هنالك عدة عناوين لهذا النظام الدولي الامريكي، الذي انبثق بعد انتصارها بالحرب الباردة. لكن هنالك عنوانين نادرا ما يتم الحديث عنهما وعن وزنهما في الاستراتيجيات الامريكية. الأول: اصبح لامريكا وحيدة طبعا في هذا الامتياز، قاعدة اجتماعية وسياسية في كل بلدان العالم، بما فيها روسيا والصين وحتى حلفاءها في اوروبا. أمريكا تستطيع لو ارادت أن تتدخل سياسيا بأي دولة، ويمكن لها في كثير من الاحيان ان ترجح كفة مرشح على مرشح آخر بالبلدان الديمقراطية، ويمكن لها أن تسقط أي نظام سياسي ديكتاتوري أيضا فيما لو أرادت ودون أن تتدخل عسكريا على طريقة ليبيا. بينما العكس غير صحيح، لا يوجد دولة في العالم تستطيع التأثير على على الخارطة السياسية في أمريكا. مؤشر آخر على ما نقول: أن أمريكا تستطيع تجاوز مجلس الامن في أي قرار تريده، فيما لو أرادت، بالرجوع للجمعية العامة للامم المتحدة، وتستطيع تأمين النصاب القانوني من الاصوات لنجاح قرارها. العنوان الثاني: هو أمريكا مركز الثورة المعلوماتية بالعالم. معلومات البشرية كلها تمر عبر قنواتها، هي السيرفر العالمي. هذا امتياز غير موجود أيضا في أي دولة بالعالم. آخر فضائحه التجسس المعلوماتي على أوروبا وخاصة بريطانيا وألمانيا، واضطر اوباما للملمة الفضيحة. هذا الكشف لا يعني أبدا أنه تجسس مخصص، لكنه يعني أن كل معطياتكم تصب في خادمنا العالمي للمعلومات. لم يدرس هذا الامر وانعكاساته على صعيد السياسة الدولية عموما والامريكية خصوصا. مثال ثالث بحجة الارهاب تستطيع امريكا وبتحصين قانوني اوروبي على سبيل المثال، معرفة سيرة حياة أي مواطن اوروبي تريد أمريكا معرفتها، حيث استطاعت أمريكا انتزاع قرار اوروبي بذلك. اذا كان الموضوع مع حلفاءها هكذا، فما بالنا مع من تعتبرهم خصومها؟ المعلوماتية لا اتحدث عن جانبها الاقتصادي وعائداته الحالية والمستقبلية على الاقتصاد الامريكي. ماذا تعنيه المعلوماتية وماذا عنته للبنية الاستخباراتية والسياسية الامريكية؟ كي لا يخرج علينا أحد ويتهمنا بالعقل التآمري. من حق أمريكا التي تمتلك أيضا أكبر قوة عسكرية بالعالم و23% من الاقتصاد العالمي، أن يكون لها وزنا سياسيا مقابلا، وتراتبيا في النظام الدولي. يعني من غير المعقول أن تكون لبريطانيا أو لروسيا نفس الوزن في هذا النظام الدولي. يكذب اوباما عندما يتحدث عن شراكة متساوية في القرار الدولي، سواء مع حلفاءه أو مع شركاءه. الهيمنة على القرار الدولي بفعل هذه القوة، يجب ألا تبقى سيطرة محمولة على ثنائية العسكر والفساد السياسي في كثير من بقع العالم. هذه السيطرة يجب ان تتحول إلى هيمنة تحمل مشروعا عالميا لانقاذ حياة الناس في هذا العالم، وليس من أجل الاستمرار في سيطرة فاسدة ربما يكون وسيكون لها انعكاسات سلبية وربما مدمرة، على مجرى تطور البشرية. مثال من واقع الثورة السورية، أي ادارة أمريكية منذ نشوء القاعدة ومكافحة الارهاب، كان النظام الاسدي معبرا ومكشوفا تماما لأمريكا، ومكشوفة علاقته الزبائنية بكل التنظيمات الارهابية في المنطقة، وطرق استخدامه لها واستخدامها له، في العراق والاردن ولبنان، لكن أمريكا تستفيد من هذه الزبائنية، من اجل تمرير مصالح محددة، واستفادت وفقا لاستراتيجياتها في مكافحة الارهاب. بعد التسيعينيات دخلت سلطة الملالي على خط البنية الارهابية، وبدأت تعمل فيها وفقا للربحية التي حصل عليها نظام الاسد وبعض الدول، فكان هنالك تنسيقا في لبنان وبعد عام 2003 في العراق. أي دبلوماسي أمريكي تتحدث معه عن هذا الأمر، تكتشف أنه يعرف أكثر من الجميع حول تلك الشبكة الارهابية الايرانية الاسدية في كل العالم وليس في لبنان والعراق وحسب. كما صرح جون كيري نفسهquot; أن نظام الاسد بؤرة مولدة ومستقطبة للارهابquot; لماذا تغطيه أمريكا إذا؟ ما الذي يجعل أمريكا التي كان لها الفضل بالتخلص من كثير من ديكتاتوريات العالم، تقبل بأن تغطي ديكتاتوريات مجرمة وفاسدة أخرى وخاصة في منطقة الشرق الاوسط؟ وجود إسرائيل والنفط، يفسر جانبا من الموضوع، لكنه لايكفي لتفسير كل السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، فيه قليلا من الاسلاموفوبيا، مع قليلا من عدم السماح للدول المحيطة بإسرائيل أن تتحول إلى دول طبيعية، مع خط احمر نسبي يتمحور حول منع استثمار المال النفطي في تحول دولة إلى دول وازنة اقتصاديا ومنماة بشريا. الآن الانفتاح على طهران التي وقفت أمريكا تتفرج على ثورة شعبها عام 2009 ولم تحرك ساكنا، وهاهي تفرج عن أموال إيران لكي يستخدمها نظام الملالي في دعم النظم الارهابية، ودعم سياساته المبنية على أسس استخدام ورقة الدين من جهة، مع التنظيمات الارهابية السنية، وورقة الطائفية مع التنظيمات الشيعية حزب الله وأمثاله. السؤال لماذا أمريكا تنفتح على نظام الملالي؟ هنالك من يقول أيضا النظم الأخرى التي تدعمها في الخليج أيضا نظما ديكتاتورية فلماذا لا تنفتح على ديكتاتورية الملالي؟ ألم يبارك أيضا جون كيري ترشيح عبد العزيز بوتفليقة الكاريكاتوري لرئاسة الجزائر؟ ما علاقة الجزائر بإسرائيل؟ هل الجزائر على حدود إسرائيل؟ لو لم تكن ايران دولة شيعية- نفطية، والشيعة كتلة بشرية وازنة، موزعة في العالم وفي دول كثيرة، وغالبيتها مناطق نفوذ امريكية أيضا..لولا ذلك سيكون احتواءها لايران عسكريا كما فعلت بالعراق...لكنها الآن تلجأ للاحتواء السلس. في أمريكا الادارات تتغير مع شخوصها، صحيح لديها ثوابت لكن المفارقة، بالنسبة لكثر من زعماء العالم العربي، أنهم لايتغيروا إلا بالموت أو الانقلاب أو الثورة، لهذا دوما هم تحت حذاءها..لأنهم يعرفون انها بإمكانها تغييرهم، وهي بنفس الوقت تتعامل أحيانا بأنها لا تريد أن تتلوث بهم، فهي مثلا تعتبر الاسد مجرم حرب كما اعتبرت صدام من قبل، كما تعتبر نظام ملالي طهران نظام ارهابي وديكتاتوري، مع ذلك وقفت ضد اسقاط صدام حسين 13 عاما، وهي تقف الآن ضد اسقاط الاسد واسقاط ملالي طهران، لكن من موقع ازدراءها لهذه الانظمة. الربيع العربي كشف عن وجه أمريكي يكذب كثيرا من ادعاءاتها.امريكا تسلمت ملف الربيع العربي لتعيده للمربع نفسه- سلطات سوداء عميقة، بأشكال جديدة وربما وجوه جديدة. الربيع العربي كشف أن أمريكا الحاكم المطلق للشرق الاوسط، من مغربه حتى حدود باكستانه. في الثورة السورية، لم تكن تريد ولا بأي شكل من الاشكال، أن يلوث تاريخها على مافيه، بأن تتبنى نسخة اسدية جديدة. لكنها بالمقابل فشلت في ايجاد نسخة عسكرية بديلة، أمريكا لا يهمها كثيرا أي خطاب سياسي أو ايديولوجي للمعارضة. ربما تأتي هذه الاهمية في مرتبة ثانية، لكن يهمها الجيش. دفع الشعب السوري ثمن هذه الخيارات الامريكية. أمريكا بدون نسق اخلاقي وقيمي، لما تخوضه على مستوى الكوكب، تأخذ البشرية نحو المجهول. رؤوساء انظمة يفلتون من العقاب، منتهى الاستهتار بالديمقراطية في مصر. روسيا بوتين ليست نموذجا لمواجهة أمريكا ولن تكون شريكا، ولن تستطيع أن تكون ندا. نتيجة لهذا يخرج بعض السياسيين في العالم والمنطقة ليتحدثوا عن تقسيم سورية. أيضا هنا أمام معادلة خطيرة أخرى: إما أن تحكم دولكم ثلة من شذاذ الآفاق، أو تدمر وتقسم. هل ستبني أمريكا نظامها الدولي- الاوبامي على هذا الفساد؟

هل المطلوب اعادة انتاج انظمة فاسدة وديكتاتورية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا؟ إلى أين يسير النظام الدولي الامريكي، في السابق كان هنالك ضوء في الأفق، أما الآن فلايوجد في الأفق سوى باراك اوباما.