المستبد رغم كل بشائعه يحتاج إلى سند قانوني دستوري لوجوده، وبشار الأسد بترشحه منافسا لدمياته يود أثبات دستورية نهجه وديمقراطية انتخاباته، وهو يعلم أن العالم الخارجي يرفضه، لكنه يعتمد على الأطراف التي تسند بقائه، وهذه القوى تحتاج إلى سند دستوري للدولة السورية أثناء الدفاع عنه في المحافل الدولية، وفي البعد الآخر يعتبر ترشحه أو بالأحرى استمراريته على رأس السلطة عملية نفي مطلق للمعارضة الخارجية، واعتبارهم قوى لا تنتمي إلى الوطن بناءً على الدستور الذي لا يعطيهم أحقية الانتخاب والترشح، وإظهاراً للعالم على أن المعارضة الوطنية هي التي ستنافسه على السلطة، وعليه سيكون هناك مرشحون شكليون في الانتخابات الرئاسية، وتحت بنود من الدستور الذي أعيد نسخه ليتلاءم ومقاسات طغيانه. وهو بهذا سيعلن للعالم على أن الدستور معه والشعب يدعمه والهجرة والمآسي التي تحصل في الوطن المسير على الدستور يتعرض إلى تخريب خارجي مخطط، والهجرة مآلها عمليات التخريب التي تقوم بها القوى التكفيرية الخارجية، ويريد منها إخراج الشعب كطرف أساسي من الصراع ضده، كل هذا تندرج ضمن الحرب الإعلامية التي تشتهر بها السلطة الشمولية السورية، لم تعد تهمه العلاقات الدولية بقدر ما تهمه تلك القوى التي لها القدرة على بقاء سلطته وإسناده في مواجهة المعارضة.

ستعلن نتائج الانتخابات بنزاهة، وستحصى عدد الأصوات ونسبة المتقدمين إلى صناديق الاقتراع، بدون 9 ملايين مهجر داخل أو خارج الوطن، وستفرز الأصوات التي حصل عليها كل مرشح وضمنهم بشار الأسد، وسيظهرون للعالم على أنهم ينتظرون القرار النهائي من المحكمة القضائية العليا، لتثبيت قرار نتائج الفرز، كل هذا ودون خروج من إطار الدستور الذي عدل مؤخراً، القضية ليست في مجريات الروتين، بل في كلية وجود النظام وبنيته، وطرق تعامله مع المجتمع السوري، وفي الدستور والذين يشرفون على تعديله، وفي المخططين لخلفيات هذه الشكليات، وأساليب السلطة الشمولية وتعاملها مع الشعب السوري.

سألت الإعلامية الأمريكية المعروفة (باربرا والتر) حافظ الأسد في حوار لها معه، لماذا لا تطبقون النظام الديمقراطي في بلدكم؟ رد عليها الأسد: بأن الحكم في سوريا أكثر ديمقراطية من الحكم في أمريكا، فهناك عندكم يحكمها حزبان فقط أما في سوريا فتحكمها سبعة أحزاب، فقد كان صادقاً، وهي حقيقة في ظاهرها، مثل حقيقة الانتخابات التي ستجري في الشهر القادم في سوريا وسيكون بشار الأسد واحداً من بين أحد عشر مرشحاً حتى اللحظة! أين تكمن المصيبة؟ هل في الذين يصدقون هذه المهزلة أم الذين يدعمونها لسفالة وانتهازية وكولكة أم لدونية أخلاق السلطة وخبثها وقدرتها على عرض قناع أمام وجه سوريا المدمرة.

من أوائل الذين ترشحوا لمنافسة بشار الأسد رجل من حلب، اسمه ماهر حجار، شيوعي سابق منشق، وأحد الأعضاء المصفقين في مجلس الشعب، إلى جانب آخرين برزوا، جميعهم وجوه مغمورة غير معروفة، ولكل منهم دور كلف به سيؤديه في القادم من الأيام، مثلما هناك أدوار لقنت لمجموعات سياسية تابعة للنظام، كالتي في الجبهة الوطنية أو التي تسمي ذاتها معارضة الداخل.

أول الأدوار ظهرت من قبل ماهر حجار وكان انفجارا سياسيا ضمن المنطقة الكردية، واللعبة متناسقة بينه وبين سلطة الأمر الواقع في المنطقة. طالب أن يرشحوه ليقضي على الانفصاليين الكرد في شمال وشمال شرق سوريا، وكان ذلك رداً على إعلان سلطة الكانتونات بعدم السماح لإجراء أية انتخابات في الكانتونات الثلاث، ولا يفهم ما هي الحدود الجغرافية التي ستمنع فيها الانتخابات، هل هي إطار عاموده وكوباني وعفرين أما إنها أوسع من ديمغرافية مدينة؟ والمشكلة ليس في الرد ورد الفعل العنصري، بقدر ما هي لعبة من السلطة ذاتها وترمي إلى بعدين:

1- السلطة لا تريد أن تظهر ذاتها الخاسرة في المنطقة الكردية، وربما مناطق أخرى في سوريا ستفرز معها تحت حجج مغايرة، مثلما فعلتها يوم ألغت المهجرين من حق الانتخاب، بقرار دستوري حدده على مقاسه.

2- لقن ماهر حجار ليصرح بما قاله كدعاية انتخابية تظهره بين شريحة واسعة من المجتمع السوري كعنصري ويريد الشر وخلق الاقتتال بين الشعب، وعليه سيبين على أن بشار الأسد بندائه الإخوة والمحاباة بين شرائح المجتمع السوري، ومحاربة التكفيريين معا، والذي سيظهره لا حقا على الأغلب، والعملية هي مقارنة خبيثة بين المرشح القادم على انه لا يقل شرورا من بشار الأسد، وهي دعاية غير مباشرة لتبييض وجه المجرم.

لا شك سوف لن تظهر على الساحة الانتخابية شخصية وطنية معروفة، كمرشح للرئاسة في ظل السلطة الشمولية، وفي الظروف المأساوية التي تمر بها سوريا، وحيث الدستور الذي لم يعد له ثمن وقيمة قانونية وملغية من خانة الاعتراف لكثرة ما تلاعب به، حتى ولو ظهر أسم معروف سيكون من ضمن المعارضة الداخلية والمسماة بالوطنية جدلاً، أو معارضة السلطة للسلطة، ولا نستبعد ترشح رجل مثل حسن عبد العظيم كشكل ودعاية إعلامية خارجية لسلطة بشار الأسد.

نعلم أن جميع الذين يرشحون ذاتهم ممثلون على خشبة مسرح سوريا، كل منهم سيؤدي دوره المكلف به، وكثرتهم تبين على أن المهام عديدة ومتنوعة، ونعلم أن جميعهم يعيشون ضمن سوريا حسب بنود الدستور الموضوع لاستحقاقات الترشيح، وكانت الغاية من القوانين حصر الجميع في قفص النظام، وضمن جغرافيته، حيث الاختطاف والقتل ضمنها على الهوية أسهل من شراء البصل في زمن النعمة. تحت خيمة الرهبة والصراعات الدموية التي تخيم على الوطن يتجرأ أكثر من عشرة مرشحين لمناسفة أحد أبشع المجرمين في العصر وفي ظل أشرس الأنظمة الشمولية في المنطقة. والغريب حتى في زمن السلم وعندما كان الأسد الأب يفتخر أمام (باربرا والتر) بديمقراطيته، لم يتجرأ إنسان سوري من منافسته، إلا مرة واحدة وبظهور مرشح كان قد دفع به أيضا وكان مغموراً إلى درجة لم يتعرف عليه سكان شارعه حينها، وأظنه كان معلما من مدينة الرقة، غطيت العملية في الإعلام السوري بطريقة ظهر فيه كرم الأسد وديمقراطيته ووساعة صدره في تقبل منافسة الأخرين، كان مدحاً ذكياً خبيثاً، وبالتأكيد لم يحصل يومها المعلم حتى على صوته الانتخابي! فكيف واليوم ومن تحت خيمة ابنه الغارقة في برك الدم السوري، ومن ضمن دوائره، ومن مقاعد مجلسه التصفيقي يظهر كل هؤلاء، لمنافسته! ودلالتها، أن هذه السلطة لا تكتفي بقتل الشعب السوري جسديا بل تقتلهم فكريا وثقافيا وتعدم فيهم الرؤية الحرة وتحتكر حتى قناعات الأمة لغاياتها.

عرض الجانب الأخلاقي والإنساني للشخصيات الذين رشحوا ذاتهم تحت ظل الاستبداد وفي الظروف التي يمر بها الشعب السوري في الداخل والخارج، ستجرف بنا إلى دراسة البنية الثقافية التي تربوا عليها، الثقافة التي غرزت فيهم الدونية الطاغية في اللاشعور. فمثل هذه النفسيات لا تعي ذاتها إلا من خلال عبادة أنصاف الآلهة من البشر، وخدمتها بذل، والعبادة هنا مستوحاة من الثقافة التي تربوا عليها، وعلى الأغلب إنهم أشخاص لا يعرفون للحرية طعماً ولا يدركون قيمة الإنسان الحر فكراً أو إرادة، وقد يكون غريبا القول التالي: إذا كان الاختيار مطلقاً بين بشار الأسد وبينهم! فالأول أفضل لأنه يملك ذاته ويعرف كيف يكون نصف إله، أما أولئك حتى ولو نجحوا جدلاً في الانتخابات، فسيكونون عبيدا للقرارات التي ستلقن لهم من إلههم البشري نفسه، ومثال على ذلك، رئيس روسيا ميد فيدف في زمن وجود بوتين رئيس وزراءه، والأمثلة في هذا عديدة في شرقنا.

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]