يكتوي العراقيون اليوم بناري جماعتين طائفيتين متعصبتين، ممسوستين، واحدة باسم السنة، تدعي أنها تجاهد من أجلهم، فترتكب شتى الجرائم المروعة والمشينة، والسنة الشرفاء منها براء. وأخرى باسم الشيعة، مدعية أنها تتمسك بالسلطة من أجلهم فترتكب لذلك شتى الفظائع المخزية، والشيعة الشرفاء منها براء، والجماعتان تطلقان صيحة الإسلام السياسي،وتتقنعان بأسماء مختلفة، يمكن اختصارها كلها اليوم بداعش بعد أن أضحى الاسم مصطلحا للإرهاب الديني المنفلت أكثر منه تسمية لعصابة واحدة شريرة مارقة! الجماعتان كمحصلة عامة تعتمدان العنف والإرهاب وسيلة لأهدافهما المتخلفة، وإذا ترك الميدان لهما وحدهما فستضعان السنة والشيعة،في العراق،مع السكان الآخرين، والبلاد كلها في محرقة واحدة!

قال بن لادن وهو يؤسس القاعدة التي خرجت داعش من أحشائها سفاحا، إنه يريد بها إعلاء كلمة الله، ويغزو بها فسطاط الكفار ليدخل أهلها في الإسلام، ولكنه بغزوته أمريكا في 11 سبتمبر، حفر قبر المسلمين،وجعلهم يهربون إلى فسطاط الكفار لاجئين أو مستجيرين! وقال محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية، ومعلم بن لادن "إن الفكر والكفر شيء واحد،فهما مكونان من نفس الحروف"!

ومثل الخميني بخطبه وتوجهاته وسياساته التطرف الشيعي ومشروع التوسع الفارسي على حساب العرب، وعالم المسلمين السنة عبر تهديدات ابتزازية فارغة للغرب وإسرائيل، جاعلا من الشيعة العرب خاصة،ومذهبهم وقودا لغزواته التي كان ظاهرها الإسلام والتشيع، وباطنها مصالح إيران المادية والجغرافية وقد وجد الكثير من الشيعة المخدوعين بهالته المذهبية يلتفون حول صورته بل ويقدسونه!

كون الخميني منذ بداية استلامه السلطة تيار إرهابيا صارخا كانت أولى حلقاته احتجاز كل أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، مع حملة إرهاب فكري بدأها بإطلاق أشباح القتلة خلف الروائي الإنجليزي من أصل هندي سلمان رشدي وجعله يختفي لسنوات طويلة خائفا لمجرد إنه كتب رواية صريحة مكشوفة تقارب موضوعة في الدين الإسلامي، بينما القرآن نفسه فيه عشرات القصص الصريحة والمكشوفة عن الأديان الأخرى! رافقتها اغتيالات للخصوم والمخالفين هم القادة الحقيقيون للثورة الإيرانية ضد الشاه محمد رضا بهلوي لكن الخميني نجى من الملاحقة القانونية والجنائية التي تعرض لها بن لادن لتحصنه بإمكانات الدولة الغنية بالبترول، كما إن أمريكا وإسرائيل والغرب وجدوا أن من الممكن لهم استعماله كسيف ضخم يشقون به صف المسلمين عموما،ويحاصرون به خصومهم من قادة&السنة، أكثرية المسلمين، خاصة إذا حققوا إدارة ذكية للاستنزاف الطائفي في الشرق الأوسط!

لا يخفى على المراقب الموضوعي أن هذا الهوس الإسلامي السياسي المتطرف الذي آذى العالم كله كثيرا، وما يزال يشغله، هو في جانب كبير منه الصراع المشوه بين الجوع والتخمة، بين الفقراء المدقعين وفاحشي الثراء، وفي وجهه الفكري أزمة الدين نفسه وقد تحجر وعجز عن التفكير وأرجع على أيدي مستثمريه إلى أصوله وماضيه، ولم يكيف ليلحق بالمستقبل! فعجز عن الإجابة على أسئلة العصر الكبرى في ظل تفجر الاكتشافات العلمية الباهرة، وصعود البناء الحضاري الكوني إلى ذرى هائلة في أجواء العلمانية والدولة المدنية!

كما هو يعبر أيضا عن الأزمة الأخلاقية لدى الغرب وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية وإسرائيل في التعامل مع حقوق الناس الذين يضمهم العالم الإسلامي خاصة في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم العادلة المعلقة لقرن من الزمان،. والتدخلات المجحفة في شئون الشعوب وحمايتها للحكام المستبدين، واللعب على الوتر الطائفي داخل المجتمع الإسلامي،أو بينه وبين مجتمعات الأديان الأخرى. من أجل مصالحهم الخاصة.لكن كل هذا يظل وبحكم المسؤولية بمعناها الحقيقي أزمة المسلمين أنفسهم الذين لم يتداركوا تقصيرهم وكسلهم، وألقوا كل تبعات تخلفهم على العدو الخارجي، ولم يبحثوا عن طريق صحيح لحل مشاكلهم الكبرى وتقدمهم، وناموا في دور العبادة، وأحزابها الدينية، ثم استيقظوا على صيحات أبواق القاعدة وداعش وحزب الله وعصائب أهل الحق،وغيرهم من المنظمات الإرهابية الكثيرة لطوائفهم المتناحرة تدعوهم إلى الجهاد من اجل قصور وحوريات في الجنة، لا من أجل مساكن حقيقية بسيطة، ونساء حقيقيات طيبات في الدنيا! أي ان كل هذا الصخب الديني الدموي هو في حقيقته حشرجة احتضار،لا طلق ولادة! لكن من المؤسف أن تكاليف هذه الاحتضار ستكون باهظة بقدر ما سيطول، بل وستعيق ولادة جديدة للعرب والمسلمين مهما أطل ربيع، أو توارى خريف!

ومع ذلك ما زال الدين في شتى المجتمعات وكما كان منذ آلاف السنين عكازة الخاوين من أية طاقة فكرية رصينة، بناءة حقا، لكنهم بنفس الوقت ممتلئون بأحلام السلطة والثروة، يستثمرونه بكل قوة، ليلموا الناس حولهم كما تلم المغناطيس برادة الحديد!

فسلطتهم السريعة التكوين لا تحتاج لوعي، على العكس إنها بحاجة إلى عدم الوعي، فهو تربتها الخصبة الواسعة سعة البشر المغيبين بالجهل. وقد أثبتت التجربة التاريخية إنه يزداد شراسة وفتكا إذا تقوقع في حلزون الطائفة، حيث يتحول إلى هوية قسرية، وانتماءا قبليا متماسكا يستمد قوته من عداءه للطائفة الأخرى، ومن خزين الكراهية المتبادلة والمتراكمة على مر الزمن!

من المعروف أن القاعدة قد انبثقت من تزاوج فكر الأخوان المسلمين بالفكر الوهابي بعد هجرة الكثير من قادة وكوادر الأخوان المسلمين إلى السعودية ودول الخليج عندما طردهم عبد الناصر من مصر أثر محاولتهم اغتياله! وإن القاعدة العسكرية التي كان يقودها بن لادن في افغانستان ويفد إليها المتطوعون لمحاربة الشيوعيين وحلفائهم السوفيت صارت اسم التنظيم، والبوتقة التي تحول فيها الدين والآيات القرآنية إلى قنابل ومتفجرات وطائرات يغير اتجاه رحلاتها إلى الجحيم!

ومن المعروف أيضا إن حزب الدعوة هو النسخة الشيعية من حركة الأخوان المسلمين السنية. وقد تحول تفكيره بشكل نوعي بتزاوجه بالفكر الخميني عند لجوء قادته إلى إيران هربا من ملاحقة صدام حسين لهم، فاعتنقوا فكرة السلطة وبشكلها الثوري العنيف،وولاية الفقيه، بعد أن كانت محرمة في الفقه الشيعي ومؤجلة حتى ظهور المهدي المنتظر؛. وبذلك أضحى الحزب مع انقساماته الأميبية أشد ارتباطا بإيران وأيدلوجيتها وسياساتها ومصالحها القومية، بل ومضحيا من اجلها بمصالح العراق والعراقيين، حتى الشيعة الفقراء منهم!

كما ارتبطت الحركتان الإسلاميتان بجناحيها في البرقعين السني والشيعي من جهة أخرى بالدوائر الأمريكية والغربية واللذين كان همهم بالدرجة الأولى محاربة الشيوعية والفكر الديمقراطي الحر والتنويري معا، إذ كانت الرؤية الأمريكية والصهيونية وما تزال إبقاء الشعوب متخلفة ليسهل السيطرة عليها والتوسع على حسابها ونهب ثرواتها وانفتاحها أسواقا واسعة لمنتجاتهم. وقد تصدت هاتان الحركتان الرئيسيتان في الجانب السني والشيعي مع من انضوى تحت أجنحتها أو تحالف معهما على نفس الأفكار والمفاهيم والأهداف في التصدي للفكر الشيوعي ثم بعد انحساره تصاعد أكثر في عدائه لأفكار الأحرار ودعاة التنوير والتغيير، وكره الديمقراطية من أعماقهم مع التغني بها طالما أنه ستوصلهم إلى السلطة، ثم غلقها بوجه غيرهم!

&

يتبع..

[email protected]

&