التحديث، التغيير، الشفافية، كلمات نسمعها منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وطيلة السنوات العشر الماضية دون أن يتحقق أي شيء منها.
&
التغيير ليس شعاراً فقط وإنما هو ضرورة، ولكن ما هو التغيير المطلوب؟ التغيير نحو الأفضل على صعيد الأشخاص والبرامج، وما لم تُطرح بدائل أفضل مما هو موجود فلا أعتقد إن أي تغيير هو المطلوب، وربما يصبح الوضع أسوأ مما هو عليه الآن، كما هو حاصل في بعض الدول العربية.
&
لا يجوز التركيز على إسقاط ما هو موجود رغم سلبياته وأخطائه ما لم يُطرح بديل أفضل، ونحن مع التغيير ولكن نحو الأفضل.
&
هنالك خلل أساسي في تركيب العملية السياسية منذ البداية عندما قام (بريمر) بتحويل العمل السياسي في العراق إلى تناحر طائفي وعرقي ووضع أساس نظام المحاصصة السيئ الصيت والذي فشل في إدارة الحكم طيلة السنوات الماضية.
&
ناهيك عن استبعاد التيار القومي العربي من العملية السياسية رغم إنه كان أحد أعمدة المعارضة الرئيسية في التصدي لنظام صدام الدكتاتوري، والذي لعب دوراً مهماً ومحورياً في دعم وإسناد المعارضة العراقية كافة (الوطنية والإسلامية، العربية والكردية، وكافة القوى الأخرى والشخصيات المستقلة حتى سقوط النظام السابق)
&
إن الطريقة التي سارت عليها الحكومات السابقة كلها بعد عام 2003 في التعامل مع الآخرين أحدثت حالة من عدم الثقة بما تطرحه الحكومة من شعارات وبرامج.
&
بعد كل انتخابات يتساءل البعض هل هناك إمكانية أن تُغير الأحزاب الحاكمة من سلوكها لإعادة ثقة المواطن العراقي بالعملية السياسية؟
&
المسألة ليست في تغيير السلوك، ولا بمناقشة النتائج، المشكلة الأساسية هي سقوط نظام دكتاتوري ومحاولة إقامة نظام ديمقراطي على أنقاضه مما يتطلب الإيمان بالديمقراطية أولاً على صعيد القيادة السياسية، ويبدو إن بعض القائمين على عملية التحول الديمقراطي ليسوا مؤمنين أصلاً بالديمقراطية.
&
هنا لا بُدّ من العودة لمرحلة العمل المشترك في فترة التسعينيات من القرن الماضي، وبعده التحالف الوطني الذي كان يضم (حزب الدعوة، حزب البعث العربي الاشتراكي – قيادة قطر العراق، الحزب الشيوعي، الحزب الإسلامي، التركمان (جماعة عباس البياتي)، الشيخ محمد باقر الناصري، الشيخ تكليف المنشد، والسيد مجيد الحاج حمود).
&
عند محاولة إصدار بيان باسم الائتلاف عام /2002 فوجئنا بإصرار الأخوة في التيار الإسلامي يرفضون وضع كلمة (ديمقراطية) في البيان، فلم يكن أمامي إلا الاتصال بالأخ والصديق الدكتور إبراهيم الجعفري للاستفسار منه عن سبب رفضهم لوضع كلمة ديمقراطية في البيان، رغم إنها تعني حكم الأغلبية وهذا يخدم موقفكم.
&
فقال المسألة ليست كلمة، وإنما موضوع الديمقراطية يتقاطع مع الإسلام من حيث المبدأ.
&
لذلك الخلل في الإيمان، ولا يمكن للتجربة الديمقراطية أن تنجح إذا كان القائمين عليها غير مؤمنين بها ويصبح طرحها شعاراً للاستهلاك فقط.
&
يبدو إن بعض الإسلاميين عندما يتحدثون عن الديمقراطية يقصدون إيمانهم بالآليات الديمقراطية لاستلام السلطة فقط وليس آليات تسليم أو تداول السلطة.
&
إن مسألة إعادة الثقة تحتاج إلى تحويل الشعارات والوعود إلى أفعال يتحسسها المواطن ويشعر بصدقها، فمثلاً شعار المصالحة الوطنية والتي كان لها وزارة لم تستطع أن تخطو خطوة واحدة طيلة سنوات، رغم الجهود التي بذلها الوزير الأستاذ أكرم الحكيم في حينها، وقد قمنا من جانبنا بعدة محاولات للخروج من الأزمة السياسية الخانقة، ورغم توصلنا إلى بعض الاتّفاقات في الغرف المغلقة إلا أنه تم التراجع عنها فيما بعد، مما أعطى الانطباع بعدم وجود جدية لشعار المصالحة، ومن لم يتوصل إلى اتفاق مع حلفاء الأمس الذين ساندوه، لا يمكن أن يطمئن الآخرين، فالعملية أضرت بمصداقيته.
&
إن أحد الأسباب الرئيسية لسقوط نظام صدام حسين هو محاولته الاستئثار بالمال والسلطة وحرمان الآخرين منها، وسيسقط كل من يحاول السير على نفس الطريق.
&
هنا يأتي دور المواطن العراقي في التغيير المنشود ومن خلال المؤسسات الدستورية، ولكي يستطيع الناخب من ممارسة حقه الديمقراطي لا بُدّ من تهيئة أجواء صحية للمنافسة وتقديم وجوه مؤمنة بالعملية الديمقراطية وتتمتع بتأريخ ومواقف واستقامة، فحسن الاختيار الأول يقلل كثيراً من احتمالات انحرافهم فيما بعد، أما أن يتم ترشيح أشخاص ملوثين أصلاً في أيام المعارضة فلا نتوقع منهم أن يستقيموا من خلال السلطة، فالذي لا يملك حصانة ورادع ذاتيين لا يلزمه أي يمين يقسمه في البرلمان.