رغم وجود عوامل كثيرة تقف وراء تفشي ظاهرة الفساد والإفساد إلا أن عاملا مهما يبدو انه الأكثر تسببا في إنتاج أجيال من الفاسدين، وهو الناتج من خلل في توازن معادلة الإنسان المناسب في المكان المناسب، هذا الخلل الذي تحول في بلداننا التي تستحق بجدارة تسمية بلدان الزرق ورق كما تسميها الدارجة العراقية وهي تصف مظاهر مزركشة وبواطن نتنة تختفي وراء عناوينها أكثر السلوكيات انحرافا وتخلفا، فما أجمل البرلمان والرئاسة والقضاء في ظواهرهم المزركشة، وما أقبح ما نتج منهم طيلة سنين مضنية وحادة في القتل والتخريب واللصوصية في المال العام والثروات الطبيعية والطاقة؟

ولعل الكثير منا شهد ويشهد الآن وخاصة منذ انهيار هيكل البعث المهترئ في العراق ومَن ماثله من أنظمة القائد الضرورة والزعيم الأوحد من تونس ومصر وليبيا واليمن ولاحقا سوريا وغيرها، حيث نهضت مؤسسات يفترض أن تكون أفضل من سابقاتها الكارتونية أيام أنظمة الزعماء المحنطين وأحزابهم المتكلسة، حيث انتخبت جموع الجياع أكلا ووعيا وعقلا وممارسة وسلوكا أناس يمثلونها لتأسيس دولة رجل الشارع والعموم من الأهالي، ولأنه كما تقول الدارجة العراقية في أجمل توصيفاتها " عاب شيء لا يشبه أهله؟ " فقد اندست تلك الكائنات التي تشبه أهلها عبر صناديق العشائر والشيوخ والفتاوى إلى قبة الامتيازات والسحت الحرام!

وبين ليلة وضحاها تعلم إنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين رياضة القفز واللعب على الحبال، وتحولوا بقدرة قادر في الربيع المزركش إلى علماء ومفكرين في بلدان ما تزال تأن من جروح الدكتاتورية وثقافة القطيع وفهلوة الراقصين في كل المواسم والحفلات، فحينما يصبح نادلا أو عريفا في الشرطة فريق أول في الجيش أو رئيس تحرير جريدة يومية أو مدير عام فضائية، ماذا تتوقع أن تكون عليه الأمور سياسيا وإعلاميا وأخلاقيا، حيث شهدنا أنماطا من هؤلاء ظهروا بوضوح المعالم وسفاهة الادعاء في فضاءات السياسة والإعلام، تدعمهم ماكينة الفساد السياسي ومؤسساته الحزبية أو الاجتماعية عبر منظومة العشائر والقرى وما يلحقهم من&سلوكيات وممارسات، فأصبح لدينا بأسماء جميلة للغاية مؤسسات البرلمان والرئاسة المنتخبة عبر ذات المعايير التي استحوذت بواسطتها كل الأنظمة الشمولية من ناحية المبدأ واختلاف الأساليب والآليات!؟

وليس عجيبا في بلدان الزرق ورق كما هو واضح في ظاهرها المزركش وباطنها المتعفن بالفساد والتسلط وكما ذكرنا قبل اسطر، أن ترى نائب ضابط في الجيش أو عريف في الشرطة قد أصبح بجرة قلم حنون فريقا أولا في جيش صدام حسين، وبعد 2003 يتحول شبيهه إلى صحفي أو رئيس تحرير جريدة أو مدير عام فضائية، وخذ عندك من مشاهداتك عزيزي القارئ في قريتك أو بلدتك أو مدينتك خلال العقد المنصرم من نماذج مخجلة أضاعت فرصا تاريخية وذهبية لنهوض البلاد وتطورها حيث تكلست عناقيد هؤلاء المجاميع من عصارة الماضي المخجل للبلاد في كلا مفاصل الدولة إلى الدرجة التي جعلت الشعب الذي أبكته الأنظمة السابقة يبكي عليها اليوم للأسف الشديد!؟

&

[email protected]