قرابة مائة عام من المآسي المروعة الدامية نتيجة اتفاقية ( سايكس ndash; بيكو ) المعروفة والتي رسمت خارطة منطقة الشرق الاوسط وفق المصالح الاستعمارية الانكلو ndash; فرنسية وضربت عرض الحائط بمصالح وحقوق شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الكوردي الذي لم يتعرض فقط الى حرمانه من حقه المشروع في اقامة دولته او كيانه المستقل وإنما تم تقسيم بلاده بين اربع دول هي العراق وسوريا وتركيا وإيران، هذا التقسيم المجحف الذي أطلق يد الدول الاربعة لقمع حركة التحرر الوطني الكوردي بالحديد والنار سواء منفردة او مجتمعة كميثاق سعد اباد وحلف بغداد المركزي والاتفاقات الثنائية العديدة وقد حدث اكثر من مرة ان اشتركت الفرق العسكرية والقوة الجوية لأكثر من دولة في ضرب الثوار الكورد في هذا الجزء أو ذاك من كوردستان.
لقد كانت المأساة الكوردية ولا تزال احدى ابشع الجرائم التاريخية التي اقترفت بحق شعب من شعوب العالم وبقي الكورد في ايران احدى القبائل الايرانية وفي تركيا اتراك الجبال وفي سوريا نازحين اتراك وفي العراق عملاء ومتمردين وانفصاليين وعرب استكردوا في احسن الاحوال!
مائة عام من اتفاقية سايكس ndash; بيكو ولا تزال ثقافة الغاء الاخر والاضطهاد والاستعلاء القومي والتنكر الصارخ لحقوق الشعب الكوردي تعشعش في رؤوس الكثيرين من صناع القرار في الدول الاربع رغم كل التطورات التقدمية التي شهدها العالم باتجاه ثقافة احترام الاخر وحقوقه المشروعة.
ان مرارة التجربة الكوردية في العراق هي ابلغ مثال إذ رغم تغيير الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم ( علمانية - قومية ndash; طائفية ) فالنتيجة كانت وفي احسن الاحوال تجاهل حقوق شعب كوردستان والمماطلة والتسويف في تنفيذ حتى ما تم الاتفاق عليه بين القيادة الكوردية والدولة العراقية ولعل مشكلة المناطق المتنازع عليها والتي تم تحديد طرق معالجتها في المادة 140 من الدستور العراقي هي واحدة من ابرز الامثلة الحية على تنصل الحكومات العراقية التي تداولت السلطة منذ سقوط النظام الدكتاتوري وحتى الان حيث بقيت المادة حبرا على ورق ولم يتم تنفيذ ولو جزء يسير منها عدا بعض المسائل الشكلية وتعويض بعض المتضررين بين اونة و اخرى لذر الرماد في العيون.
من المؤكد ان الكورد لن يصبروا طويلا إزاء التجاهل المتعمد لحقوقهم القومية خاصة وان الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الاوسط مقبلة على تغييرات جذرية دراماتيكية وما لم تحترم الحكومة العراقية المقبلة ارادة الشعب الكوردي في اقليم كوردستان فان العراق الذي نعرفه اليوم لن يكون موجودا خاصة وان الحكومة الحالية قامت بكل ما من شأنه تقسيم العراق وتفتيته بعنجهية وغباء منقطع النظير.
غني عن البيان ان أكثر من طرف دولي وإقليمي وخاصة عربي يؤيد موضوعة تقسيم العراق وان اختلفت الاسباب وليس سرا ان اكثرية هذه الاطراف تؤيد حق الشعب الكوردي في تأسيس كيانه المستقل او على الاقل لا تعارض هذا التوجه وأمام حكام العراق ما بعد الانتخابات ان يستوعبوا حقيقة ان تجاهل حقوق الشعب الكوردي لم تعد مقبولة بل في حكم المستحيل مع التغييرات الحاصلة في ميزان القوى على الارض وحالة المخاض الذي تشهده منطقة الشرق الاوسط والنهاية الحتمية لاتفاقية سايكس ndash; بيكو ونتائجها المأساوية هذا إذا ارادوا ان يبقى الكيان العراقي موحدا.