هلع و ذعر و رعب إنتاب نظام ولاية الفقيه إبتداءا حرسها الثوري و إنتهاءا بوليها الفقيه عندما بدأت رکائز النظام السوري تهتز قبل ثلاثة أعوام حينما إندلعت الثورة السورية، وتجسد ذلك في خطوات عملية غير مسبوقة للنظام ضد هذه الثورة بحيث أثبت للعالم معنى الحکم الديني و کيفية سعيه الميکافيلي لجعل النصوص و المباني الدينية مجرد وسائل لبلوغ غاياته خصوصا عندما أباح لنفسه الاقدام على أي إجراء او خطوة مهما کانت بهذا الصدد.

قبل أکثر من أربعة أعوام، تحدثت في مقال لي عن مبدأ التزاحم الفقهي و کيف أن النظام الديني القائم في إيران يعمل على توظيفه و إستغلاله من أجل تحقيق مآربه و أهدافه ضد المعارضة الايرانية، يومها عارضني الکثيرون و أکدوا بأنني قد ذهبت أبعد من اللازم في فهمي و تصوري لهذا النظام، ولأن النظام قد فرض حالة من التعتيم الاستثنائي على الاوضاع الداخلية خصوصا مايرتبط بالمعارضة منها و الاساليب"الشيطانية"بالمعنى الحرفي للکلمة التي إستخدمها ضدها لتصفيتها أو إقصائها، فقد کان من الصعب إقناع من عارضني بمجزرة إعدام 30 ألف سجين سياسي کانوا يقضون فترة محکوميتهم بناءا على قرارات صادرة من الجهاز القضائي للنظام نفسه و إعتبارها تطبيقا أهوجا لمبدأ التزاحم الفقهي من جانب الخميني في عام 1988، ردا على عمليات"الضياء الخالد" التي وصل فيها جيش التحرير الوطني الايراني الى مشارف مدينة کرمانشاه بعد أن حرر مساحات کبيرة من الاراضي الايرانية، لکنني لاأجد مبررا يدفع البعض للتشکيك بإسستخدام النظام لمبدأ التزاحم الفقهي و بأبشع صورة ضد الشعب السوري و ثورته و قام بأسوأ و أقذر حملة تشويه و تزييف و تزوير بحق هذه الثورة تماما کما فعل مع منظمة مجاهدي خلق ومن لايعرف العمامة التي تبيع نفسها للشيطان فإنه لن يفهم أبدا ماأرمي إليه.

حالة الاستنفار القصوى التي أعلنها الولي الفقيه علي خامنئي من أجل نصرة نظام الدکتاتور القاتل و الذابح و المضطهد لشعبه بشار الاسد منذ ثلاثة أعوام، هي نفس الحالة التي أعلنها الخميني عام 1988، عندما بدأت طلائع جيش التحرير الوطني الايراني تحرر المدينة تلو الاخرى يومها زج الخميني بما وراءه و أمامه ضد هذا الجيش بمافيه(فيلق بدر)، والذي وصف أحد قادته الکبار لکاتب هذه السطور بسالة و شجاعة مقاتليه خصوصا النساء منهم، کي يوقف زحف و تقدم هذا الجيش الذي وصل الى مشارف مدينة کرمانشاه الاستراتيجية، هذه الحالة لم تتکرر طوال تأريخ النظام سوى مع الحالة السورية فقط عندما بدأ شبح السقوط يخيم على الاسد، وسقوط الاسد کان يعني بداية السقوط الحتمي لهذا النظام، تماما کما کان سيکون الامر لو لم يقم الخميني بإعلان النفير العام ضد

هجوم جيش التحرير الوطني الايراني، وان الجهود التي بذلها و يبذلها النظام الايراني من أجل الحفاظ على النظام السوري، قد تجاوزت کل الحدود و تعدتها بفراسخ، بحيث أن إطلاق تصريحات من جانب قادة من المعارضة السورية بأنهم يقاتلون النظام الايراني او أن ملالي إيران هم الذين يديرون الامور في سوريا، صار مفهوما و مقبولا من جانب أبسط مبتدئ بالسياسة.

اللقاء الذي تم خلال الايام القليلة السابقة بين السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية و بين السيد أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة السورية، لقاء له أهميته ودلالاته المتباينة، ويدل على ان هناك أکثر من مفاجأة و مستجد على صعيد الاحداث في سوريا، بل وانه يعتبر الاهم بعد ثاني صفقة مشينة من نوعها تجريها الادارة الامريکية للطعن في إرادات الشعوب من خلف الستارة في مقابل مکاسب محددة، والغريب أن الجانب الآخر للصفقة الثانية هو نفس الجانب الآخر للصفقة الاولى التي قامت إدارة الرئيس بيل کلينتون بإدراج منظمة مجاهدي خلق ضمن قائمة الارهاب مقابل إعادة تأهيل النظام الايراني أيام کان محمد خاتمي قد شغل العالم بضجيج إصلاح و إعتدال فارغ لاوجود له بالاساس.

الصفقة الجديدة التي تمت بين الادارة الامريکية الحالية و بين النظام الايراني، بدأت خطوطها الاولى عندما کان العالم يترقب توجيه ضربة عسکرية للأسد بحيث تمسحه من الخارطة، وهو أمر أدرکه و تيقن النظام منه جيدا، ولذلك فقد بعث النظام الايراني بقائد قوة القدس الى بغداد في 27/8/2013، لينقل رسالة للأمريکيين عن طريق مبعوثين من العراق مفادها إستعداد طهران لتقديم تنازلات نووية و في حال ضرب الاسد فسوف يتم قطع المفاوضات النووية، والغريب أنه و بعد 4 أيام فقط من هذه الزيارة، ظهرت أولى آثار هذه الصفقة عندما تعرض معسکر أشرف للاجئين الايرانيين الى أفظع هجوم من نوعه في 1/9/2013، والذي و على الرغم من فظاعته فإنه جوبه بموقف أمريکي متميع و غير مسؤول وکأنه تغاض او تجاهل مکشوف لم يدقق في هذا الموقف، ويبدو أن هذا التنازل الجديد الذي قدمه النظام الايراني، يبرر الاهمية القصوى لبقاء النظام السوري بالنسبة له ومايعنيه سقوطه له على وجه التحديد، وان لقاء رجوي ـ الجربا الذي تم على هامش جولة دولية خاصة لرئيس الائتلاف السوري شملت أهم عواصم القرار الدولي، هو لقاء له قيمته و إعتباره الخاص، لأنه يجمع بين أهم معارضتين ضد أکثر نظامين إستبدادين يجمعهما تحالف موجه بشکل خاص ضد الشعب و الثورة السورية، ويدفعهما لتوحيد جهودهما و توجيهها بسياق يکون في صالح الشعبين، ومن المعلوم أن النظام الايراني الذي يلقي بثقله کاملا في الصراع الدائر في سوريا، ليس هنالك من هو أدرى بأساليبه و طرقه التي يستخدمها للمواجهة هناك ضد الثورة السورية من المقاومة الايرانية، وهي تجربة و خبرة عمرها أکثر من ثلاثين عاما، ولهذا فإن المقاومة الايرانية عندما تضع هکذا خبرة

أمام الائتلاف السوري فمن المؤکد أن الاخير سيستفاد منها أيما استفادة ضد تواجد النظام الايراني هناك سواء کتواجد ميداني او إستشاري، خصوصا عندما نعلم أن القتال و المواجهة هناك يتم توجيهها ميدانيا من قبل النظام الايراني، وان دخول المقاومة الايرانية مرة أخرى في مواجهة أخرى مع النظام الايراني و على أرض غير إيرانية، سيکون ثقيلا على النظام الايراني کما کان دائما، وان الحملة الاعلامية الملفتة للنظر في مختلف وسائل الاعلام(الناطقة باللغة الفارسية)، رکزت بشکل خاص على هذا اللقاء و تعرضت له بأساليب خرج العديد منها عن اللياقة الادبية، مما أکد أهمية هذا اللقاء بالنسبة للنظام، وان النظام يعرف أن دخول المقاومة الايرانية الى الساحة السورية کطرف إستشاري سيکون له أهميته و دوره و تأثيره الدي سوف يترجم الى الواقع على يد ثوار سوريا.