على العكس مما يجري في العراق، جاء قرار محمد السادس ملك المغرب صائباً في حقلي السياسة والدين الذي منع بموجبه رجال الدين من العمل بالسياسة، والاخلال بالطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء في المساجد. ويدخل هذا القرار في دائرة الحقل الديني والعقيدة الأشعرية الأسلامية السائدة في المغرب العربي. أنها المبادرة الأولى من نوعها في العالم العربي والاسلامي.&

جاء القرار سابقاً الندم بعد أقتراف ذنب جريمة متأخرة غير مرئية يرتكبها الأتباع بأثارة وتأجيج المشاعر بالخطب الدينية - السياسية ذات التحقير لمذاهب الاسلام وصحة مبادئ القران وتعاليمه السلمية السمحة. أنها حقيقة التهم المتبادلة التي تنهال على شيوخ المذاهب ولم تصل بقادة العراق في عز قرارتهم وحكمتهم الى تجاوز المرض المذهبي.&

وأظن أن العقل الأنساني والنظريات الأجتماعية والتحولات الفكرية العميقة التي طرأت على الأمة المسلمة توحي بأن الدولة التي تقيم أسسها على أسس الكراهية العنصرية للطائفة أو القومية هي دول ضعيفة لا تدوم مؤسساتها طويلاً ولا يحالفها أِلا حظ الصراع الأبدي. وفي الدين والسياسة ننظر الى من يحمل السلاح لا من يُصنّعه وننظر الى من يدعو لأستخدامه والغاية من أستخدامه، لتمكيننا النظر الى حقيقة رجل الدين ورجل السياسة وما في جعبتيهما من أفكار وعقائد مطمئنة للناس ولأستقرار أحوالهم الأجتماعية والنفسية والصحية.&

هذا ماحصل عند أقامة اسرائيل التي أبعد زعمائها بدهاء وحكمة عدم الوفاق بين يهود السفردم ويهود ألاشكنازي والفلاشا من يهود أفريقيا.&

هذا مالم يحصل في العراق وأدى الى حالة من الندم والأسى والضياع، ورمي أهله بالأرادة الوطنية على عاتق الأرادة الدولية التي سدت أذانها وعيونها لأسباب وجيهة ( من أبسطها ) الفهم الدولي المرئي أن العراق في مرحلة الذهول والتشرد الفكري للشد والجذب، وأنشغال الحكومات الأجنبية بأمور مواطنيهم وحاجاتهم الأساسية وأستقرارهم النفسي بعد الأنفجار السكاني والنزوح العام من القارات الأفريقية والأسيوية وأمريكا اللاتينية الى القارات الشمالية.&

حيث لاينفع الندم هو ماكتبه لي أحد أبناء الخير والكرامة من أرض لبنان ( أن سنة الحياة هي العقل العلمي الذي يحاول الانسان من خلاله فهم الوجود ( الله - الكون - الانسان ). ولكن للاسف هذا العقل متخلف عند العرب ويمر بمرحلة الشد والجذب وتسخير الدين لأهواء ورغبات، لذا نشاهد ونعيش هذا التدهور وهذا الانحطاط على مستوى التقدم.علماً بان الفقه والعبادات والمواعظ لم تتوقف بل زادت ونمت الزوايا في المساجد وحلقات الذكر ومجالس الصلاة على النبي (ص) والادعية والفتاوى ومن يتفق معها أو يناقضها على اليوتوب والفيس بوك والقنوات المتلفزة وخاصة الادعية المسجوعة".&

وبمراقبة الأوضاع عن قرب يتبين أن حرب داعش الطائفية "مقدسة" حسب وصف أبو بكر البغدادي وابو بكر الخاتوني، وجاءت لتثبيت كلمة الأسلام ورسالة الرسول محمد (ص) على الأرض، والخلافة وحكم الرعية هي من نِعم الله عند العرب والأسلام، حتى لو تسببت في عوائل مُهجّرة والأستخواذ على ممتلكاتها بأمر من الله، والديمقراطية والمساواة كفر وألحاد وردة عن الأسلام.. وكما أرادها لأتباعه الذين لم ترعاهم أمهات ولم يعتنِ بهم أباء أو ليس لهم آباء وأنتهى بهم الحال للأنضمام الى حركات متطرفة تحترف القتل وتقطع الطرقات وتنهب المدن وتسرق الأموال وتضع يدها على ممتلكات السكان، بيوتهم ومساجدهم وأديرتهم وكنائسهم. أنها الرعاية الألهية التي أجبرت دولاً أن تمدهم بالمال والسلاح للأستمرار في أشعال "الحرب الجهاديةالمقدسة" وألحاق الدمار والتخريب بمنشئات من يعترضهم.&

هذا ماحصل في سوريا ومصر وليبيا والصومال واليمن ودول آخرى حينما أنتقل الوباء الجهادي المقدس ومجاهديه من أفغانستان والشيشان أليها ولم ينفع الندم السياسي أو الديني بشكله المشوه الحالي.

ما أمر به ملك المغرب خطوة كبيرة وشجاعة تم تنفيذها دون ضجة أو صراخ للتقليل من دور التعليم الديني المتطرف ومناهج صراع المذاهب قبل أنتقال وباءه وأمراضها الأجتماعية للجهاد المقدس الى المملكة المغربية وأهلها. والندم الذي لاينفع بعد حلول الضرر هو ماحل بالعراق وأهله حيث كان أصطفاف الأهالي والجيش الوطني ووحداته وصنوف المسلحة بعد عام 2003 الى جانب مذاهبهم الدينية بتوجيه من قادة الوجوه السياسية الحالية.&

فلم يبقَ وجه سياسي أو ديني، من شيعي الى سني الى كردي من الوجوه السياسية العراقية وعشقها لتصوير الفضائيات المتلفزة لهم والوقوف أمام الميكروفونات أِلا وأكدت على ندمها على مايجري من رعب في الأرض الطاهرة وأكدت حبها للعراق وكرامة أهله وأبدت ندمها على مايحري في أرضه من أراقة للدماء، ولكنها فعلت القليل بظهورها الأعلامي وفراغ القرار الملزم، كالقرار الذي أتخذه دون تلكؤ ملك المغرب مؤخراً. أستمع الناس الى هذا النهج اليومي المتلفز، وقدمه لهم (بالاضافة الى ظهورهم الشخصي على المحطات التلفزيونية) مستشاريهم وطلاقة ألسنتهم وحسن ملبسهم و متحدثيهم وصدور بياناتهم من مكاتبهم الأعلانية التي وقفت دوماً تدلل في مئات ومئات من التصريحات على صواب نهج القائد والكتلة ونوابها البرلمانيين، وتكرر على الأسماع ولمئات المرات أن كتلة القائد الشيعي السني الكردي تدرك وتتفهم التحديات الصعبة التي تواجه العراق ومنزلق الفكر المذهبي المدمر الذي مازال على أشده، وتُبرز تفهمها علناً عن طريق البيانات التلفزيونية الفضائية والوثائق المصورة للأعلاء من شأن قادتها والتشهير والأنتقاص بالأعداء ومن يشكك بوحدة العراق وتأخي طوائفه وقومياته.&

للمتابعين للحقائق في الحقل السياسي وعلاقة الأطراء ودبلوماسية التعاون بين العراق والولايات المتحدة التي يراها عامة الناس، هي في واقعها تقوم على المصلحة كحقيقة. والتصريحات والبيانات التي تتلى عبثاً، لايفهمها الناس بنفس المستوى والدرجة والمعرفة والأختصاص، بل أن البعض يحللونها ومصدرها حسب طاقاتهم الأيمانية وتوجهاتهم وثقافاتهم وعقائدهم الفكرية وبيئتهم المجتمعية. فالولايات المتحدة التي دخلت العراق بكل قوتها وجبروتها نفضت يدها مرتين من عراق مابعد2003 للخديعة التي أوقعها فيها معارضو صدام قبل وبعد أتفاقية التحالف الأمني والعسكري، وتقلبات أقوالهم وما أنطوت عليه تصرفاتهم وغموض توجهاتهم وتعارض مصالحهم الخاصة والعامة وضعف ظاهر للأرادة أبدوه للأدارة الأمريكية قولاً وفعلاً ( بأننا وطن بلا أرادة وطنية نابعة من الداخل.يتاجر معظم شيوخه وأئئمته وسياسيه بأنجازات وطنية غير بلا تشريع نيابي، ووطن بغطاء إسلامي إقليمي للدول المحيطة ).&

&مجاملة الأدارة العراقية للأدارة الأمريكية شوهتها الروح العدائية التي بدأها جيش المهدي، بمهاجمة القوافل العسكرية الأمريكية وبياناتها الصريحة بذلك، وتلاها وصول قادة العراقية ومتحدون للأصلاح وسوء الظن ورفضها لعمليات الجيش بأتهام المالكي تعريضه أهل السنة لعمليات أرهاب، وجعلت أدارة بوش وأوباما من بعده تتأفف وتتردد من تأكيد صور الصداقة والتعاون والتحالف. لاحظ الأمريكيون في تقييمات تفاوضية مع نظراءهم العراقيين، تدهور الفطنة والخبرة والأتكالية وصياغة مقدمات أِعلامية من الجانب العراقي، تعقبها تصريحات مضرة خاطئة بعد فض كل أجتماع تمهيدي أولي لتقييم وجهات نظر الطرفين ودراسة أحتياجات وأمكانيات كل طرف. وكان أمر تعويضات العراق للكويت وأستمرارها أولى الملاحظات تبعها ماطرحته الحكومات العراقية المتعاقبة على جو بايدن من مقترحات فضفاضة بشأن الفدرالية والأقاليم والدولة الأتحادية.&

الأدارة الأمريكية بشكلها الحالي لاتستطيع تقديم الحلول للعراق أو أدارته. وبدون أنهاء المواجهة المفتعلة مع داعش وحسمها بقوة عراقية ودعوة عراقية مخلصة وأمينة لمن يقف على التل محايداً بأنتظار النتائج من أطراف الاستقطاب وتخيلاتهم عن دولة الخلافة، فلم يُكتب لأهل العراق أِلا المزيد من( حيث لاينفع الندم).

تمنع المؤسسة العراقية المعاقة من الداخل وسلوكها السياسي في تقدير الأمور وتهرّب المسؤولين عما ألحقوه بالعراق من أضرار ومازالت تلحق به مادياً وأقتصادياً وأجتماعياً ونفسياً، تمنع وتعرقل كل خير وتقدم وأرضاء لأهله، هو مايطغي على أفكار أهل العراق حيث أعاقتهم تصريحات الكتل السياسية فيه، أمكانية التمييز بين التصرف القانوني المتبع المطلوب والبكاء والتوسل الى الحكومات والهيئات والمنظمات الدولية للمساعدة.&

وعندما يتسائل الرجال والنساء والأطفال من علماء الدين في أديرتهم وكنائسهم وجوامعهم، لماذا سمح الله بالشرور ومن يخلُ بسلامة الأديان، تجد أجابات غيبية معقدة تدخل في حقل العاده والعبادة، الملائكة والشياطين، الدين والسياسة، وتزيد من التسائل وتضع المسؤولية الدنيوية على رؤوس الزعماء السياسيين ودورهم في زيادة الشرور والكوارث المذهبية والسماح لوصاية أتباعهم على الأمم وشعوبها ووضعها في دائرة صراع مستديم وندم تاريخي حيث لاينفع من بعده الندم.&

&

باحث وكاتب سياسي مستقل&