي يخوض الإنتخابات في قائمة من سرق و دمر و هشم و حطم العراق، فمن يطمح للعلا لا يسمح لنفسه بأن ينزل رقبته لمن لا يستحق.

[email protected]