كل عام تستعد القنوات الفضائية العربية لعرض المسلسلات التي تعرف بالرمضانية وهي مسلسلات لا علاقة لأحداثها بهذه المناسبة الدينية على الإطلاق.

أتذكر في الستينات وبداية السبعينات أن القنوات التلفزيونية التي كانت في الغالب مملوكة للدولة ولم تكن هناك قنوات خاصة بعد،تعرض أفلاما ومسلسلات دينية أو تاريخية تليق بقدسية الشهر وتتحدث عن وقائع وأحداث إسلامية تتخللها الأناشيد والتواشيح الدينية، وإحتراما للشهر الفضيل كانت الأفلام والمسلسلات حتى الإجتماعية منها ممنوعة من العرض طوال الشهر ومؤجلة لأيام العيد.وأبعد ما كان يمكن لقناة تلفزبونية أن تذهب إليها من عرض المواد المنوعة كانت برامج المسابقات فقط.

&وبعد منتصف السبعينات وطوال الثمانينات غزت المسلسلات شاشات التلفزيون،وظهرت الفوازير وعرضت أفلام،وفي عقد التسعينات أصبحت هناك مباريات بين القنوات الفضائية لعرض مسلسلات سميت بالرمضانية الى أن تسيدت هذه المسلسلات في العقد الماضي على جميع القنوات الفضائية التي زادت بدورها وأصبحت معظمها قنوات خاصة مملوكة لأشخاص.

الى هنا الأمر طبيعي في تطور الانتاج الدرامي وكذلك تسابق القنوات للحصول على حقوق العرض الحصري والمشترك. لكن في السنوات الأخيرة إستغلت الشركات الإعلانية الموسم الرمضاني ومسلسلاته لبث إعلاناتها وهذا أيضا أمر طبيعي لأن مسلسلات رمضان تستقطب عادة مشاهدين أكثر من باقي شهور السنة، لكن ما يحصل منذ عدة سنوات يفوق قدرة تحمل المشاهد. فالعروض الإعلانية بين الفواصل أصبحت من الكثرة بحيث باتت مزعجة بشكل كبير. فخلال ساعة مخصصة لعرض مسلسل لايرى المشاهد سوى بضعة دقائق من أحداث المسلسل والكثرة الكاثرة تذهب الى بث الإعلانات.

يوم أمس حسبت بين فاصل إعلاني واحد من مسلسل (سرايا عابدين) عرض أكثر من ثلاثين إعلان إستغرق ربع ساعة، وعندما حان موعد عرض المسلسل لم يعرض من أحداثه سوى دقيقتين. وهذا ينطبق على معظم المسلسلات الأخرى مثل(صاحب السعادة) و(فيفا أطاطا) وهي مسلسلات تستقطب مشاهدين كثر.

خلال ساعة كاملة من مساحة بث المسلسل هناك عادة أربعة فواصل كل فاصل اعلاني يستغرق بحدود عشرة دقائق وأحيانا أكثر،وهذا يعني بأن من ساعة البث تذهب 40 دقيقة لعرض الإعلانات، وإذا حسبنا فترة عرض تايتلات المسلسل والتي قد تستغرق بحدود خمس دقائق فإن المشاهد لا يرى سوى بحدود ربع ساعة من أحداث المسلسل، وهذا برأيي إستخفاف بالمشاهد وحرق أعصابه وتعذيبه.

نحن نعلم أن إنتاج المسلسلات تكلف أموالا طائلة و تشتريها القنوات الفضائية بأموال طائلة أيضا وتستعيدها من الشركات الإعلانية وهذا من حق القنوات التي إيراداتها تعتمد على الإعلان والدعاية،لكن المشكلة في غباء تلك الشركات، والأغبى منها هم أصحاب السلع أو المعنيون بالإعلان والدعاية، لأنهم يدفعون أموالا قد تصل في بعض الأحيان الى ملايين الجنيهات أو الدولارات في عرض إعلانات لا يشاهدها أحد. فأنا وأعتقد بأن الملايين من أمثالي إعتادوا مع الدخول بأي فاصل إعلاني بأي مسلسل أو برنامج أن يغيروا القناة ويذهبوا ليتجولوا ببقية القنوات للمدة التي تستغرقها الإعلانات ويعودون الى القناة التي تعرض المسلسل بعد نهاية الفاصل، وبذلك فإن الملايين التي تدفعها الشركات والمروجون لمنتجاتهم تذهب سدى.

ومن جهة أخرى ستجد من بين الإعلانات المعروضة لسلع أو منتجات ما يثير العجب العجاب، ليست هناك سلعة مهما كانت تافهة إلا ولها إعلان في القنوات الفضائية، هناك قنوات تعرض الإعلانات عن كل شيء إبتداءا من ملوخية أم حسن الى المنشطات الجنسية التي يفترض أن تباع أو توزع من الصيدليات وتوصف حسب توصيات الطبيب المختص. حتى المطرقة ومفك البراغي اصبحت لها إعلانات في القنوات الفضائية.

الأغرب من ذلك صادف أنني وجدت في قناة فضائية إعلان عن شامبو يعالج تساقط الشعر وقد دبلج العبقري الذي أخرج الإعلان التلفزيوني صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد وهو يرتل بسورتي الحشر والتكوير؟!. ولا أدري ما علاقة تساقط الشعر بيوم الحشر وبالموؤدة التي قتلت؟!.هل إكتشف هذا المخرج العبقري بأن هناك من قتل بصيلات شعر رأس المستهلك من دون أي ذنب حتى يدبلج إعلانه بسورة الحشر.

أضف الى كل ذلك وجود إعلانات على القنوات التي تدخل اليوم الى كل بيوتات الأمة وهي عن مواد جنسية يخجل الزوج أن يتحدث بها أمام زوجته على الفراش، لكنها تعرض على الأطفال والمراهقين.

ما تفعله القنوات الفضائية تعتبر جريمة بحق المجتمع والمشاهد وإحتقار له بكل صفاقة ووقاحة، ولا ادري هل هناك تشريع يحمي المشاهد من هذه الجريمة التي تتكرر يوميا وبشكل مزعج في كل لحظة وساعة.

قبل سنوات كانت هناك بعض القنوات التي تعرض إعلاناتها قبل بدء أحداث المسلسل وفي نهاية الحلقة،وكان هذا أمرا مقبولا الى حد ما، ومن الممكن العودة الى هذه الصيغة بعرض الإعلانات. أو على الأقل إختصار مدة الإعلان وإعادة توزيعها بشكل لا يتكرر الإعلان بفاصل واحد، وتقليل الفواصل الى فاصلين لمدة خمس دقائق فقط لكي يرتاح المشاهد من دوخة الرأس وإرتفاع الضغط أثناء متابعته لمسلسلات شهر رمضان الذي يصوم فيه الإنسان طوال يوم حار ولاهب ليفطر ويأخذ له إستراحة بمتابعة المسلسلات لا أن يعاقب يوميا وبكل ساعة بعذابات تفوق تحمل الإنسان.

أيتها القنوات الفضائية إرحموا عزيز قوم ذل مع إعلاناتكم.

&

&