قبل أكثر من ثلاثين عاما وفي أتون التهييجات العرقية والدينية قبل بدأ الحرب العراقية الإيرانية بفترة ليست طويلة بعد حادثة جامعة المستنصرية، خرج صدام حسين على العراقيين بتصريح خطير أعلن فيه إن العراق سيكون حفنة تراب لمن سيأخذه من أيديهم، ويقصد يديه تحديدا، وحصريا كرسي السلطة وما تحتها من خزائن النفط والغرائز، وبالتأكيد كان يخاطب حينها حزب الدعوة المتهم بتلك العملية والمدعوم من ايران حسب أدبيات حزب البعث ونظامه السياسي آنذاك، ولأجل ديمومة حياة ذلك الكرسي اللعين اشتعلت أسخف حرب في تاريخ البشرية المعاصر، وجيشت لها الجيوش من أكثر أنظمة العالم دكتاتورية ووحشية في منطقة الشرق الأوسط وربما العالم، حيث سخرت ميزانيات خرافية من كلا الدولتين وواردات النفط ومساعدات دول الخليج وغيرها للمتصارعين اللذين لا يختلفان سذاجة عن أبطال المصارعة الأمريكية وتمثيليات حلباتها المعدة من كبرى الشركات!؟

لقد فعلت شركات البترول والسلاح فعلتها في إدامة تلك الحرب وتغذيتها واستغلال بدائية القائمين عليها، لكي تبيعهم كل سكراباتها من الأسلحة أو تجعل ساحاتها حقل تجارب لأسلحتها الجديدة على حساب شعوب المنطقة، التي نزفت دماء ودموع طيلة ثمان سنوات مريرة، للحفاظ على كراسي الحكم والتفرد لكلا النظامين في بغداد وطهران.

وتمر الأيام والسنين ويبدل الله حالا بحال ويذل من يشاء ويعز من يشاء، ويسقط البعث هيكلا وإدارة لكنه يبقى ثقافة وسلوكا وارثا سياسيا وإداريا، حيث يزحف حزب الدعوة على صدى قوافل شهدائه وتضحياتهم من اجل الحرية، لكي يعتلي ناصية الحكم عبر توافقات وصفقات سياسية تحت الطاولة أو فوقها، لتمرير مجموعة مشاريع لم يأبه بها السيد المالكي وهو يوقع على اتفاقية اربيل، لكونه متأكد تماما بأن ما خفي كان الأعظم فعلا، إلا وهو التنصل منها بعد اعتلاء عرش السلطة ومالها، وهكذا تأخذك سمفونية الحكم في بلادنا دون أي تغيير يذكر إلا اللهم بعض الأسماء والعناوين، فقد شهدنا متطابقات البعث وقيادة دعوة المالكي في النهج والسلوك والتفرد والاحتيال والميكافيلية ما يثير شكوك البسطاء من الأهالي الذين قال البعض منهم انه ذات الحزب لكنه غير الاسم فقط؟

طبعا أبريء نفسي مما قاله هذا البعض من الأهالي، لكنني ازعم إنهم يتطابقان حد الاندماج بسلوكيات ونهج يصعب على المرء أن يفرق بينهما، إلا اللهم بجودة التنفيذ أو كما يسمونها مصطلحا أجنبيا (Quality)، فقد اقسم صدام بالله ثلاث مرات للأخذ بثأر فريال التي قتلت في مدخل جامعة المستنصرية على أيدي ثلة من رجال&حزب الدعوة حينها، وصرح بعدها بأنه لن يترك العراق لهم إلا حفنة تراب، وجاء دولة الرئيس المالكي لكي يعلن بأنه لن يعطيها ثانية لأحد، وفي حادثة مقتل احد الصحفيين اقسم هو الآخر قسمه الغليظ معلنا بأنه والي الدماء في البلاد وان الدم بالدم!؟

وفي كلتا الحالتين دفع الزعيمان شعبيهما إلى أتون حرب حصدت وستحصد مئات الآلاف وربما الملايين من البشر، كان بإمكانهما التريث قليلا وإعطاء الحكمة والعقل والإيثار لدفع الشر والخراب والدمار، والحفاظ على أرواح الناس وأملاكهم، لكنه الكرسي اللعين والسلطة الملوثة بالسحت الحرام دفعت الأول للتهلكة وتدفع الثاني للوقوع بذات الحفرة، مستخدما وباختلاف العناوين ذات الفكرة في تبرير الحرب، مع الإيمان بان مقارعة الإرهاب مهمة وطنية أخلاقية سياسية، تستدعي أرضية خصبة تتآلف وتتحالف فيها كل المكونات، لتجفيف منابعه دون استغلاله لضرب مكون معين تحت يافطة محاربته، لأنه بذلك ستندفع الأمور باتجاه تحويل البلاد إلى حفنة تراب كما قالها وفعلها وما تزال أفواج من مريديه وأمثاله ومن يقلده تفعلها لحد يومنا هذا!

&

[email protected]