قبل أيام قليلة خرج المئات من أبناء الجالية الأرمنية في لبنان إلى شوارع برج حمود مطالبين بطرد العمال السوريين والأكراد من منطقتهم على خلفية إشكال فردي تطور إلى عراك وتضارب.

قد يكون الإشكال مرّ مرور الكرام، غير أنه يشكل من وجهة نظر الكثيرين دلالة بالغة على الفوقية والعنصرية التي يتعرض لها اللاجئون في بلاد الأرز، لاسيما وأنها ليست المرة الأولى التي يدعو فيها الأرمن (اللاجئون السابقون والمواطنون الحاليون) لترحيل السوريين والأكراد من مناطقهم.

ترحيل اللاجئين هي كلمة السر التي أجمع عليها المسيحيون في لبنان، كيف لا وهم الذين لم يجدوا طيلة العقود المنصرمة تربة أخصب من الفلسطينيين ومخيماتهم لتحميلهم أزمات الماضي والحاضر وربما المستقبل، فضلاً عن أنهم لم يتوانوا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة عن المطالبة بإبعاد الوافدين السوريين وإغلاق الحدود في وجوههم.&

ينصب جلّ تركيز هؤلاء على التحذير من التوطين وتداعياته، على اعتبار أن لبنان بلد صغير لا يحتمل أي تغيير قد يطرأ على خارطته الديمغرافية نظراً للتركيبة الطائفية والمذهبية المعقدة، وينسون أو يتناسون الأرمن على قاعدة المثل اللبناني الشهير "ناس بسمنة وناس بزيت"، فالأرمن وطُّنوا منذ عشرات السنين وكأن شيئاً لم يكن، ربما لا بل الأكيد لأنهم مسيحيون فقط، فيما لا يحق للفلسطينيين أن يُعاملوا حتى كلاجئين.

للأرمن في لبنان حقوق لا يقبلون المساس بها، لهم حصة وزارية (وزيران) وأخرى نيابية (6 نواب) وبلدية واختيارية، كما لهم "كوتا" في وظائف الدرجة الأولى من سفراء ومدراء وقضاة وغيرها، ناهيك عن وجود ثلاثة أحزاب (الطاشناق، الهنشاك، الرامغفار) تلعب دور بيضة القبان في ترجيح كفة طرف على آخر، وكذلك المدارس (26 مدرسة) والجامعات وغيرها من المؤسسات الدينية والاجتماعية والرياضية (نوادي كرة قدم وكرة سلة: الهومنتمن والهومنمن وأنترنيك وغيرها).

لا أذكر مباراة واحدة من مباريات كرة القدم التي كانت تجري في إطار الدوري العام ويكون أحد أطرافها فريق أرمني، إلا ويصرّ جمهور هذا الفريق وبشكل استفزازي على عزف وإنشاد السلام الوطني الأرمني، وكأننا في أحد ملاعب العاصمة يريفان.&

وعند دخولك إلى أي من المدن اللبنانية – الأرمنية، تلفت نظرك الهندسة المدنية والعمرانية المميزة إلى جانب الترتيب والنظافة، بيد أن أكثر ما يثير انتباهك في المقابل هو عدد الأعلام والرايات الأرمنية المرفوعة في هذه المناطق.

ليس مهماً إن كان أبناء "جلدة أرتين" الذين يزيد عددهم على 160 ألفاً تقريباً، لا يجيدون اللغة العربية أو إن كانوا حتى يكرهون التحدث بها، المهم أنهم استطاعوا الحفاظ على هويتهم ولغتهم الأم.

على المقلب الآخر، لا ضير إن كان الفلسطينيون يعيشون في مخيمات صالحة لكل شيء إلا للسكن الآدمي، المهم أن نظراءهم الأرمن يقطنون في أجمل وأبهى المدن اللبنانية كبرج حمود وجبل لبنان وعنجر، وإن كانت جلّ أراضي الأخيرة (عنجر) تابعة للوقف السنّي في البقاع، ولكن مرة جديدة "ضرورات الوحدة الوطنية والعيش المشترك" تبيح محظورات التعدي على أملاك الغير.

وعلى هذا المنوال وبينما يُحرم الفلسطينيون من المطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية، تخطى "أرتين وأخواته" هذه المرحلة بأشواط حتى وصل بهم الأمر إلى حد الخروج في مظاهرات لتحديد هوية الأشخاص والرؤساء والوفود المرحب بهم في لبنان من غير المرحب بهم كرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

المقال ليس مناسبة لتأليب الرأي العام على الشعب الأرمني الذي نعيش معه منذ عشرات السنين، أو للترويج لتوطين الفلسطينيين الذي يرفضه المسلمون قبل المسيحيين، ولكن ما ينبغي التوقف عنده ملياً هو كيفية تعاطي شريحة واسعة من اللبنانيين تجاه اللاجئين الفلسطينيين والسوريين لكونهم مسلمين فقط.

وهنا لا بدّ من التساؤل هل يرتضي هؤلاء (الأرمن) أن يبادر أبناء الطائفة السنّية إلى المطالبة بطردهم من عنجر التي يعرف الصغير قبل الكبير كيف تمت "طمطمة" ملفها بتدخلات سياسية مفضوحة في العام 2000، مع الإشارة إلى أنها إحدى أخصب وأغنى قرى البقاع بالمياه.

ماذا لو خرج المسلمون للمطالبة بسحب الجنسية من الأرمن؟ سرعان ما سيجيب أرتين على هذا السؤال بالقول إنها الطائفية والعنصرية بعينها... على قاعدة يحق لنا ما لا يحق لغيرنا !

&