کنه الانسانية و نبعها الرقراق و أريجها الفواح سر کبير أودعه الخالق في الام، ففيها و منها و بها يبدأ الانسان رحلته للحياة و يرضع من حليبها و أنفاسها و دفء حنانها و عطفها و وداعتها أبجديات الکينونة الانسانية.

الام، لأنها المعنية بتشييد صرح الانسانية و ترسيخ دعائمها، فإنها المتضررة و الخاسرة الکبرى من کل جولات و صولات الحروب الرعناء التي تدور رحاها هنا و هناك لأجل أهداف و مبادئ تتنافى مع المبادئ و القيم الانسانية من کل النواحي، کما انها المثکولة و المتلظاة بسعير القتل و الاعدام و الشنق بکل وسائله و سبله و طرقه، ولهذا فإن رحلة إنسان عندما يتم إنهائها قسرا أمام الام، لايمکن تشبيه ألمها و حزنها و معاناتها بأي ألم او حزن او معاناة أخرى لأنها الاصل و اساس الوصف و هي المقياس و المعيار لنبل و سمو العاطفة الانسانية.

هذه الام، أي کانت، إيرانية أم عراقية، أمريکية او أفريقية، من أي عرق او دين او طائفة کانت، فإنها مدرسة لتعليم بني آدم المعاني الشفافة للإنسانية التي هي أرق من رفة جناح الفراشات، وکم کانت عظيمة و کبيرة و قديرة تلك الام الايرانية التي أنقذت شابا هو قاتل أبنها من أنشوطة الاعدام و أعادته للحياة التي وهبها أياه الله لتقدم للبشرية درسا في التسامح و نبذ العنف و الوحشية و الدموية، هذه الام أعطت أيضا درسا بليغا جدا للنظام الديني المتزمت الذي يحصد بأنشوطة الاعدام کل عام أعدادا کبيرة من أبناء الشعب الايراني بحجج و ذرائع مختلفة، هذا الدرس إنتبه له الرئيس روحاني فبادر الى تهنأتها بهذا الموقف، من دون أن يفهم مغزى الدرس الانساني الکبير الذي قدمه على مسرح الموت، ذلك أنها عندما قدمت درسا في العفو و التسامح فإن هذا الامر يعني النظام الايراني قبل غيره، بل ويعني مرشد النظام الذي في يديه کل رؤوس خيوط النظام. لکن روحاني، هذا الذي يزعم انه إصلاحي و معتدل، لم يلتفت الى أم إيرانية أخرى قام النظام بإعدام ابنها أمام الملأ وقبل لحظات من إعدامه طلب من جلاديه السماح له بأن يودع أمه لآخر مرة و يستمسحها حيث کانت تقف تحت منصة الاعدام، فرفضوا طلبه و لم يکترثوا له ولما کانت أمه تبکي و تنتحب وهي تتطلع إليه الى حبل المشنقة فوق رأسه، فإن الشاب قد أخذته حالة إهتياج و إنفعال إنساني بلغ حدا استثنائيا عندما بادر لمهاجمة جلاديه و هو مقيد الايدي کي يلتقي لآخر بأمه، لکن محاولته لم تجد نفعا فتم إعدامه أمام تلك التي حملته 9 أشهر و عانت ماعانت من تربيته و تنشأته لتجده أخيرا يتدلى من مشنقة، فأين کان روحاني من هذه الام و لماذا لم يبادر الى إرسال برقية لها؟

الامهات الايرانيات الثکالى، هن من أسقطن نظام الشاه عندما تظاهرن ضد خامس جيش في العالم، لکن هذا الجيش الذي إستسلم أمام إرادة الامهات

اللواتي أمطرنه بالزهور و صار الى جانبهن فسقط عرش الطاوس، وان بروز المشهدين المؤثرين و الاستثنائيين لتلکما الامين، رسالة فکرية ـ إجتماعية أکثر من واضحة لذلك النظام المتأهب خلف متراس الدين ظنا منه بأن الرداء الديني سيمنحه صك الامان، وکما أن ملكquot;الآريينquot;، و ملك الملوك محمد رضا بهلوي لم يشفع له شئ يوم ترك إيران حزينا خانعا، فإن الايام دول وکأس الموت و الفناء دوار لمن کان ملکا او إمبراطورا او حتى ولي أمر المسلمين!!