من الواضح ان ثمة تحولات ملحوظة قد طرات مؤخرا على طبيعة السياسة الخارجية الامريكية تجاه المشرق العربي بعد تجاهل مقصود على الارجح دام ثلاث سنوات ازاء المحنة السورية المستمرة ودام اكثر من ذلك بسنوات اطول على العبث الايراني في السياسة العراقية ومصادرتها للارادة الشعبية في البلدين على وجه الخصوص وفي بلدان عربية اخرى في سبيل توسيع نفوذها في المنطقة وفرض نفسها كقوة اقليمية معترف بها نظرا لما تمتلكه من اوراق عديدة على هذا الصعيد تؤهلها للجلوس والمشاركة الاقليمية والدولية في رسم الخارطة المستقبلية لتوزيع مناطق السيطرة والنفوذ فيما بينها في ظل غياب عربي عاجز ومفكك ولا يمكن وصفه في هذه المرحلة الا بالمتفرج السلبي الذي لا حول له سوى تلقي المحن والكوارث المتتالية.

ويبدو ان ذلك التجاهل الامريكي خلال السنوات القليلة الماضية كان يستجيب للطموحات الايرانية لاستعادة لعب دورها القديم كدركي الخليج وشرطي المنطقة عموما نتيجة حسابات امريكية مركبة ومعقدة تعكسها تضارب مصادر القرار في الادارة ذاتها وقد يكون من بينها الاعباء السياسية الكثيرة والتكاليف العسكرية الباهضة التي تتطلبها لعب مثل هذا الدورالذي اضطلعت به وبتكاليفه وردود افعاله ايران الاسلامية ولكن ما حصل عمليا هو تفاقم الاوضاع اكثر من ذي قبل كما بات الفشل الذريع في الحفاظ على امن واستقرار المنطقة كما هو حاصل اليوم هو العنوان الرئيس للمرحلة الراهنة مما يدفع الادارة الامريكية الى اعادة جرد الحسابات والبحث عن حلفاء جدد وربما اضافيين لتامين مصالحها الحيوية التي لم تعد طهران وهلالها الشيعي المزعوم قادرة على ضمانها كما تصورت ادارة اوباما قبل سنوات.

فضلا عن ذلك هنالك شكوك متزايدة ومعلومات استخباراتية تتراكم لدى الادارة الامريكية حول الدور الايراني السوري في رعاية وتوجيه عصابات داعش وما تفضي اليه ممارساتها الوحشية من تدمير وتشويش وبلبلة وخلط للاوراق الهدف الاساسي منها هو اسناد حلفاء طهران في دمشق وبغداد واظهار هذا الحلف الثلاثي امام العالم كضحية للارهاب الذي هم صانعوه ومهندسوه&الاساسيون وبالتالي ينبغي على الغرب اسنادهم وتجديد عقود الوكالة لهم لمواجهة هذا الخطر الذي يداهم الجميع.

هناك اكثر من لاعب بالورقة نفسها واللعب بالنار ليست له قواعد معروفة ومضمونة النتائج غير ان ما توحي به الامور لحد الان على الاقل هو استمرار هذه اللعبة الجهنمية على المدى المنظور طالما انها تؤدي دورها كما ينبغي في المزيد من التدمير الذاتي لدول ومجتمعات المشرق العربي وطالما ان حممها لم تصل بعد الى العواصم التي اشعلتها.

ولكن السؤال الابرز على ضوء هذه المتغيرات على صعيد السياسة الخارجية الامريكية هو هل ستسعى الولايات المتحدة الى تعديل نسبي في سياستها وادخال عناصر بديلة وفاعلة اقليميا واستبعاد اخرى من دائرة اللعبة ام انها سوف تسعى الى اشراك كل الاطراف في حرب استنزاف تطول او تقصر حسب تقديراتها للحصيلة النهائية التي لا تعني سوى انهاك الجميع.

وهل ستنطلي اللعبة على ايران التي اثبتت لحد الان قدرة على التلاعب والمناورة وسوف تقع اخيرا في الفخ المرسوم لها بحيث لا يمكن لها لا الانسحاب ولا الاستمرار ولن يكون امامها سوى المضي قدما في طموحاتها الحافرة حتما لقبرها.

&

الاشهر المقبلة وحدها هي الكفيلة بالاجابة الدقيقة عن هذه الاسئلة.

&

عبد الرحمن دارا سليمان

&

[email protected]