لم يمض الكثير على مقالنا السابق بعنوان "داعش..حصان طروادة " حتى جاء خطاب مسجل منسوب الى نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري ضمن هذا السياق ليفكك الكثير من العقد والغموض في الأحداث والتوجهات التي أربكت الكثير من المراقبين!
أشاد الدوري بخطابه بالمجاميع العسكرية المقاتلة ضد ما أسماه الاستعمار الإيراني الصفوي في العراق وعددها بالجيش العراقي الوطني وجيش الطريقة النقشبندية " التي ينتمي اليها خلاف انتمائه لحزب البعث " ومقاتلي الجيش الإسلامي وجيش المجاهدين ورجال كتائب ثورة العشرين ومقاتلي القيادة العليا للجهاد والتحرير وبعض مجاميع أنصار السنة مسترسلاً وعلى رأس هؤلاء مقاتلي الدولة الإسلامية "داعش سابقا " والقاعدة! مبتهجا بتحرير نينوى وصلاح الدين.
متجنباً ذكر دور حزب البعث من ضمن تلك المجاميع في القتال (متطرقاً فقط لحالة الاجتثاث والإبادة الجماعية التي تعرض لها الحزب على مدى أحد عشر عاماً وتقديمه أكثر من 160 الف شهيد حسب وصفه )، وربما كان ذلك من باب محاولة تقليص الفوارق العقدية والفكرية بين تلك المجاميع إعلامياً وما يحظى به الحزب وأفكاره من عدم قبول في المنطقة.( أغلب منسوبي الجيش العراقي السابق هم من البعثيين وأن تغير فكر البعض بعد سقوط بغداد سنة 2003 م ).
من أبجديات السياسة نهجها لمسار المصالح ولا تلتقي إلا معها دوماً مهما حاولت أن تتدثر بأغطية ليس بالضرورة ان تتصف بها حقيقة.
كيف يستقيم أن تجتمع قيم ومنهج تنظيم يوصف بالتطرف الديني كالقاعدة مع من سبق له تكفيره من ذات التنظيم كحزب البعث؟ اصطفاف المجاميع القتالية السابقة مع بعضها البعض رغم اختلاف مشاربها الجغرافية والعقدية الدينية ليس ألا مثال صارخ على قبول تصدر وحدة الهدف السياسي وشرعنته في محور مقابل المبادئ والمعتقدات الدينية كبراغماتيه مجتزئة يسهل إيجاد الأعذار لها لاحقاً!
في بيان سابق أشار المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية " داعش" أبو محمد العدناني (رداً على ايمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة ) الى أن الدوله " أي داعش" ليست فرعا تابعا للقاعدة ولم تكن يوما كذلك.
قد يكون محقا بذلك من ناحية التبعية الحقيقية كمنشأ وتخطيط ومن يقف وراءه في الظل! إلا ان ذلك لايعفي أن تنظيم الدولة الإسلامية استفاد من بعض رجالات القاعدة كـ أبو مصعب الزرقاوي أو خليفته ابو حمزة المهاجر (عبد المنعم البدوي ) في قيادة التنظيم في بادئ الأمر كغطاء ديني أفاد التنظيم حينها كثيرا من ناحية إعطاءه الدعم اللوجستي والواجهة المطلوبة التي يفتقدها والتوسع والقبول لما يحظى به تنظيم القاعدة من طابع جهادي عند مريديه!.
حينما حيا نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري (الذي وصفه مقدم الخطاب بقائد المجاهدين ) في خطابه المسجل الأخير مقاتلي تنظيم القاعدة على قتالهم في العراق جنباً الى جنب مع الفصائل الأخرى لتحرير المناطق العراقية من المد الإيراني الصفوي حسب قوله ( فاصلاً بينهم وبين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ) كمن أراد ألإبقاء على شعرة معاوية مع التنظيم في الخارج كي لا يتم خسارة الزخم والغطاء المستفاد من ذلك وتأثيره " الجهادي "على قضيتهم!.
جل القيادة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية " داعش" ( ما كان منها ظاهرا ومستتراً ) هم من العراقيين بداية من ابو عمر البغدادي قائد التنظيم حين كان يسمى بدولة العراق الإسلامية الى ابو بكر البغدادي " واجهة التنظيم الحالي " ومساعديه هم من كبار ضباط الجيش العراقي السابق الذين يتولون التخطيط والقيادة الحقيقية للتنظيم خلاف أفراد الجيش العراقي السابق والمتطوعين الجدد، وتسانده المجاميع الجهادية الصغيرة الأخرى من دول متعددة.
يلاحظ حرص التنظيم على أن لا تخرج المراكز القيادية على كافة اشكالها عن يد العراقيين وأن حدث فهي للواجهة الإعلامية لا أكثر ولإضفاء صورة الأممية عليه! بينما تترك الأمور الشرعية التي ليس لها علاقة بالفتيا المؤثرة على توجه التنظيم أو قراراته السياسية والعسكرية كالعبادات والتفقه بالدين والحث على الجهاد الى مجاميع من الأفراد " من دول أخرى " التي يعتقد أن يكونوا مؤثرين على أبناء بلدانهم لمحاولة كسبهم لصفوف التنظيم!.
انسجاما مع الطرح السابق بعد السيطرة على محافظتي نينوى وصلاح الدين مؤخرا أصدر مجلس ثوار العشائر قرار بتعيين ضابطين سابقين برتبة لواء بالجيش العراقي السابق " من قيادات الحكومة العراقية فترة حكم صدام حسين " هما أزهر العبيدي و احمد عبد الرشيد كمحافظين عليهما. وهنا أختفى دور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عن القرارات الرئيسية فجاءه رغم تصدرهم للقوات التي دخلت للسيطرة على تلك المحافظات؟!.
ما ميز خطاب الدوري الأخير انه نقل وشخص وتجاوز مشاكل العراق من الاستياء من سياسات الحكومة الحالية (برئاسة رئيس وزرائها المنتهية فترته نوري المالكي ) الى التوجه مباشرة لحدث أهم وهو الدور الاستعماري الإيراني الصفوي في العراق كما وصفه،وهذه النقلة تعطي بعداً سياسي مؤثراً إقليميا واستراتيجيا الى وضع العراق وشعبه ومستقبلة العربي.
وقفة:
تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لن يتم التفريط به بسهولة لا في العراق ولا بسوريا لأنه أصبح بمثابة بداية لتشكل الدولة العميقة لكيان سينشأ لاحقاً وربما تتعدد أدواره وصوره وصور قياداته حسب متطلبات " صانعة " للمرحلة القادمة في المنطقة!.
&
sabah_alturki@





التعليقات