من مذكرة سفير عربي في اليابان


لقد لفت نظري صورة كارتونية أرسله لي أحد السفراء العرب في طوكيو عن وضع العالم العربي في القرن الحادي والعشرين. يصور هذا الكارتون خيم للاجئين منتشرة على خارطة جميع أراضي وطننا العربي الكبير. وطبعا، يحاول رسام هذه الصورة الكارتونية أن يعبر، عما وصل إليه حال العرب، في زمن الألفية الثالثة، وفي عالم العولمة الجديد. فليس هناك قطعة أرض من هذا الوطن العربي إلا وبه صراعات، ونزاعات، كما أن الكثير منها تعاني من مشكلة اللاجئين، بل سيكون هناك جيل مستقبلي من الأطفال، سيعيشون الضياع، بدون سكن، أو أمن، أو تعليم، أو حلم للمستقبل. وكأن النكبة تتكرر من جديد، ولكن هذه المرة بيد عربية، وبقناع الإسلام السياسي. فمن المحزن جدا بأن تكون المعارضة المتطرفة جزءا فاعلا في عملية التدمير هذه، في مجتمعاتنا العربية، لتجتمع إبداعاتها واختراعاتها، بين التفجيرات الانتحارية، لقتل البشر، وتدمير البنية التحتية، والمظاهرات الاحتجاجات اليومية لتعطيل العمل وإضعاف الاقتصاد، بالإضافة للعب دورها في نشاطات سياسية لتشويه سمعة أوطانها في الخارج، ليؤدي كل ذلك، لهروب الاستثمارات الأجنبية، وانخفاض موارد السياحة، وتدهور الصناعة الوطنية، ولتنتهي لزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وإنخفاض مستوى الخدمات المجتمعية التي تقدمها الدولة، من إسكان، ورعاية صحية وتعليمية، وحتى نظام التقاعد والتعطل. وللدفع بالعبقرية الانتحارية للابتكار لا ننسي عبقرية ترغيب الانتحاريين بحور الجنة، ليصل عددهم لما يقارب العشرين ألف امرأة للرجل الواحد، وفي قصور مزخرفة جميلة، بل وتخويفهم من عذابات القبر، والثعبان الأقرع، إن لم ينفذوا أوامر أسيادهم في التدمير. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل وجدت المعارضة في المجتمعات الديمقراطية لتلعب دورا إيجابيا في التنمية المستدامة، بتناغم العمل مع الدولة، وزيادة كفاءة الحكومة، وانتاجيتها، أم هي فقط الة صراع للسيطرة على الحكم؟ وتبقى الأسئلة المحيرة الأخرى: ما الذي سيحدث حينما تستلم هذه المعارضة السلطة؟ ألن تتكرر المأساة نفسها مرة ثانية، بقيام من سيصبح في المعارضة، بوضع العصاه في عجلة التنمية والتطور في البلاد؟ وهل هذه هي الديمقراطية التي تحلم به شعوبنا العربية، لتحقيق تنميتها المستدامة؟
وقد لفتت نظري هذا الكارتون أيضا لوقائع وضع المعارضة في بلدي الحبيبة مملكة البحرين. فبعد أن فاز بالتزكية رئيس المعارضة البحرينية مؤخرا في انتخابات جمعيته في الشهر الماضي، هو ونائبه، لمدة اربع سنوات إضافية، وبعد بقاءه ثلاثة عشر عاما في نفس هذا المركز. وقد يتساءل البعض: ما الذي استطاع تحقيقه هذا الرجل ليستمر باقيا في مركزه بلا منازع، وبالتزكية. فالجمعية التي استلم رئاستها في عام 2001 تفتت لعدة جمعيات، وخرجت من بطنها جمعيات سياسية أكثر تطرفا، بل تنادي بعضها علنا بالانقلاب على المملكة الدستورية، وتشكيل جمهورية ثيولوجية، على النمط الايراني. كما أن نواب جمعيته انسحبوا من البرلمان في فترة حرجة من تاريخ مملكة البحرين، بدل تواجدهم لإيجاد حلول حكيمة لمرحلة حرجة مضطربة. كما أنني صعقت حينما قرأت عن طلب بعض عناصر المعارضة بمنع سباق quot;الفورميولا ونquot; في مملكة البحرين في شهر ابريل الجاري. تصور عزيزي القارئ جمعية سياسية مسئولة بدورها في التنمية المستدامة، تقوم بمحاولة مستميتة للدفع بوقف حدث رياضي اقتصادي هام، لمنع تطوير وتنمية البلد، رياضيا، وثقافيا، واقتصاديا. والنوتة الموسيقية الاخرى التي منشغل بها رئيس المعارضة البحرينية، هي اتهامه الحكومة بعدم تمثيل طائفته، بشكل مجزي في إدارات الحكومة. ويبقى السؤال هل الديمقراطية التي تنادي بها المعارضة متعلقة بالطائفة أم بالمواطنة؟ وهل من الواجب أن يتركز الحوار حول كفاءة المسئولين في ادارات الدولة، أم عدد المسئولين الممثلين من كل طائفة؟ ويبقى السؤال الاهم ما هي نتائج سلوك المعارضة البحرينية منذ بداية ما سمي بالربيع العربي في شهر مارس من عام 2011 وحتى الان؟
لقد لفت نظري وضعنا العربي لمقولة لعالم الاجتماع إبن خلدون في قوله: quot;الفتن التي تختفي وراء قناع الدين، تجارة رائجة في عصور التراجع الفكري للمجتمعات.quot; وفعلا نحن في عصر تراجع فكري، بالفتن التي تختفي وراء قناع الدين، وفعلا أصبحت للبعض تجارة رائجة لتثبيت طموحاته القيادية والسياسية وربما المالية. بل لا يتحدد الوضع فقط بالتراجع الفكري، بل أيضا بالتراجع الاقتصادي، والاجتماعي. وخير ما يعبر عن هذا التراجع الشمولي هو مؤشر السعادة الذي أعلنت عن نتائجه مؤخرا، شبكة حلول التنمية المستدامة، التي أطلقتها الأمم المتحدة، في تقريرها السنوي حول مؤشر السعادة في العالم. فقد تصدرت الدول العربية دولة الإمارات العربية المتحدة بالترتيب الأول، والمركز 14 عالميا، متبوعة بدول الخليج، باستثناء مملكة البحرين، التي توسطت الترتيب الذي يضم 156 دولة، وطبعا بفضل جهود المعارضة المتطرفة في تحطيم اقتصاد البلد وسعادة شعبه. وكانت منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط أكثر منطقة شهدت تراجعا مذهلا، حيث أنها حلت في المركز الأخير مقارنة ببقية المناطق. وكان واضحا بأن دول ما سمي بالربيع العربي تأثرت بأحداثها كثيرا، حيث أن دولها شهدت تراجعا.
وقد كان ترتيب الدول العربية تنازليا، في أربعة مجموعات، كما يلي: فقد ضمت المجموعة الأولي الإمارات العربية المتحدة 14، عمان 23، قطر 27، الكويت 32، والسعودية 33. وقد كانت هناك مفارقة كبيرة بين المجموعة الأولي والمجموعة الثانية والتي ضمت: الجزائر 73، الأردن 74، ليبيا 78، والبحرين 79. كما بانت المفارقة أيضا بين المجموعة الثانية والمجموعة الثالثة والتي ضمت: لبنان 97، المغرب 99، تونس 104، العراق 105، موريتانيا 112، وفلسطين 113. والجدير بالذكر هناك بأن ترتيب إيران كان 115، بينما كان ترتيب تركيا 77. أما المجموعة الرابعة فضمت: السودان 124، مصر 130، اليمن 142، وسوريا 148.
تلاحظ عزيزي القارئ بأن الدول العشرة التي تقدمت في مؤشر السعادة هي الدول التي احترمت شعوبها الوقت، وقدست العمل، واهتمت حكوماتها بتنمية وسعادة الإنسان، وطورت اقتصادها من خلال السوق الحرة المنظمة بالقوانين، ووفرت لشعبها شبكة حماية اجتماعية، والتي جمعت بين التعليم المتميز، والرعاية الصحية المتطورة، مع نظام تقاعد وتعطل. كما خلقت مجتمعات مسالمة ومتناغمة، بعيدة عن الكراهية الطائفية المقيته، والصراعات الايديولوجية المدمرة، وبذلك خفضت ميزانية الصرف على الأمن والجيش. وكانت الدول العشرة الأولى في ترتيب مؤشر السعادة هي الدنمارك الأولى، النرويج 2، سويسرا 3، هولندا 4، السويد 5، كندا 6، فنلندا 7، النمسا 8، ايسلندا 9، وأخيرا استراليا 10. ولنتذكر عزيزي القارئ بأن جميع هذه الدول لديها معارضة، ولكنها معارضة إيجابية متفاعلة ومتناغمة وبنائة، وليست معارضة سلبية، انفعالية، انقلابية، انتقامية، وحاقدة.
لقد وجدت دول العالم الحاجة لتطوير مفهوم اجمالي وطني للسعادة، يعكس مدى تأثير نجاحات مؤشرات التنمية على نفسية وروحانية العنصر البشري في المجتمع. وقد اعتمد تقيم مؤشر السعادة على تسعة مؤشرات تجمع بين السعادة والصحة النفسية، والصحة الجسمية، والتربية التعليمية، وقدسية الوقت في الاستخدام، والتنوع والمرونة الثقافية، والحكم الجيد، والمجتمع الحيوي المتناغم، والتنوع البيئي، والمستوى المعيشي. وهنا أرجع للمعارضة المتطرفة البحرينية ودورها في تردي مؤشر السعادة في مملكة البحرين، بعد أحداث مارس لعام 2011، والتي حاولت هذه المعارضة المتطرفة الانقلاب على المملكة الدستورية بالدفع لجمهورية ثيولوجية على النمط الايراني الفاشل. فقد حققت مملكة البحرين استقلالها في عام 1971، لتحقق الدولة خلال ثلاثة عقود تحديث البحرين كمركز مالي هام، وتنويع مصادر الدخل، بتطوير البنية التحتية، والسياحة، والتصنيع، والتعليم، والرعاية الصحية، والاسكان، وتطوير نظام تقاعد وتعطل.
كما تم في عام 2001 التصويت على الميثاق الوطني والذي وافق عليه 98.4% من شعب البحرين، لتتحول البلاد إلى مملكة دستورية، تجمع بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مع مسئوليات السلطة الرابعة، بالإضافة لتبيض السجون من المعتقلين السياسيين. وقد تم الموافقة في هذه الفترة على تشكيل جمعيات سياسية، والتي لبست بعضها قناع الدين الطائفي. وبدل أن تتفرغ المعارضة في العمل على تطوير تشريعات، تطور العملية التنفيذية في البلاد، توجهت لمحاربة الحكومة، بل عملت بكل طاقاتها التخلص منها. كما انشغلت في البرلمان على تعطيل عمل الوزراء بالتساؤلات والاتهامات المتكررة، بدل أن تلعب دورا في خلق الثقة بين المعارضة والحكومة، والعمل معها لتحقيق التنمية المستدامة. وحينما بدأت موجة ما سمي بالربيع العربي، وجدت المعارضة المتطرفة فرصتها لاستغلال هذه الانتفاضة لتحقيق أغراضها، ولتبرز على حقيقتها بدعوتها لجمهورية اسلامية على النمط الايراني، ورفضها بقبول الحوار على النقاط السبع للاصلاحات الاقتصادية والسياسية في البلاد. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل حان الوقت لتلعب المعارضة دورا ايجابيا متناغما في التطوير بمجتمعاتنا العربية؟ وكيف ستقي دولها من الانهيار لمستوى التجربة السورية البائسة؟ ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان