بعد أن سرحت أمريكا بن لادن ولم تكافئه بما كان يحلم به من سلطة أو حكم إمبراطوري لقاء مساهمته الفعالة معها في إجهاض الثورة الشيوعية في افغانستان؛ مضى يحضر نفسه لنشاط إرهابي على مستوى العالم، فعض يد أمريكا التي صنعته بغزوته المعروفة في نيويورك وواشنطن، وأرسل أتباعه يقومون بأفظع الأعمال الإرهابية التي ما تزال تروع العالم، وتفقده أرواح الكثيرين من الناس وممتلكاتهم. ويدفع ثمنها حتى المسافرون المتعبون في المطارات! وقام أنصاره ومريدوه والمتأثرون بنهجه باغتيال مفكرين معروفين في مصر (نجيب محفوظ، لم ينج من أحد سكاكينهم)

بينما مضى حزب الدعوة ينشر أيدلوجيته وفق نهج الخميني في تصدير الثورة الإيرانية، وقد اتسع نطاق وجودها وتفرعاتها وعبر حدود دول كثيرة ساعيا وبالعنف والنشاط الإرهابي؛ إلى إحداث تغييرات بنيوية في تركيبة السلطة حيث ما وجدت أكثرية أو أقلية شيعية!

فقام بعض من أتباعه أو مريدوه بتفجير السفارة العراقية في بيروت، واغتالوا حسين مروة ومهدي عامل وهما مفكران كبيران من أصول شيعية، وتأسيس حزب الله نسخة لبنانية من حزب الدعوة، هدفه جعل لبنان قاعدة لإيران لتمد نفوذها إلى أوربا ومصر وبقية شمال أفريقيا!

فانبرى يزايد على اللبنانيين في الوطنية؛ خاطفا الدولة منتزعا قرارها وزجها في حروب طاحنة خاسرة مع إسرائيل، ثم اغتال العشرات من كبار قادة لبنان ومثقفيه المعروفين مرسلا رجاله بالعديد من المهمات الإرهابية في شتى أنحاء العالم! ثم زج أخيرا ميليشياته لقمع الثورة السورية، مقدما بذلك مثلا لا يقل خطورة عن القاعدة وداعش في اقتران الدين بالسياسة والسلاح والمال حتى أدرج ضمن المنظمات الإرهابية الدولية، وما زال مطلوبا من المحكمة الدولية في جريمة قتل رفيق الحريري!

وفي العراق، مضى الدعوتيون يعملون لجعل العراق المحطة الثانية لثورة الخميني، فنظموا الخلايا السرية المتخصصة بالاغتيالات السياسية،ونفذوا الكثير منها وكان اشهرها محاولة اغتيال طارق عزيز في الجامعة المستنصرية.

ولم يعد سرا أنهم كانوا وبالتنسيق مع المخابرات لإيرانية قد عملوا وبقوة على استدراج صدام للدخول في حرب مع إيران تكون نتيجتها هزيمته كما قدروا،

فيقيمون في العراق حكما دينيا طائفيا بحماية إيرانية يكون ركيزة كبرى لانتشار الثورة الخمينينة.في الشرق الأوسط والعالم.

يجمع كثير من المؤرخين أن حلم كل حكام طهران على مدى العصور هو مد حدود دولتهم إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وإلى البحر الأحمر بديلا عن شواطئهم الحالية الضيقة الضحلة، وإن استفرادهم بالعراق وعزله عن محيطه العربي،والمسلمين السنة سيمكنهم من قهر شعبه، والهيمنة على بلادهم، والالتفات غربا وشرقا لمزيد من الفتوحات واستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية!

وما استماتة حكام إيران اليوم على القنبلة الذرية إلا خطوة أساسية على هذا الطريق، وما هلع إسرائيل منها إلا واجهة لهلع أمريكا منها؛ لأنها ترى حدود هذه الإمبراطورية وكيف ستتقاطع مع إمبراطوريتها خاصة إذا تحالفت مع الصين وروسيا!

ليس كذبا ما ذكرته السلطات العراقية أواخر السبعينات آنذاك عن تجاوزات الجيش الإيراني على الحدود العراقية، والقصف اليومي للقرى المأهولة على الحدود، وقطع روافد الأنهار؛ فانجر صدام بفرديته وطيشه للاستفزاز؛ وشن الحرب على إيران بدلا من معالجة القضية سياسيا ودوليا!

لكنه ما لبث أن أحس بورطته وإنه قد وقع في الفخ! فأراد بعد أسبوعين تقريبا التراجع ووقف الحرب، وتوسط من أجل ذلك بالكثير من رؤساء العالم وبالأمم المتحدة وشتى الجهات التي أصدرت قرارات كثيرة تناشد بل وتتوسل وقف الحرب. لكن الخميني رفض كل القرارات الدولية والوساطات الإنسانية وأصر على مواصلتها لثماني سنوات تحت شعار "الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء"!

بذلك أصبحت الحرب مفروضة على العراق، واصبح خوض الجيش العراقي لها دفاعا مشروعا عن الوطن، وصار كل الجهد الشعبي المادي والمعنوي ( عدا ما يدخل منها في باب تأليه صدام وتبرير دكتاتوريته وجرائمه) مشروعا بل واجبا وطنيا لا مناص منه!

رفع حزب الدعوة السلاح في الجنوب،كما رفع قادة الأكراد بكافة فصائلهم السلاح في الشمال بوجه الجيش العراقي،وأوغلوا في طعنه من الظهر وهو يخوض حربا دفاعية ضد إيران، وقد انجر معهم في ذلك حتى الحزب الشيوعي بحكم وجوده تحت سطوة ونفوذ قادة الأكراد!

وقد تولى حزب الدعوة وأنصاره والمرتبطون بالمخابرات الإيرانية في بعض المراكز الدينية في داخل العراق تزويد المخابرات الإيرانية والجيش الإيراني

بالمعلومات الضرورية لقصف مرافق المدن والمنشآت الحساسة بالصواريخ والطائرات والتي ذهب ضحيتها الآلاف من العراقيين.

اضطر الخميني، لوقف الحرب بعد أن نفدت قوة إيران المادية والعسكرية، وعم التذمر بين الناس لما فقدوا من أبنائهم،.قائلا كلمته الشهيرة "لقد اضطررت لتجرع كأس السم" فالسلام في عرفه هو السم، بينما في القرآن الذي يدعي إنه كتابه وهديه(وإذا جنحوا للسلم فاجنح لها)! ولكن هذه هي أفكار ومواقف رجل الدين حين لا يكون الدين لديه نفحة روحية، بل سياسة وتهالكا على السلطة والهيمنة على مقدرات الشعوب الأخرى.

كان يوم وقف الحرب مأتما لدى أعضاء حزب الدعوة والمنظمات والأحزاب الطائفية العراقية المقيمة في إيران،استقبلوه بالبكاء واللطم، بينما استقبله العراقيون في بغداد والمدن الأخرى بالأهازيج والأفراح!

كان انتصار العراق،وهزيمة إيران في حساب حزب الدعوة وما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وغيرهما نكبة لهم، وانهيارا لمشروعهم السياسي في حكم العراق تحت المظلة الإيرانية!

نصر العراق التاريخي والحاسم على إيران، ترك جرحا غائرا في أعماق قادتها، لكن ما فشلوا في تحقيقه في تلك الحرب قدمته أمريكا لهم مجانا في نيسان من عام 2003، ولم يكن ذلك مستغربا لمن يعرف طريقة تفكير بوش المتسمة بالسطحية والتسرع والحقد. فهو بتقوية إيران ومنحها نفوذا كبيرا أراد أن يعاقب السعودية بطريقة غير مباشرة لكون قسم من الذين قاموا بتفجيرات 11 سبتمبر،يحملون جنسيتها، ويضعف المسلمين عموما بحرقهم بأتون الصراع الطائفي!

تولى من تسلم الحكم في العراق من الأحزاب الشيعية الطائفية متحالفين مع قادة الأكراد معاقبة الجيش العراقي، فقاموا بحله، وتشريد منتسبيه وحرمانهم من لقمة عيشهم! وبالسكوت عن المنظمات الإرهابية المرتبطة بإيران والتستر عليها ومساعدتها وهي تقوم باغتيال مئات الضباط والطيارين انتقاما منهم لأنهم أدوا واجبهم الوطني في الدفاع عن وطنهم ودحروا جيش الخميني!

لم يتردد عبد العزيز الحكم في دعوة الحكومة العراقية لدفع مئات مليارات الدولارات التي تطالب بها إيران عن تكاليف الحرب متجاهلا أن إيران مسؤولة عن ثماني سنوات منها كانت خلالها ترفض وقفها! والمنصفون يؤكدون أن الحرب بدأت باستفزاز وعدوان منها وإن صدام قد انجر إليها،وتلك مسؤولية أخرى لا تنفي مسؤولية إيران في كونها الدولة المعتدية الطامعة!ما يجعلها مدينة بتكاليف الحرب للعراق وليست دائنة، وإذا تسلمت الحكم في العراق حكومة وطنية مستقلة ذات

سيادة كاملة فعليها ملاحقة إيران في المحاكم الدولية في قضية هذا الدين،وستكسبه وفق بنود القانون الدولي!

وليس سرا أن الضباط والطيارين الذين نجوا من حملات التصفية لجئوا إلى حمل السلاح الآن في الأنبار والموصل وتكريت،وغيرها من المناطق،وهم كانوا قد استفزوا وعبئوا للثورة أو التمرد قبل ظهور داعش بسنوات بعد أن طاردتهم عصابات الموت، وبعد أن قطعت عنهم رواتبهم،وضاقت بهم وبعوائلهم سبل العيش، وجرحت كراماتهم!

من يدفع الرجال للثورة أو التمرد أو حتى الإرهاب غير إرهاب آخر تمارسه دولة وسلطة جائرة؟ بل إن قادتها لا يخجلون من وضع أنفسهم في خدمة دولة أخرى تكن حقدا تاريخا على بلدهم تحت مبرر اللحمة المذهبية!

حين يقول المالكي إنه شيعي أولا، ثم عراقي ثانيا فإنه يعني بذلك انتمائه لإيران قبل العراق، وهذا ما نفذه في مجمل سياساته التي قادت إلى الإرهاب المتقابل في خندقين طائفيين لا يقل أحدهما عن الآخر خطورة وبشاعة، والإرهاب يجلب الإرهاب، وداعش تلد الدواهي والدواعش!!
&

الجزء الأول

يتبع..