منذ انطلق الربيع العربي قبل أربع سنوات تقريبا، كانت أميركا متفاجئة قليلا، لكنها تدرك اسبابه ودوافعه تماما، لكن ما فاجأ أمريكا والعالم كله هو انطلاق الثورة السورية، بكل هذا الزخم الشعبي. مجتمع يعيش تحت قبضة حديدية من القتل والفساد والاعتقال، على مدار خمسة عقود، يصبح أكثر من نصفه في الشارع يطالب بحريته. من يتذكر مقابلة بشار الاسد مع صحيفةquot; وول ستريت جورنالquot; في بداية شباط 2011 حيث تعتبر من اهم الصحف الامريكية. والذي اعلن فيها أن سورية تختلف عن بقية بلدان الربيع العربي ولن تنطلق فيها ثورة حرية وكرامة على غرار تونس ومصر وليبيا. السؤال لماذا توجهت هذه الصحيفة لبشار الاسد وليس لغيره من الانظمة العربية؟ لسببين رئيسسين الأول: لأنها تعرف أنه نظام من أسوأ النظم الديكتاتورية ليس في المنطقة وحسب بل بالعالم، تعرف أنه نظام مولد للارهاب وتعرف أنه نظام طائفي وتعرف أنه قتل ما قتل من السوريين والفلسطينيين واللبنانين، لم تقتله إسرائيل طيلة حروب العرب معها. تريد أن تطمئن الرأي الأمريكي من أجل السبب الثاني: أن سورية على حدود إسرائيل. من يعود لاجواء المقابلة في تلك الفترة، وكيف تناقلتها كل وكالات الانباء الامريكية والدولية. بعدها بأيام اعتقل اطفال درعا.

ما حدث مع اطفال درعا لم يكن حدثا قام به عاطف نجيب منفردا، كما يردد بعض الاعلام، الاعتقال بحد ذاته ما كان يمكن أن يستمر دون موافقة بشار الاسد شخصيا، ما يؤكد ذلك هو كيف رد عاطف نجيب على اهالي درعاquot; خلفوا غيرهم، وإذا لم يكن عندكم رجال نرسل رجالا لنساءكمquot; ماكان لعاطف نجيب أن يتحدث بهذه اللغة لولا موافقة الاسد، وما يؤكد ذلك الخيار الامني العنيف الذي استخدمه الاسد مع تظاهرات درعا السلمية. هذا الخيار لم يبنيه الاسد، على عدم معرفة بالسياسة الامريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام تجاه سورية ونظامه، ودون معرفة مؤكدة بالموقف الاسرائيلي. هذا ما عاد وأكده في مقابلة صحفية أخرى، بعد سنتين أنه مطمئنا وكان مطمئنا، بأنه لايوجد تدخلا عسكريا أمريكيا ضد نظامه. من جهة أخرى بعد أقل من شهر والتظاهرات ترفع شعار الشعب السوري واحد، خرجت بثينة شعبنا وابواق النظام، يتحدثون عن فتنة طائفية!! وتلقف رموز ما عرف لاحقا بهيئة التنسيق، ورفعوا شعار لا للطائفية، هذا الشعار نتاج معرفتهم بطائفية النظام، التي يرفضون الاعتراف بها بالعلن، وموجه ضد الثورة من جهة أخرى. وتمسك هذا النسق من مساندة بالجريمة أيضا، التي بدأت من أول تظاهرة في درعا، كما تمسك الخطاب الغربي، بأن الاقليات ضد الثورة وحلب لم تخرج في التظاهرات. كله تجهيز ايديولوجي لتغطية خيار النظام بالقتل. واوباما يعد العدة مع ادارته، على مبدأquot; لا يجوز لشعوب أن تنتفض من أجل حريتها دون معرفتنا، ولايجوز أن تنجح دون موافقتناquot; ما بالنا إذا كانت هذه الشعوب تسكن بالجوار من إسرائيل. وبدأت عملية اجهاض الربيع عموما والسوري خصوصا. عبر احتواء سلس في بدايته، الفساد السياسي لنظم المنطقة، وتم عبر عدة وسائل استبعاد، كل النسق السياسي الذي كان يطالب أمريكا بالتدخل، ويضعها أمام مسؤوليتها الدولية. وترتبت شبكة من العلاقات بالمعارضة السورية، بحيث تم دعم التيار الذي كان ضد التدخل الدولي وتم تسويقه، هذا التيار الذي عاش على تخوين كل معارض يطالب بالتدخل الدولي أو وافق على خطوة أمريكا بالعراق. فجأة بقدرة قادرالاسماء التي كانت تلمع في مؤتمرات القومية العربية، والحزب لاتية في بيروت. اصبحت في واجهة المعارضة، اضافة إلى شخصيات انشقت عن النظام، وتحمل معها نزعة الانتي تدخل. واقام فورد باستنبول. كل ذلك لاتاحة المجال للنظام لكي يقتل ويدمر ويهجر، لنصل إلى حالة تشبه الصومال داخليا ومأساة الفلسطينيين باللجوء والنزوح. أكثر من 12 مليون سوري فقدوا منازلهم. أكثرية المدن تدمرت، باختصار ظهرت إسرائيل حمل وديع بالنسبة لاجرام الاسد.

بقيت السياسة الاوبامية، مستمرة في التغطية على الاجرام. بقي الاسد مطمئنا أنها لن تسقطه، ولن تتدخل لذلك استخدم كافة أنواع الاسلحة بدون أي رادع. ادخلت إيران مع الاسد بموافقة أمريكية، حالش وداعش العراقية. مأساة العصر عندما تحول بلد إلى ما يشبه الصومال داخليا ونصف سكانه مهجرين، عدا عن مئات ألوف الضحايا والمفقودين والمعتقلين، فهذا يعني أنك تريدها مأساة للعصر، ودرسا للشعوب في هذه المنقطة.

يجب ان تبقى مادون خط الحياة. يجب ألا تشعر بانتماءها لدول، بل لعسكر فاسد ومجرم وفاشي. ماذا يعني أن يرحب بكل الاصوات التي تبجل البوط العسكري؟ هذا لايعني أن الاسلاميين كانوا على قدر المسؤولية، بل العكس هم منخرطين ووفقا لحسابات دنوية وليست دينية، في هذه اللعبة. داعش مثلا شعارها الاساسي ضد أمريكا، وحلفاءها تاريخيا النظام السوري وإيران، حتى قبل الثورة السورية والربيع العربي. تسعير الحديث عن حرب طائفية، شيعة وسنة وعلويون واقليات، كلها من أجل أن تمضي سياسة أوباما بسلاسة، مثلا السعوديون مرتاحون والملالي مرتاحون أنهم يشاغلون السياسة الداخلية بدماء خارجية..الملالي يدافعون عن الشيعة والسعودية تدافع عن السنة!! برعاية أمريكية معارضة!!كوميديا سوداء..في معركة لا حسم فيها ولا غالب ولا مغلوب...مرة دم لبناني ومرة دم فلسطيني والآن دم سوري.. لهذا الاسد تغطى جريمته ويعطى الفرصة تلو الأخرى.. هذا جانب مما يحدث. علما لو ارادت السعودية وحتى تاريخ كتابة هذه المادة اسقاط الاسد دون أي دعم آخر، لاسقطته. جعلنا شعب بلا دولة ولا انتماء نحتاج لبسطار عسكري فقط. هذه هي الصوملة الفلسطينية التي اسمتيها سورنة منذ سنتين واكثر.

السورنة الاوبامية تجمع بين الصوملة والفلسطنة. مرة أخرى مجيئ جون كيري وزيرا للخارجية، مرتبط بشكل اساسي بالملف الاسدي لعلاقته التاريخية بهذا بآل الاسد. الآن على فرض انتصار الاسد، كيف سيكون وضع البلد؟ من هي الشركات التي تستطيع أن تستثمر فيها؟ كيف سيبدو وضعه في التعاطي مع إيران عندما تحين لحظة فرض شروطها؟ وماهي شروطها؟على الصعيد الاسرائيلي الاسد لا يستطيع توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل دون عودة الجولان، لاعتبارات تتعلق بطبيعة نظامه. لم يعد في سورية من يطالب به..هذا ما تريده إسرائيل. مشتتون في اصقاع العالم، وجراننا العرب ينتقوم من الاسد بنا. الفلسطينيون وجدوا سورية والاردن... السوريون لايزالوا يبحثون ويسعون نحو حريتهم ودولتهم.