هذه المقالة تنويعات اضافية لما ورد في مقالة الزميل الأستاذ عزيز الحاج بعنوان quot;المصالحة الملغومةquot; يوم الأول من مايو، حيث تصادف نشرها يوم عيد العمال، وعمال فلسطين وكافة شرائح المجتمع الفلسطيني منكوب بالاحتلال منذ 65 عاما وبالانقسام الفلسطيني منذ سبعة أعوام، كما أنّ المقالة طرحت أفكارا مهمة حول هذه المصالحة التي هي في رأيي ليست ملغومة فقط بل مرفوضة أساسا من الطرفين الفتحاوي والحمساوي أو أن تتم هذه المصالحة بشروط كل طرف على أن يلتزم الطرف الآخر بهذه الشروط وما ينتج عنها من وقائع ميدانية في الشارع والحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع. لذلك فكافة الاتفاقيات التي وقعت من أجل المصالحة في القاهرة وقطر ومكّة كان يتمّ التنصل منها فور مغادرة مكان التوقيع بما فيها اتفاقية مكَة التي أذهلنا الفتحاويون والحمساوين بعد توقيعها بخشوعهم وهم يؤدون مراسم العمرة، وبعد مغادرة مكّة تنصلّوا من الاتفاقية ومن خشوع العمرة، وعادوا للهجوم والشتائم والسجن ضد بعض والتطهير التنظيمي في الضفة والقطاع.

الضبابية والخداع في موقف حماس السياسي
وهذا ليس تجنيا على حماس ولكنّه رصد لموقفها وبرنامجها السياسي، فهل تعرف كوادر حماس نفسها موقفا سياسيا واضحا للحركة؟ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة المقيم والمتنقل في الخارج، صرّح أكثر من مرة للإعلام الأمريكي تحديدا، بأنّ حركته لا تمانع في قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، بينما حماس داخل القطاع تراوغ فمرة هي مع التهدئة مع الاحتلال ومحمود الزهار مرة أخرى يعلن أنّ حركته لن تعترف رسميا بدولة إسرائيل، فما معنى لن تعترف رسميا؟ هل هذا يعني سكوتها على وجود ودوام دولة إسرائيل دون صدور بيان رسمي بذلك.فأي برنامج يصدّق الشعب الفلسطيني؟. هذا بينما برنامج حركة فتح (السلطة الفلسطينية في الضفة) مع ثيام تلك الدولة ضمن تلك الحدود وهم يتفاوضون من أجلها منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994 دون أية فائدة على الأرض، بالعكس الاستيطان الإسرائيلي يستولي تدريجيا على مساحات هائلة من أراضي الضفة الغربية. وضبابية برنامج حماس تبدو في سكوتها منذ الاجتياح الإسرائيلي للقطاع عام 2008 حيث لم تطلق رصاصة أو صاروخا ديكوريا على الاحتلال بالعكس تعتقل وتسجن كل من يحاول ذلك من التنظيمات الأخرى. هل هذا الاختلاف في البرامج والمواقف الفتحاوية والحمساوية نابع من مواقف جذرية؟ أرى أنّ كل هذه المراوغات والمماحكات بين التنظيمين مجرد شغب نظري لإبقاء سيطرة فتح على الضفة وحماس على القطاع مع رغبة ومحاولة كل طرف اقتلاع الآخر والسيطرة على معقله.

لا مصالحة كي لا يقطع الزهار يدّه!!
خذوا ماسيحصل في ميدان المصالحة الفلسطينية الملغومة حسب تعبير الزميل الأستاذ عزيز الحاج من الألغام التي يضعها ويعلنها قيادي حماس محمود الزهار. فقد قالها الزهار منذ ما يزيد على ثلاثة سنوات: quot;سأقطع يدي إن تمت المصالحة ومحمود عباس وزلمه في رام اللهquot;. وعاد الزهار نفسه بعد توقيع اتفاق غزة الأخير ليؤكد ذلك بإسلوب آخر، إذ قال لوكالة رويترز يوم الثلاثين من أبريل الماضي حرفيا: quot; إنّ اتفاق المصالحة الفلسطينية لن يؤدي إلى اعتراف حماس بحق إسرائيل في الوجود ولا خضوع أي نشطاء في غزة لسيطرة الرئيس الفلسطيني محمود عباسquot;. ماذا يعني هذا التصريح؟. أولا، الخلاف في البرامج ففتح والسلطة الفلسطينية مع الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود إن وافقت على قيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967 بينما زهار حماس لا يعترف بحق إسرائيل في الوجود أي تدميرها نهائيا...فأية مصالحة مع برنامجين مختلفين رغم تأكدنا أنّ تصريحات الزهار مجرد مناكفة لفظية خطابية مع فتح والسلطة. وأية مصالحة عندما يقول الزهار صراحة أنّ اتفاق المصالحة هذا لا يعني (خضوع أي نشطاء في غزة لسيطرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس)..أي أنّ مفهوم زهار حماس للمصالحة هي أنّها مصالحة شكلية فلن تخضع حماس في القطاع لسيطرة الرئيس في رام الله.

لغم السيطرة والقوى الأمنية للطرفين في القطاع والضفة
لقد كانت بداية الانشقاق الذي أدى للإنقسام الدائم هو مبادرة حماس لتشكيل القوة التنفيذية الأمنية في القطاع عقب فوزها في انتخابات التشريعي الفلسطيني وتشكيلهما الحكومة الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنية، وبدأ وتطور الصراع إلى اعتقالات وقتل وخطف بين الحركتين مما أوصل لإنقلاب حماس العسكري في يونيو 2007 وطردها لقيادات وكوادر فتح من القطاع، وسيطرتها الكاملة المنفردة عبر ما أسميته التطهير التنظيمي في القطاع والضفة ليصبح القطاع إمارة حماسية والضفة دويلة عباسية. ويعود أيضا زهار حماس ليؤكد أنّ السيطرة الأمنية في القطاع والضفة من معوقات المصالحة، إذ قال في تصريحاته المذكورة لرويترز quot; إنّ حماس ستظلّ مسؤولة عن قوة الأمن التابعة لها بغض النظر عن الاتفاق الأخير وأيا كان من سيفوز بالانتخابات العامة المقرّر اجراؤها في وقت لاحق من العام الحاليquot;. فمن سيقبل بذلك؟ مصالحة ووحدة وطنية وتظلّ حماس مسيطرة وتدير قواتها الأمنية منفردة بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات ويشكّل الحكومة!!. أليس هذا يرقى لحد الاستهزاء بإرادة ورغبة الشعب الفلسطيني وإعلان صريح ببقاء حماس مسيطرة أمنيا على القطاع؟

لذلك لا تشكيل للحكومة ولا انتخابات ولا مصالحة،
لأنّ الهيمنة المنفردة لحماس على القطاع و لفتح على الضفة، أصبحت مصلحة ومنفعة شخصية لقيادات الحركتين، وبالتالي فالانقسام الذي سيدخل بعد أسابيع قليلة عامه الثامن مرشح للدوام طويلا تماما كالانقسام القبرصي بين الشمال والجنوب الذي مرّ عليه حتى الآن أربعون عاما. والخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، والرابح الوحيد الأوحد هو الاحتلال الإسرائيلي.
www.drabumatar.com