كانت الصفعة الأولى الموجعة هى صفعة شاه إيران، ثم بدأت الصفعات تتوالى على جهاز الاستخبارات الاول فى الكون، صفعة مبارك ثم صفعة مرسى، أى أن صفعتين تلقاها الأمريكيون فى غضون عامين ولم تفلح أجهزة قياس الرأى ولا أجهزة قياس الضغط فى استنبيان حالة الغليان التى دفعت المصريين إلى الانفجار مرتين، مرة فى وجه مبارك والامريكيون يغطون فى نومهم، ومرة فى وجه الاخوان بينما الاوربيون والامريكيون بدوا وكأنهم وجدوا حلا سحريا لمشكلاتهم وهو قذف المنطقة فى آتون الجماعات العنصرية المتطرفة ليتقاتل الجميع فى ميادين بعيدة عنهم يأكلون بعضهم بعضا، ولا مانع من غض البصر عن نشاط منظمات تصدير (المجاهدين ) العاطلين عندهم إلى سوريا وليبيا وكل الميادين المشتعلة، فى المقابل لازالت أجهزة استخبارات القارة العجوز غارقة فى بحر من السذاجة اللزجة يطبقون قوالب مثاليات عقيمة عفا عليها الزمن مربوطين من رقابهم بسلاسل وعقد قديمة كبلت حركتهم وأغلقت عقولهم عن فهم مايجرى على الضفة الاخرى من المتوسط،إذ كيف لم يتمكنوا بإمكاناتهم الهائلة من التنبؤ بثورة على مبارك ومن التنبؤ بثورة ضد حكم التيارات الدينية علما بأن الحكم الدينى بالذات هو عقدة العقد فى أوربا، ولم نسمع يوما من أى إدارة تستنكر هذه التوجهات تملقا لتجمعات السلفيين التى غزتهم من حيث لايعلمون، وزلفى لاستثمارات شيوخ النفط والغاز، ونظرة سريعة على مزارع اللحى الكثيفة والجلاليب القصيرة وكم المنتقبات فى شوارع بروكسل وامستردام وباريس وحتى لندن ربما تشى بحالة التخبط التى تعيشها هذه المجتمعات. نعود إلى الصفعة الاخيرة ففى مثل هذه الاجواء الحارة منذ عام تقريبا كنت أصرخ كما يصرخ النائم فى كابوس أصرخ لاتسقط ياوطن، ثم أفاقت على صوت ملايين المصريين نزلوا للشوارع يصرخون معى بأعلى صوتهم وكأنهم يرددون خلفى لاتسقط ياوطن، فارتجت الارض واستجابت السماء وتحرر الوطن من قبضة عصابة من الفاشيست الدمويين،وصُدمت كل أجهزة الرصد الاستراتجى فى كل الدنيا، ورأينا كيف تاهت أقوى أجهزة الاستخبارات فى العالم وفشلت حتى فى توقع سيناريو واحد لساعة واحدة قادمة، وكان مسئولوها يلهثون متخبطون ونظرة على الموقف الامريكى والاوربى المضحك كمثال قد توضح الصورة أكثر، وربما نكون إجابة بسيطة بعيدة عن التعقيدات قد تفى بالغرض فهناك شعب ثار ثم خدع بأسلوب ملتوى خبيث من جماعة دست السم فى العسل بمقولات حق أرادوا بها باطل، ثم اكتشف الناس الخدعة الدنيئة فتوحد المصريون وتحولوا الى كتلة بشرية واحدة وألقوا بأنفسهم فى الشوارع فى مثل هذه الايام من عام مضى، فى مشهد انتحارى يبدو للوهلة الاولى عنوانا لليأس والقنوط الذى فاق قدراتهم التاريخية على التحمل فقد صبر المصريون كثيرا على مدى تاريخهم، صبروا على فقر وظلم واحتلال، إلا أنه يبدو أن هذه الموجة من الغضب كانت لأسباب أقوى مما تعرضوا له على مدى تاريخهم، لكن ترى ماهى الاسباب الأقوى من الظلم والفقر والاحتلال؟ ماهى الاسباب التى لم تدركها أوربا وأمريكا والتى تجعل المصريون يقومون بفعل متفرد فى التاريخ إذ خرج الناس إلى الشوارع عشرات الملايين فى احتجاج سلمى مهيب سوف يتوقف المحللون كثيرا جدا لتحليل هذا الحدث بعد أن تبرد الأحداث، لكننى أستطيع القول بكل ثقة أن من هذه الاسباب القهرية هو الاقتراب من أجساد المصريين، فقد لوحوا بتطبيق عقوبات جسدية وبغض النظر عن الاستناد إلى نصوص أو تجارب أو تراث مختلف عليه وعلى مرجعياته وأسبابه فإن المصريين لديهم حساسية مفرطة تجاه لمس أجسادهم حتى ولو بإسم الدين، كما اقتربوا من هويتهم الحضارية الموغلة فى التاريخ، الهوية المتفردة التى لاتقبل القسمة أو التشارك مع هويات البوادى الغريبة والدخيلة، كما حاولوا مسخ عقيدتهم الوسطية الفطرية المتسامحة،تلك بعض من الاسباب التى جعلت المصريون يهبون لاسترداد ثورتهم التى سرقها هؤلاء المدلسين، بالاضافة لرائحة الدم التى تفوح بقوة مع تراقص المشهد السورى أمام العيون، لذلك وغيره ثار المصريون كما لم يثوروا من قبل،لكن يبقى السؤال ماهى مصلحة أمريكا وأوربا فى تسليم المنطقة لهؤلاء الارهابيين؟والاجابة بسيطة وغير مركبة على الاطلاق إنها أوربا الغبية وأمريكا الساذجة أوربا التى ثارت على الكنيسة التى كانت تحكم كل أوربا بإسم الله واختزلت مملكة البابا فى كل القارة إلى ثلاث كيلومترات مربعة ولا يتدخل فى السياسة، وأمريكا التى هرع إليها المضطهدون بحثا عن حرية العقيدة، أما اليوم فقد نسى هؤلاء ما عاناه أجدادهم وآباؤهم فى ظل الفاشية الدينية وارتضوها لنا لتحكمنا بقوانين ابن تيمية والمودودى الجلد والرجم والذبح من الخلف وقطع الاطراف، لكنهم نسوا أن الحرب ستنتهى يوما وسيعود (المجاهدون ) من ميادين القتال فى سوريا وليبيا سيعودون من حيث أتوا لكن بعد أن يكونوا قد أدمنوا التفجير ورائحة البارود، وساعتها لن يجدوا سوى ميادين لندن ونيويورك وأمستردام وبروكسل ليزرعوا المفخخات والاحزمة الناسفة ويشرب السذج من نفس الكأس. نعود مرة أخرى للصفعة الاخيرة التى نحن بصدد الحديث عنها صفعة قوامها ثلاث وعشرون مليون صوت أطلقوا صرخة قوية هادرة فى وقت واحد اخترقت طبلة أذن كل المتآمرين الحاقدين المأجورين الموتورين كارهى هذا الوطن، صفعة قوامها ثلاث وعشرون مليون كف على وجه كل من يقف ضد إرادة الشعوب صفعة أعادت للمصريين ريادتهم التاريخية التى ضاعت منذ عقود ودفنت تحت ركام من الفساد والاستبداد والقهر، تسلم الايادى كل الايادى التى قبضت بإصرار على مستقبل هذا الوطن وانتزعته انتزاعا من براثن الفوضى والانقسام، من براثن عصابات تجار الدين محترفى اللغى فى الدماء، من براثن أمراء الحروب الذين دمروا السودان والصومال وافغانستان وسوريا وليبيا واليمن ونيجيريا وغيرها وغيرها، تسلم الأيادى التى أنقذت المصريين من مصير المخيمات وأنقذت المصريات من تجار الرقيق الذين أرادوا العودة بالمرأة لعصور المهانة والاسترقاق.تلك هى الصفعة الاخيرة حينما خرج المصريون ووقفوا فى الطوابير تحت الشمس الحارقة ووضعوا فى الصناديق أصواتهم بل قلوبهم واختاروا بملئ إرادتهم وكامل حريتهم من يستحق اعتلاء هذه السدة المهيبة رئيس أكبر وأقوى وأغنى ( وأنا أعنيها حرفيا) دولة فى الشرق الاوسط تسلم الايادى.

&