كثرت في الآونة الأخيرة أحاديث المقارنة بين اسرائيل و كردستان وعلى وجه الخصوص بعد سقوط الموصل في قبضة تنظيم الدولة الاسلامية الإرهابي وقيام الأكراد بإرسال قوات البيشمركة للسيطرة على مدينة كركوك والتي كانت من المناطق المتنازعة عليها مع حكومة المركز ومن ثم ما أعقب ذلك من تصريحات رئيس الاقليم مسعود البارزاني حول طموحه في الانفصال عن حكومة المالكي الهشة و النية في إجراء استفتاء شعبي حول ذلك وبالتالي إعلان كردستان دولة مستقلة.

ظاهريا عملت الأحداث المذكورة على تفتح قريحة بعض المثقفين القوميين العرب حيث وصم الأكراد بالانتهازية والانفصالية وكأن ما هو حق طبيعي للعرب يعدّ جريمة سرقة موصوفة للكرد وما يحلمون به هو عملية سلب لحقوق الغير ومحاولة لتفتيت عراق متناغم منسجم. ما يؤسف له هو أن البعض من هؤلاء محسوب على المعارضة السورية التي توسّم السوريون يوما فيها الخير والأمل في التخلص من نظام الحكم الشمولي والانتقال بالبلاد الى التعددية السياسية التي تضمن حقوق الجميع .

بعض الأكراد أيضا صفقوا لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين المؤيدة لاستقلال كردستان مثلهم في ذلك كمثل بعض الفلسطينيين الذين مجّدوا ولا يزالون طاغية مثل صدام حسين متناسين وحشيته في التعامل مع ليس فقط الكرد بل مع عامة العراقيين واستعداده لإبادة نصف شعبه في سبيل كسر إرادة النصف الآخر وحرمانه من أبسط حقوق المواطنة . إسرائيل بدورها لا تتوانى لحظة عن قتل الأطفال،النساء،المدنيين العزل وما يحدث هذه الأيام في غزّة ليس إلا إثبات على أنّها لم ولن تغير من سياستها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني قيد أنملة. حري بإسرائيل التوقف عن سفك دماء الأبرياء قبل التحدث عن الحريات للآخرين. جدير بالذكر بأن الموقف الإسرائيلي ليس دافعه محبة الكرد كما قد يتوهم البعض بل هو لإبراز أهميتها على الساحة الإقليمية خاصة بعد أن وهنت علاقاتها المتينة التي كانت تشمل بشكل كبير التعاون الأمني والعسكرية مع تركية منذ قدوم حزب العدالة والتنمية والذي يجد أن مصلحة بلاده تكمن في التقرب من العالمين العربي والإسلامي وليس إسرائيل.

الحرمان، الإضطهاد، التشريد،التعذيب، القتل، وبالتالي مسيرة النضال الشاقة والطويلة لنيل الحرية واسترداد الحقوق تجعل أوجه الشبه الحقيقية هي بين الشعبين الكردي والفلسطيني ليس العكس ويدل دلالة قاطعة على ضحالة تفكير من يشبه كردستان بإسرائيل مهما علت درجاتهم العلمية.

شتان ما بين كردستان الذي عاش شعبها على ترابها منذ أزل التاريخ حتى يومنا هذا على الرغم من المجازر المتكررة ومحاولات طمس الهوية القومية من خلال التعريب والتتريك ومختلف أنواع التهميش التي تعرضوا لها على أيدي الأنظمة الغاصبة مقارنة مع دولة إسرائيل التي هاجر إليها اليهود من شتى أصقاع الأرض بناء على ذرائع لو اعتمد شرعيتها لاضطر سكان الأرض إلى تغيير خريطة العالم.

إسرائيل دولة غاصبة ونظامها الديمقراطي المزعوم لا ينطبق إلا على رعاياها اليهود وحصرا من يحمل الفكر الاستيطاني التوسعي، من هذا المنطلق فان تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي وغيره من المسئولين بدعمهم قيام دولة كردية تأتي ضارة لا نافعة.

الكرد ليسوا بحاجة إلى إسرائيل ولا إلى غيرها لإثبات عدالة قضيتهم وحقهم المشروع في بناء دولتهم المستقلة بقدر ما هم بحاجة إلى توحيد خطابهم السياسي.

أخيرا لابد من الإشارة بأن الغاية مما آنف ذكره ليس دعوة لعداء كردي مفتوح مع إسرائيل فالعديد من الدول العربية في وئام وسلام مع الدولة العبرية بل هو تذكير بحقائق قد يغفل عنها البعض في زحمة الأحداث التي تعصف بالمنطقة.

&

ستوكهولم

[email protected]

&