يقول المؤرخ البريطاني الشهير (ارنولد تويني): كانت هناك عبر التأريخ إثنتان وعشرون حضارة إنهارت منها تسعة عشرة حين وصلت الى الوضع الأخلاقي للولايات المتحدة اليوم !؟. ثم قال: إن البشر منحوا الحرية وحق الإختيار. فلا يصح ان نلقي بالمسؤولية على كاهل الله او الطبيعة. وعلينا تحملها لكونها مسؤوليتنا بالدرجة الأولى.
&ولاشك أن هناك أناسا سيمرون على هاتين الحكمتين مرور الكرام لكونهم يعيشون في الزمن الضائع من التأريخ. ومن بينهم من يعيش بيننا ونطلق عليهم بـ (النخب). وفيهم الحكام والقادة ومن يدور في فلكهم. تلك الفئات من المجتمع الذين أضاعوا بوصلتهم منذ عقود طويلة فتاهوا في رمال الصحراء ثم في دروب الحواضر ، وتيهوا معهم الملايين من الناس البسطاء الطيبين فقذفوا بهم الى المتاهات والمآسي التي وضعتهم على طريق الفناء البطئ مثلما حصل لحضارات ولأقوام بادت. ومع ذلك فهؤلاء مايزالون يكابرون ويتنطعون وقد ركبهم العناد مؤكدين على أنهم دوما على صواب ، وان ما أصاب وما يزال يصيب ألأمة من نكبات ومآس وإنخذالات كان من صنع ألأعداء ... وألأعداء وحدهم. ويضيفون بان (القدر المكتوب) قد فعل فعله الحاسم في هذا الأمر على ما يرى البعض منهم. ومع ذلك فهم يزعمون بأن ما تتعرض له أمتنا في كل مكان ما هو إلا سحابة صيف عابرة !؟.
&ولا شك أن هناك فئة قليلة ومعزولة ومضطهدة من (النخب) الشريفة من ترى عكس ذلك. بمعنى: أن القادة والحكام والنخب السائرة في ركابهم يتحملون القسط ألأعظم من المسؤولية. وذلك بسبب إمتلاكهم وأحتكارهم للمال والسلطان والإرادة المطلقة. وهي العوامل الحاسمة لتقدم ألأوطان والحفاظ عليها. فأخذوا يكافحون بشتى الوسائل لتغيير الواقع الأليم الذي يسود حياتنا.
&ومن ألأسئلة التي صارت تشغل بال كل مواطن عربي وباتت تتكرر على مدار الساعة وما إنفكت النخب الشريفة تطرحها ؛ السؤال الصارخ الآتي:
إذا كان الحكام العرب قد وضعوا معظم عائدات النفط والغاز التي تقدر بترليونات الدولارات في بنوك الغرب ؛ وبلغت إستيراداتهم من ألأسلحة مبالغ طائلة ومثلها لإستيراد المنتجات العادية ، ووافقوا على إنشاء القواعد العسكرية التي تمس السيادة ؛ وحاربوا الى جانب الغرب فأرسلوا شبابهم لـ (الجهاد) في بلدان لا تربطنا بها علاقات حقيقية او إستراتيجية. فلماذا إذا يناصبنا هذا الغرب العداء حتى سلب حقوقنا وإستحوذ على خيراتنا ودنس مقدساتنا وفتت اوطاننا وشرد شعوبها ؟. ولم يقفوا عند هذا الحد من الإنتهاكات بل مارسوا حقدهم وأزدراءهم الفاضح لحكامنا ولقادتنا أنفسهم. وتعدى ألأمر الى إمتهان دينهم وعقيدتهم وتقاليدهم علنا ؛ وإتهام شعوبهم بالتخلف وألإرهاب ؛ مما لم يعد خافيا على أحد.
&وكان لسلوك الأعداء الشائن هذا أثر بالغ القسوة على نفسيات الوطنيين الشرفاء. لأن ما يمس الحاكم يمس الرعية. ومما ضاعف من آلام هؤلاء الوطنيين أن حكامنا وقادتنا وأذنابهم من المرتزقة يتعاملون مع أعداء ألأمة كونهم أصدقاء وحلفاء وشركاء متساوين في المصالح على حد زعمهم. ومن المؤكد بأن هذا السلوك المتخاذل بالذات هو الذي جعل خيرة ابناء هذه ألأمة من المفكرين والمثقفين المرهفي الإحساس أناسا محبطين ومقهورين وحانقين او مرضى.....او في القبور. وهي النتيجة الحتمية والمعدة سلفا من قبل خبراء (الغرب) وبالتعاون المباشر مع من ذكرتهم من هؤلاء المتخاذلين كفصل رئيس في الحرب النفسية وفي نطاق خطة كونية معلنة للقضاء علينا بالسلاح .... او نموت هماً وكمدا.
&فقد لا يمر يوم على أمتنا البائسة من غير ان يوجه اليها حكام الغرب الصفعة تلو الصفعة وفي اكثر من موضع ؛ بالرغم من ترليونات الدولارات التي نقدمها الى شركاتهم ومؤسساتهم ومصارفهم ومصانعهم والتي لولاها لعصف الكساد والبطالة بشعوبها ولتعرضت مجتمعاتها الى الهيجان والثورة.
&والحقيقة ؛ فان ما يقوم به حكام الغرب من أفعال عدائية ومنكرة ضد شعوبنا وضد مصالحنا الحيوية وضد عقيدتنا لم يكن إعتباطا او من غير أسباب. وقد تبدو للناس أسبابا خافية. لكن من يقارن بيننا وبين شعوب الأرض قاطبة يجد ان نصيبنا من الحقد والإزدراء هو ألأكبر والأقسى.
&ومع وجود المليارات من المسيحيين واليهود والبوذيين والهندوسيين وغيرهم فأن حكام العالم الغربي والكثير من مواطنيهم يكادون يجمعون على أن الإسلام والمسلمين وحدهم الذين يؤمنون بالعنف الأعمى وبتكفير الآخر والنظر اليه او التعامل معه كونه نجسا. بل أن كثيرا من الغربيين تمادوا في الوصف فعدوا ألإسلام منبعا للشر والإرهاب في العالم. قال بهذا فلاسفة ومفكرون وسياسيون معروفون. بل وصدقه أناس عاديون كثيرون. لكننا لو رجعنا الى المثقفين والعلماء والفلاسفة ورجال الدين الغربيين الذين درسوا الإسلام دراسة علمية متأنية او الذين إعتنقوه لتيقنت بأن آراءهم مختلفة تماما. فقد وجدوه يتسم بكل ما هو إيجابي وخيّر. فأين هو اللبس والخلط .... إذا ؟.
&لقد أصبح من الثابت أن الغرب كان وما يزال منذ عقود يطمع في ثرواتنا وأرضنا وأسواقنا. وهذ هو طبع نظامه الإستعماري البغيض. لكن تحقيق ذلك لا يمكن ان يتم إلا بالقوة الغاشمة او بالإحتيال والخداع والمؤامرات. وجميع تلك الأعمال الشريرة تتطلب إيجاد (طابور خامس) فعال للتمهيد لذلك. ونظرا لخصائص الشعوب العربية الإثنية والثقافية والبيئية والتاريخية التي لابد وان تترك هنا وهناك ثغرات ينفذ منها ألأعداء ؛ فقد وجد هؤلاء ضالتهم في فئتين رئيستين من المجتمع هما فئة الحكام والقادة والرؤساء ؛ وفئة النخب الطفيلية ؛ دينية ومدنية وعسكرية ؛ تلك التي تمتلك ألأدوات الفكرية والعلمية والثقافية والتقنية الفعالة. وهناك فئة أخرى تمثل الغالبية العظمى من الناس ؛ مثقفين وغير مثقفين ؛ وهم الذين إنزووا بعيدا في أبراجهم العاجية وتخلوا عن مسؤولياتهم الوطنية لإسباب مختلفة. او تجدهم على المئات من المواقع والصحف الألكترونية يحررون المقالات الإنشائية التي لاتمت بصلة الى قضايانا المصيرية. وكثيرا ما استخدم الأعداء سلبية تلك الفئة لتنفيذ مخططاتهم ومن وراء ظهورهم.
&والحقيقة انه ليس من اليسير شراء ذمم رجال الفئتين المذكورتين او إختراق عقولهم إن كانوا أسوياء وعقلاء. لكن الشواهد والوقائع قد أثبتت بأن كثيرا منهم مصابين بعلل او عاهات او متلازمات نفسية او عقلية او خلقية. لأنه من غير المعقول لاعلميا ولا منطقيا ولا أخلاقيا ان يصبحوا من (الطابور الخامس) فيتعاونوا مع الأعداء لتخريب أوطانهم. ومن المؤلم والمحبط ان نلاحظ بأن عدد هؤلاء ليس بالقليل كما سنرى. ويأتي في مقدمتهم فئة الحكام والقادة والرؤساء وطواقمهم. فلو أنت درست وتفحصت وتابعت سلوك الكثير من هؤلاء وقارنتهم بحكام الدول الأخرى وحتى المجاورة لأصبت بالذهول من إضطراب سلوك جماعتنا وضعف شخصياتهم وأهتزاز إراداتهم وجهلهم وتخاذلهم امام الزعماء الأجانب المتنفذين. ولا شك ان للغرب ؛ وفي معظم الحالات ؛ دور رئيس في إختيارهم المباشر او في التمهيد لمجيئهم بشتى الطرق والوسائل ؛ وبغرض مقصود سلفا. ولا يحتاج المرء الى عبقرية خاصة لمعرفته.
&وليس من المألوف ان يتمكن هؤلاء الحكام من البقاء في مناصهم من غير مناصرة الفئة الثانية التي أشرت اليها. ويأتي في مقدمتهم من يسمون برجال الدين الذين يتحكمون بإرادة الملايين من الناس البسطاء ، وخصوصا المرجعيات والمؤسسات والفقهاء والدعاة الكبار.
&فقد كان للإجتهادات الضحلة والفتاوى الخاطئة او المحرفة في تفسير آيات القرآن او أحاديث سيدنا (محمد) ، وطوال قرون عديدة ، آثار بالغة الضرر على الأفراد وعلى المجتمع. وكثيرا ما ادت الى تفجير الخلافات وأشعلت الفتن بين المسلمين أنفسهم. ولم يقف هذا الأمر الخطير عند حد إصدار الفتاوى المجافية للعلم او المنطق او العقل او الذوق السليم بل تعداه الى إعتبار قراآتهم الملتبسة وفهمهم الخاطئ للنص هي نفسها شرع الله (!). يقولون بذلك بل ويجزمون به ، وأمامهم المجلدات التي أصدرها أئمة المذاهب وغيرهم من الفقهاء وهي مليئة بالتناقضات وألأضداد والمراجعات في مسائل غاية في البساطة ؛ كمسائل التعامل مع غير المسلمين او مع الحاكم الظالم ؛ او الجهاد في سبيل الله او مسائل النكاح او معاملة المرتدين عن الإسلام...ألخ. هذا ناهيك عن الآلوف من المسائل الشائكة الني تتعلق بمنجزات العلم المتعاظمة. ولم يكتف هؤلاء بإصدار الفتاوى بل وطالبوا الحاكم بفرضها على الناس. والويل لمن يرفضها او ينتقدها. علما بأنهم يعلمون بالحديث الشهير القائل: (إستفتِ قلبك قبل ان يفتيك الناس).
&ومن الخطورة بمكان أن تنشط في السنوات الأخيرة فئة أخرى من (رجال الدين) تحوم حول أدوارهم وعلاقاتهم الشبهات فيفاجئون العالم ؛ وضمن خطط مبرمجة ؛ بآراء وفتاوى غريبة او مقززة او خادشة للحياء ؛ بل وحتى سافلة. كل ذلك يجري تحت أنظار ومسامع المراجع والمؤسسات الدينية الكبرى. بل ويسكت عليها المتعلمون والمثقفون من هذا المذهب او ذاك.
&وإذا كان ضرر تلك الفتاوى البائسة محصور بالملسمين فحسب فأن هناك سلوكيات وأفعال شائنة وخطيرة مما يمارسها رجال الدين ما يمس أمما أخرى في الغرب. وهو السبب الرئيس لدفع هؤلاء نحو عرقلة مسيرتنا والوقوف بوجه تقدمنا المعرفي والإقتصادي ؛ بل والتآمر علينا وشن الحروب على أوطاننا وأحتلالها وزرع بذور الفتنة بين ابناء الشعب الواحد مثلما فعلوا في العراق بعد الإحتلال. وكانت حججهم الواهية المستمرة ان العرب والمسلمين هم البادئون بتهديد الغرب بالقوة او بتكفير شعوبه وتكدير حياتهم وتخريب منشآتهم كما حصل في مدريد ولندن ونيويورك وغيرها. في الوقت الذي فتح لهم ابوابه وآمنهم من البطالة او الإضطهاد. وهي امور يكاد ينفرد بها العرب والمسلمون دون سائر الأمم والديانات ألأخرى على ما يزعمون.
&ولم تكن تلك الثقافة الدينية المتخلفة والتي كثيرا ما إنتهت الى الإجرام والإرهاب ، وليدة اليوم. فقد حملها رجال الدين هؤلاء قرونا طويلة. لكن الذورة في القمع الفكري والثقافي والإجتماعي قد جاء بعد سيطرة ما يسمى ، تجاوزا ، بالحركات السلفية ؛ وفي مقدمتها (الحركة الوهابية). وهي حركة سياسية بإمتياز. فقد هيمنت على الحياة اليومية لسكان الجزيرة العربية منذ ولادتها وحتى اليوم ، والبست ألإسلام ثوبا متهرئا من التخلف والتحجر حتى حولت المجتمع العربي الجزيري الى أشباح مريضة جسديا وعقليا ونفسيا وبحجج واهية تتناقض وطبيعة ألأشياء. ثم أرجعت أفكارها زورا الى السلف الصالح. وقد فاتهم ان سيدنا محمد والخلفاء الراشدين من بعده كانوا منارا للتقدم والتمدن وحربا على أفكار الجاهلية التي ما تزال تتحكم في مجتمعاتنا حتى اليوم ؛ وبخاصة في المجال العقيدي والعلمي وألإجتماعي.
&لكن أخطر ما أفرزته (الحركة الوهابية) يتركز في إجتهاداتها وفتاواها الخاطئة او المنحرفة وفي مسائل غاية في الخطورة كمسألة (الجهاد) بالسلاح ؛ مما قاد اوطاننا وشعوبنا الى سلسلة من المهالك القاتلة. فهيأت الأرضية الدينية والسياسية للتنظيمات الإرهابية الدولية كـ (القاعدة) و(التكفير والهجرة) و(النصرة) و(داعش) وما شاكلها. و ليؤسس عليها الأعداء من الغرب والعرب على حد سواء كيانات فوضوية وقتالية. فدفعت بالشباب المغرر بهم ليعيثوا فسادا وقتلا وتدميرا في عدد من مدن الغرب ودون تمييز. كما سعوا للقتال في غير اوطانهم ومن أجل (آجندات) الأعداء أنفسهم ؛ كما حصل في افغانستان والعراق سابقا ، وكما يحصل اليوم في سوريا والعراق وليبيا وتونس واليمن وفي افريقيا. كما أن تهمة (التكفير) لغير المسلمين ؛ وبضمنهم أهل الكتاب ؛ قد جاءت منها أيضا. لكن أبشع ما نتج عن ذلك الفكر المتحجر فكرة (تكفير) المجتمع الإسلامي نفسه كما جاء في فكر (سيد قطب) الذي دفعه عقله الشكاك والملتبس الى تكفير نفسه !. ومن هنا جاءت فكرة (التكفير والهجرة). فإندفعت تلك العصابات الإرهابية لتقتل المسلمين أنفسهم دون تمييز وهي تستخدم اساليب غاية في البشاعة والوحشية. تلك الأساليب التي تلقفتها وطورتها المؤسسات الأمنية في الغرب اولا ؛ وفي كل من (إسرائيل) و(أيران) و(قطر) وربما في تركيا أخيرا وفي إطار الحرب الفعلية او النفسية ضد العرب والمسلمين التى وضع اسسها (برنارد لويس) و(صاموئيل هنتكتون) و(بريجنسكي) و(كيسينجر) تحت راية المحافظين الجدد. هؤلاء الذين آلوا على أنفسهم ان يدمروا الإسلام من الباطن وعلى أيدي أبنائه. وهو عين الهدف الذي أقسم آخر ملوك الساسانيين (يزدجرد) على تحقيقه بعد ان تلقى ضربات جيش المسلمين زمن الخليفة (عمر بن الخطاب). وهو ما نشاهد أخر فصوله اليوم على يد القوميين الفرس الجدد وعملائهم من العرب وعلى طول الوطن العربي والإسلامي.
&اما المدرسة الدينية الثانية التي شوهت الإسلام وعبثت باصوله فهي المدرسة (الصفوية) وما تبعها من مدارس مذهبية متأخرة ؛ تلك التي قامت أصلا على الفكر الفلسفي (المزدكي \ الزردشتي) الفارسي الذي تجلبب بالإسلام للتمويه. وكما (الوهابية) ؛ فإن الحركة (الصفوية) حركة عنصرية \ سياسية متخلفة يقودها غلاة القوميين الفرس خلافا لفكر وثقافة الغالبية العظمى من الشعوب الإيرانية المتنوعة والمحبة للخير والتسامح والسلام. فضلا عن عشقهم للفنون والآداب والشعر.
&وللحركة (الصفوية) تأريخ طويل في إثارة النعرات الطائفية وتأجيج الفتن بين المسلمين. وحقدها على العرب لايقف عند حدود. وقد قامت على دعائم من الحركات التخريبية والفوضوية التي سبقتها والتي لاصلة لها البتة بالفكر الشيعي النقي. ذلك الفكر الذي حمل رايته علماء الدين والفلاسفة العرب وبعض الإيرانيين المتنورين ؛ ويأتي في مقدمتهم علماء المراجع الدينية العراقية الذين آمنوا بالقرآن وبالسنة وبفكر آل البيت ألأطهار، وبالعربية كلغة للوحي والرسالة المحمدية. فمن ينسى منا أولئك المفكرين والسياسيين التقدميين العظام من أبناء الجنوب الذين قادوا الحركة الوطنية أعوام الأربعينات والخمسينات والذين إستمدوا فكرهم ونشاطهم من قادة (ثورة العشرين) الطاهرة. وهؤلاء الشعراء الكبار الذين غردوا للعراق العظيم كالشبيبي والجواهري وبحر العلوم وعلي الشرقي. ولم نسمع عنهم يوما ما بأنهم (شيعة) طائفيون.
&ولعل من أخطر سلوكيات (الصفويين) القدامى والجدد صلاتهم الفكرية والثقافية والإستراتيجية بالإفرنج قديما وبالغرب حديثا ، نظرا للروابط ألإثنية والثقافية بهم. وقد تميزوا بالمكر والخبث والدهاء. وهم مبتكروا (التقية) السياسة بلا منازع. فكانت الطعم السام للكثير من العرب ؛ افرادا وجماعات ؛ وفي مقدمتهم من يسمون بـ (الإسلاميين) وعلى رأسهم (حركة حماس). ففي الوقت الذي كانوا يتظاهرون بتبنيهم للقضايا العربية كانوا يحكمون عرب الأحواز بفظاظة وقسوة متناهية حتى امتلأت السجون بالألوف من أبنائه الوطنيين ألأحرار وفي حال بائس قل نظيره في التأريخ الحديث. فلا يمر يوم إلا وترى الشبان والشابات وهم معلقون على اعواد المشانق تحت أنظار وأسماع الغرب ومنظماته المدنية لمجرد مطالبتهم بحقوق ثقافية ولغوية وبحكم ذاتي. علما بأن هؤلاء (شيعة) مثلهم. مما يؤكد زيف إيمانهم بهذا المذهب. فالقومية االفارسية الشوفينية وأحزابها السياسية هي فوق الإسلام والمذهب. أوليس من الغريب والمضحك ان يدعي هؤلاء الغلاة بأنهم اصبحوا يُعلّمون العرب المسلمين دينهم ومآثر آل البيت الكرام ؛ وهم الذين شوهوا عقيدتهم وأدخلوا على أصوله البدع والأساطير والخزعبلات والعادات القبيحة المقززة.
&ولابد ان يتذكر العراقيون والعالم المليشيات والعصابات (الشيعية) الإجرامية مثل (بدر) و(عصائب الحق) و(جيش المهدي) ( وجند العباس) و(حزب الله) وغيرها وكيف عاثت فسادا في بغداد وباقي مدن العراق.
&لقد تحالفت جميع تلك القوى الرجعية والسلفية والصفوية والحركات السياسية الباطنية مع قوى الغرب الإستعماري لإثارة الفتن وألإضطرابات في اوطاننا بهدف تقويض دعائم النظام العربي على هشاشته وضعفه. وكانت اولى ضرباتهم القاضية في العصر الحديث هي إحتلال العراق ؛ منبع الحضارة الرافدانية وقلعة العروبة. ومن ثم هيأوا الظروف فشكلوا العشرات من الحركات السياسية المشبوهة وخصوصا في مصر. وكذلك العصابات التخريبية والحركات الإنفصالية في اليمن وليبيا والصومال لتفجير الإنتفاضات والإضطرابات تحت إسم هزلي هو ثوار (الربيع العربي) الذي يمثل باكورة (الفوضى الخلاقة) او (مشروع (الشرق الأوسط الجديد او الكبير). ولم يكن نجاحهم مضمونا لولا المساعدة المباشرة التي تلقوها من سلطات دول المنطقة مثل (إسرائيل) و(إيران) و(قطر) و(تركيا) و(السعودية) و(السودان). وكذلك من (النخب) السياسية العربية المعروفة بولائها للأجنبي.
&ولعل مما يثير الدهشة والإستغراب والحنق معا أن نجد بأن عدد الأشخاص والجماعات الذين قدموا خدماتهم الى المؤسسات الإستخباراتية الغربية والإيرانية وألإسرائيلية يفوق كل تصور. وهو ما لم يحصل في بلدان العالم مجتمعة. وما تسرب عن أفعالهم المشينة يهز مشاعر أي إنسان. ويكفي ان اشير الى بضعة نماذج صارخة يأتي في مقدمتها اولئك الذين مهدوا لإحتلال العراق ؛ وهم معروفون بأسمائهم وبجنسياتهم حيث يشغلون اليوم مراكز حكومية وحزبية \ إسلامية مهمة. وكذلك الذين هيئوا وشاركوا عمليا في ما يسمى بالثورة المصرية وعملوا على مجئ (ألأخوان المسلمين) ؛ وبينهم مفكرون وباحثون وسياسيون وعلماء بارزون اشرنا اليهم اول أيام الإضطرابات. ومعظمهم توارى اليوم عن الأنظار بعد فشل (مشروع سيناء) المشبوه. أما في ما يتعلق بثورة (المعارضة) في سوريا فيمكن وصفها بكونها أشبه (بالحمل الكاذب) الذي إنتظره العرب طوال التسعة شهور المقررة طبيا (!) ؛ ثم تجاوز الثلاث سنوات ، ولم تتم الولادة لإسباب سياسية وإستراتيجية لا تخفى على اللبيب.
&اما على مستوى الأفراد فلنتحدث ولا حرج !. ويكفى ان نذكر بضعة حوادث مستهجنة منها الوشاية بمخبأ الرئيس (صدام حسين) من قبل أقرب الناس اليه ؛ وبأبنائه وبوزرائه في مقابل المال. وكذلك العرب الذين وشوا بمعارفهم الذين يقاتلون الإحتلال الإسرائيلي. ثم تطورت أساليب العمالة بحيث طالب ألأخوان المسلمون أنفسهم وما يزالون حتى اللحظة بالتحريض ضد حكومتهم وحثوا ألأمريكان على ضرب بلدهم. كما شاركوا عمليا في تقويض إقتصاد بلدهم من خلال التفجيرات المتواصلة ونشر الإشاعات الكاذبة التي حرمت أهليهم الفقراء البائسين من عائدات السياحة والإستثمار.
&لكن ما حصل ويحصل اليوم في سوريا من إبادة بربرية شاملة للشعب وتخريب بنية البلاد الأساسية بالكامل على يد حكامه أنفسهم قد تجاوز حدود الخيال. وهو عمل همجي وبربري بكل المقاييس. كل ذلك للهروب من مستحقات الإصلاح والتغيير السلمي ؛ وللتمسك بكرسي الحكم والحفاظ على خزائن المعاهدات السرية موصدة ؛ وعلى سلامة (الهلال الأسود) المشبوه.
&ولعل ما حصل عند إحتلال العراق هو ألآخر يعد إنموذجا فريدا للعمالة والخيانة في التأريخ الحديث. حيث كرست أعداد كبيرة ممن يسمون بالمعارضة ومن جميع الطوائف والمذاهب ؛ كل طاقاتها للتعاون مع المحتل . وكان البعض منهم يحمل راية الإسلام .... فتصور!. وكان هدفهم إستبدال حكم مستبد لكنه مستقل بحكم فوضوي فاسد ومستعبد. وقد يتذكر الشيوخ منا المصير البائس الذي لحق بالخائن الفرنسي الجنرال (بيتان) ؛ وهو فرد واحد؛ حين خان بلده لصالح الألمان. فصار اسمه عارا وشعارا تأريخيا لخيانة الأوطان.
&وقد يدفع بأي إنسان سوي ومنصف الى الذهول وهو يرى طاقم محطة فضائية مثل (الجزيرة) يحرض العرب علنا على الإقتتال فيما بينهم ويشجع الناس على خيانة الأوطان والتجسس لصالح ألأجنبي. وقد اصبح أداة شبه علنية للترويج للحركات الصهيونية وإنموذجا للفساد ولقمع الآراء الحرة ولشراء الذمم. ثم ليصبح لسان حال منظمات إرهابية مثل (القاعدة) و(النصرة) و(داعش) و(الأخوان). كما أنه إختص بالترويج لثقافة الكذب والتهريج الإعلامي. لكن هذا الطاقم الفاسد الميت الضمير يتعامى عن رؤية القاعدة الأجنبية الى جواره ويتغاضى عن مفاسد أسوأ حكم عائلي إستبدادي جاهلي يحار الإنسان الشريف ماذا يقول فيه !؟. كل ذلك من أجل المال الحرام..... وغير المال.
&ولمعلومات القارئ الكريم نقول بأن المخطط الشريرالمذكور قد بني على نظرية توجيه وإخضاع الأفراد او الجماعات الى (التدمير الذاتي) ، بعد ان تتم دراسة طباعهم وعاداتهم وعقائدهم بالتفصيل ، وبمساعدة خبراء عرب حيث قاموا بإختيار العادات والتقاليد العربية \ ألإسلامية التي تثير المشاعر حين تهان المقدسات وتنتهك الحرمات. او بإستخدام العادات السيئة التي ورثوها عن المجتمع الجاهلي المتخلف كالثأر والإغارة على ألآخر وسلب أمواله وسبي نسائه والخضوع للكبير واحتقار الصغير والتفريط بالوقت وخرق النظام العام والنفور من ألأعمال الجماعية وإرتياد الدواوين وحب الثرثرة والنميمة....وغير ذلك من عادات الجاهلية القبيحة التي أشرت اليها في مقالة سابقة.
&وقد كانت قصة ما يسمى (بالشيعة والسنة) (حجر الفلاسفة) بالنسبة الى كل من الحكومة الأمريكية وحكومة طهران وإمارة قطر. تليها مسألة (الكرد والعرب). وسبق وأن إستخدم الأنكليز هذا الأسلوب في الهند. كما إستخدمت الحكومة الأميركية برنامجا معقدا وطويل ألأجل لتقويض (الإتحاد السوفيتي) كما هو معروف. وكذلك ما أعدوه لإحتلال العراق الذي فشل حكامه المستبدون في إجهاض مخططات الأعداء من خلال تنفيذ الإصلاحات السياسية الضرورية. لكن الغرب قد فشل فشلا ذريعا مع (الصين) التي لم تترك مجالا للإشتباك بهم ؛ ومن خلال ما يسمى بـ (تشابك المتلاكمين) ؛ بحيث يتعذر على الملاكم الأقوى من النيل من خصمه. فخرجت من المؤامرة منتصرة. بل واصبحت القوة الإقتصادية الثانية في بحر أربعة عقود !؟.
&ومن كل ما تقدم يتضح لنا وللمنصفين الشرفاء في العالم بأن الأقطار العربية جميعها معرضة اليوم للتدمير وألإفناء على أيدي أبنائها بالدرجة الأولى وبتوجيه وتخطيط وإدارة وتمويل قوى الشر التي أشرت اليها. وعلينا ان لا نتغافل او نتغابى عن الحقيقة القائلة بأنه ما لم نغير تفكيرنا الجاهلي المتخلف فسوف لن تقوم لنا قائمة. وحينئذ لا ينفع ندم او بكاء او عويل. لأن المسألة هي (ان نكون او لا نكون). وقد أقسم أعداؤنا على أن (لا نكون).
&وعلى الملوك وألأمراء والرؤساء العرب أن يعلموا بأنه لا أحد بمنجى من العزل او الهلاك. فإن تصور عكس ذلك فهو أمي في قراءة التأريخ القديم والحديث. ولا أقول بليد التفكير والإحساس لكونه تناسى وبسرعة ما حصل لسبعة من زملائه البلهاء البائسين قبل سنوات قليلة فقط.
&وانا أكاد أرى في الأفق المنظور النذر السود بأن الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية وقطر ومن ثم الإمارات ستنالها الفوضى العارمة والإقتتال الدامي بين ابناء الشعب الواحد وذلك وفقا لـ (السيناريو) الذي إنتهى من كتابة آخر فصوله حكام الغرب وإسرائيل وإيران وقطر. وقد تعلمنا من ملفهم ألأسود بأن لاعودة عما تم إقراره. والسبب هو ان دول الخليج العربي هي الأعضاء السليمة المتبقية في جسد الأمة العليل. فقد كانت مواقفها السلبية المتخاذلة طوال تأريخها السياسي كالقلعة الموصدة الأبواب والتي كان حكام الغرب يوجهون من فوق سطوحها قذائفهم القاتلة نحو صدور العرب. وما يزالون حتى اللحظة يعولون كثيرا على تلك الدول ؛ وبخاصة (السعودية) ؛ خزانة الأمة وأملها الوحيد المتبقي.
&وعليه أرى وكرجل واقعي وعملي قد خبر سلوك حكام الغرب وسلوك النفس البشرية (السايكوباثية) بأن العلاج الفوري لإنقاذ اوطاننا وأرواحنا من فناء مؤكد يبدأ بحكام الخليج العربي أنفسهم. نعم ؛ وبهم وحدهم. فهم المنقذ ألأوحد في هذا الوقت العصيب. وسوف يرى العالم حينئذ كيف سيبطل سحر الساحر الأكبر ؛ وكيف ستتساقط رايات الأعداء وعملائهم من (الطابور الخامس). ولنرى أخيرا كيف سيتحول أعداؤنا الكبار الى (باعة متجولين) و(دلالين) و(خدم). فيتوسلون الينا ويشدون على أيادي حكامنا الجدد الشرفاء للحصول على برميل نفط بأسعار تفضيلية او لبيعنا سيارات او أسلحة او فنادق معطلة او مواد تجميل كاسدة.
&وهنا ينبغي على الحكام الجدد ونخبهم المثقفة الشريفة ان يبرهنوا عمليا لحكام الغرب ولشعوبهم بان الشعوب العربية جزء حيوي وفاعل في منظومة شعوب العالم ؛ وشعوب الغرب بالذات. وسوف يكونون شركاء وأصدقاء مخلصين بشرط ان تتم معاملتهم بالمثل. وعلى العرب أيضا أن يتخلوا عن عادة قبيحة جنت عليهم الويلات وهي تقليد (القرد) ألأرعن حين يلح بالتحرش بأسد الغاب فيعضه من ذيله !. فيسارعوا الى لجم أفواه من يكفر ألآخرين ؛ وبتر أيادي من يخرب حياتهم وممتلكاتهم.
&اما المشروع المنقذ فيتلخص بالتحول الفوري نحو نظام مدني دستوري برلماني. أساسه العدل والمساواة بين المواطنين. وتكون سلطة القانون هي السلطة العليا في الدولة. ويعتمد النظام في الأساس على مبدأ فصل السلطات. على أن يحميه جيش وطني قوي. ويقود الحكم أفضل رجالات الدولة ممن يحترمهم ويهابهم الغرب والشرق.
&وإذا كانت تنقصهم الخبرة العملية فعليهم ان يستشيروا من عاش في الغرب ليخبرهم كيف يكون نظام الحكم هناك بوجهين كالعملة تماما : وجه (دكتاتوري مستبد) ومستتر يراه فقط من ينوي شرا من المواطنين ووجه (ديموقراطي) ناعم ومكشوف للمواطنين الطيبين المطيعين !.
&وقد يبدو ألأمر صعبا في بداية التطبيق لكنه سوف يسير بسلاسة وهدوء وثبات إذا ما جرى الإصلاح اليوم وقبل الغد ؛ على ان يتم في ظروف سلمية بعيدا عن التظاهر او الفوضى. وبشرط ان يبدأ بالقوات المسلحة وإعتمادا على القادة الوطنيين المخلصين وبتحييد غيرهم و(تصفير) خطرهم المتوقع. ومن ثم تهيئة (الشعب) كله للدفاع عن الوطن. على أن تتبع تقنية (تسلق الجبال). وذلك بأن لا يحرر المتسلق إحدى يديه قبل ان تمسك الثانية بموضع جديد.
&لقد جربنا كل انواع النظم ولم نجن سوى الخراب والدمار. فلنجرب ولو مرة واحدة النظام الذي ثبت نجاحه التام طوال عقود طويلة.
&ولقد سبق لي واقترحت هذا البرنامج قبل عدة سنوات ونشرته في أكثر من صحيفة (البلاد وإيلاف) فلم يعبه به أحد من الحكام. وكانت النتيجة المأساوية ان تمت إزاحة و تصفية سبعة زعماء عرب ومثل بجثث بعضهم ابشع تمثيل.
&ولعلي اقول في الخاتمة بإن اكثر ما أخشاه هو ان لايلتفت حاكم ممن قصدت لهذا التحذير. وحينها سوف لن تكون أمامي فرصة أخرى قط لكتابة كلمة مماثلة بعد بضع سنوات..!؟.

الكاتب أكاديمي من العراق

[email protected]

&