(1ـ..)

شعور و احساس غريب و مجهول يدفعنا و يحثنا للسير بإتجاهات و طرقات لم نکن نألفها و لا فکرنا بالسير فيها قبل إبتلائنا بهذا الفيض الغامر الذي ملأ أعماقنا عبثا بريا لذيذا ليس بالامکان مقاومة جنوحه للإنفلات من کل القيود و العراقيل مطلقا.

الحب تفاحة لکن لايمکن أن تؤکل دفعة واحدة مثلما لايمکن أن تؤکل على دفعات!

هکذا قال أحدهم و هو يعيش قصة حب مجنونة أطاحت بکل مافي رأسه المرهق بتعب السنين من هموم و مشاغل، و جعلته مجرد جسد يسير و يتصرف بهدى من الاحساس الذاتي الذي إعتراه فجأة.

ليلى الطرابلسية عندما ملکت لب زين العابدين بن علي، فقد إمتلکت عقله و صار مجرد کائن مقيما في داخلها و ليس في داخله، بعکس نابليون بونابرت الذي إمتلك لب جوزفين و جعلها مجرد نجم تضوي في داخله، الحب، بمعناه و مضمونه الامثل، هو حالة فقدان الذات في داخل ذات أخرى، هو حالة ذوبان و تلاشي في عالم يکتنفه ضباب وجداني يشع وجدا و يحترق من دون نيران او دخان.

عندما تهجع الى الفراش و تداف عيونك بکحل الارق و تتقافز أفکارك کالعصافير في ربى و وهاد لاتعلم شيئا عن نهاياتها، حينئذ تتيقن بأن أحدهن قد سبرت أغوارك و زرعت فيك بذورا قد تنمو کزهور تعبق بأنفاس الملائکة او قد تسفر عن أشواك تفتح فيك جرحا لايندمل طوال سنوات العمر.

هل سبق لأحدکم وان مارس الکذبquot;الابيضquot;في علاقاته العاطفية؟ يقينا أن حالة مريم المجدلية تنعکس هنا فمن کان منکم بلا کذب في علاقاته العاطفية فليرم العالم کله بحجارة! کلکم تماديتم في وصف أحاسيسکم و عواطفکم و غاليتم فيها أيما مغالاة، لکن، وفي نفس الوقت لم يکن لأي منکم أي حول او قوة في مواجهة إعصار الحب هذا سوى الانصياع و الانقياد المفرط له و مسايرته من أجل عدم التفريط به، ولعل ان حالة السعادة و احساس النشوة الذي يمنحه الحب، ليس بوسع أي حالة إنسانية أخرى أن تمنحه، وبسبب من ذلك، فقد إنهارت عروش و سقطت إمبراطوريات و تلاشت نظم سياسية عتيدة، وقطعا لم يکن هناك من مناص إذ انه و لم يکن بمقدر أحد مقاومة ذلك الطوفان الاستثنائي الذي إجتاح أعماق وجدانهم من دون الاستجابة غير المشروطة لها، و الخضوع لأقدارها مهما کانت عنيفة و قاسية و ذات مرة سألت شاعر شاب إنتهى الان ککومة عظام بشرية يقودها البعض احسانا و تکرما، هل سبق وان جربت الحب؟ فقال

وکأنه يبوح بسر رهيب..لم أعشه أبدا لأنني لازلت أحدق في وجهها کل يوم من دون أن أجرؤ على البوح لها بما في صدري! بعد أکثر من 15 عاما، حيث فرقتنا الايام و الاحوال و الظروف إلتقينا مرة أخرى و طرحت عليه نفس السؤال فقال: الحب هو احساس بأمل لاوجود له، وصدقني هذا هو الحب و من قال غير هذا فهو کاذب!

هذا الشاعر قال ذات يوم وهو يخاطب تلك التي کان يعشقها الى حد الجنون: کفاك توشحا بالسواد...أنضها عنك و أعزفي في حانة حزني بيانو البشرى. الفتاة کانت تحب أن تتدثر بالملابس السوداء وهو کان يحلم أن يراها ولو لمرة واحدة بملابس بيضاء، وعندما سألته لماذا؟ قال لأن الملائکة تتشح بالبياض، فبادرته وهل رأيت ملائکة؟ قال؛ هي ملاکي الوحيد، وعندما ذکرته بهذا الکلام لفه صمت قصير ثم ضحك وهو يقول: کان يجب أن أعرف منذ البداية ان البشر لن يتمکنوا من الطيران إلا بأفکارهم المجنونة، لکن قصة هذا الشاعر ليست کقصة شاعر آخر إنتهى في اوربا وهو يقتات حاليا على ما يجتره من ماضيه وللموضوع صلة.