نحن اليوم وسط دوامة أحداث كبرى وخطيرة، تتوالى وتتزامن، وتجعل واحدنا حائرا لدى أي منها يتوقف أولا. ورغم أن كارثة إسقاط الطائرة الماليزية والتطورات في غزة& تشكل الحدثين الأبرز والأكثر استئثارا بالاهتمام الدولي، فثمة أحداث خطيرة أخرى في منطقتنا يجب التوقف عندها ومتابعتها، وتستوجب اهتمام الرأي العام الدولي بها. وهنا نتوقف لدى بعضها، تاركين للمقال التالي وقفة لدى تداعيات غزة في فرنسا- أي& مظاهرات جمهرة من المسلمين الهائجين والفوضويين الفرنسيين قامت بأعمال التخريب ومهاجمة معابد اليهود باسم& فلسطين .
في العراق، قامت عصابات داعش في الموصل بتهجير سكانها المسيحيين، الذين تركوا كل ما يملكون وهاجروا للالتجاء لإقليم كردستان، وهو نفس الإقليم الذي يتهمه المالكي بالتعاون مع داعش! وعجيب، كيف يلجأ ضحايا داعش إلى حلفاء داعش، ولكن عند المالكي كل شيء ممكن. وها هو يوجه نداء إلى العالم للمساعدة في حماية مسيحيي العراق. ونعرف جيدا أن الحملات الظالمة على مسيحيي العراق، وهم أهل البلاد القدامى، بدأت بعد سقوط النظام السابق، وافتتحتها المليشيات الشيعية في بغداد والبصرة بحجة ملاحقة أصحاب محلات الخمور وانضمت لها فيما بعد القاعدة. وخلال فترتي رئاسة المالكي نفسه لمجلس الوزراء عانى المسيحيون انواع الاضطهاد، وهاجر معظمهم، وجرى تفجير كنائسهم دون أن يتخذ المالكي إجراءات حقيقية وجادة لحمايتهم ودون تقديم أي متهم بالجرائم للمحاكمة. وكثيرون ممن لاحقوا ونهبوا المسيحيين هم اليوم ضمن مليشيات تأتمر بأوامر الحكومة. ومن أنباء العراق عودة مام جلال طالباني إلى مدينته ورفاقه، وهو خبر مفرح للغاية، ويثير الاطمئنان. وفي الوقت الذي بات فيه مكشوفا وجود خلافات داخل حزبه حول الترشيح لمن يخلفه، فإن المالكي يأبى إلا أن يتدخل في هذا الشأن بعدة طرق ما بين إعلان عن رفض هذا الترشيح الكردي لصالح ترشيح آخر، وبين دفع مرشحين عرب& من بين قائمته وغيرهم للترشح. المهم عنده رئيس يؤيد التجديد له.&
وفيما تتدخل إيران عسكريا في العراق وتقوم حكومة المالكي باتخاذ تدابير يبدو أنها مقدمة لحملات قتل جديدة للاجئين في معسكر ليبرتي، فإن موجة الإعدامات تتوالى في إيران، ويواصل الحوثيون تهديدهم لليمن بدعم إيراني، وتستمر إيران في قتل الشعب السوري وفي تعطيل الحياة السياسية الطبيعية في لبنان، بينما تواصل التعنت والمماطلة والمناو ة في المفاوضات النووية. ولكن برغم هذا كله، تفرج إدارة اوباما والاتحاد الأوروبي عن قسم من الأرصدة الإيرانية المجمدة ويوافقان على تمديد المفاوضات مع إيران. وهكذا تستمر إيران في تدمير المنطقة والتدخل التخريبي في شؤون دولها وتكافأ بإعطائها مدة جديدة للمناورة وكسب الوقت ، كما تكافأ بالإفراج عن أرصدة، بدلا من معاقبتها وفقا للقرارات الدولية المتخذة سابقا. إدارة أوباما مصرة إصرارا غريبا على ترضية إيران بأي ثمن كان. ورغم أن لهجة أوباما مع بوتين حول تفجير الطائرة الماليزية صارت حازمة، إلا أن المطلوب اتخاذ مواقف وإجراءات عملية صارمة لوقف التدخل الروسي وتمكين أوكرانيا من بسط سيطرتها على أراضيها ولإجبار ضباط وعسكر وعملاء بوتين في شرق أوكرانيا على وقف عراقيلهم المكشوفة& للتحقيق الدولي في حادث التفجير، وكشف عمليات إخفائهم لعدد من الأدلة التي تبرهن على تورطهم في التفجير- علما بأن ما يتوفر من أدلة، بما فيها مكالمات هاتفية، يكفي للجزم بتورطهم وروسيا في هذه الجريمة المروعة. وكانت أوكرانيا قد طلبت قبل شهور من واشنطن تعزيز قدراتها العسكرية، ولكن اوباما رفض مع أنه يمد المالكي بطائرات هجومية ويعقد صفقة أسلحة كبرى مع قطر، الذي يرعى حماس وأممية الإخوان!! والواقع، أننا لو حاولنا أن نجد علاقات من السببية ما بين مجمل هذه الأحداث، لبرز في المقدمة دور سياسات اوباما كعامل أساسي لتشجيع قوى وأنظمة العدوان والتطرف والانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان. بوتين يعربد برغم أن تفجير الطائرة وضعه جهارا في قفص الاتهام الدولي. فقد غنم شبه جزيرة القرم كأمر واقع سكتوا عنه ، وهو بواصل زعزعة سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا. والمرجح أن تمر كارثة الطائرة بلا عقاب مسببيها. مجلس الأمن شبه مجمد بسبب الفيتو الروسي- الصيني، والاتحاد الاوروبي منقسم حول التعامل مع روسيا، وأوباما، وكالعادة، ضائع ومتردد ومتناقض. وفي منطقتنا تستمر الكوارث والمآسي في سوريا والعراق واليمن وداخل إيران، التي تركوا لنظامها الدكتاتوري التوسعي المجال لأن يخرب ويدمر وينشر الطائفية بحرية وأن يواصل مسعاه نحو القنبلة وأن يفتك بشعبه وينفذ المجزرة تلو المجزرة للمعارضين، داخل إيران وفي العراق.
إن كل تسامح مع هذا النظام يعني أن المنطقة سائرة من محنة جديدة لأخرى، وإن كل تردد في التعامل الحازم مع بوتين يعني تزايد الأخطار على أوروبا والمنطقة وكل العالم.&

بعد& كتابة المقال، جاء في أخبار وكالة رويترز أن ضباطا مصريين في رئاسة الجمهورية قاموا بتفتيش دقيق لوزير الخارجية الأميركي ومعاونيه قبل مقابلة الرئيس المصري. حقا هو تصرف غريب جدا في الأعراف الدبلوماسية، سواء لوزير الدولة كبرى أو لدولة صغيرة.. إنه تصرف يسيء لسمعة مصر في وقت تتعرض قيه لمناورات ومحاولات حماس وقطر وتركيا لإحراجها ويواصل أردوغان الإدلاء بتصريحات عدوانية لمصر. إن كان هدف هذا التصرف الرد على إساءة إدارة اوباما لمصر بعد إزاحة الإخوان من السلطة، فهذا رد ينتج خلاف المبتغى، وعلما بأن واشنطن حاولت منذ ذلك الوقت تصحيحا مترددا لموقفها السلبي. إن رفض الدعوة الأميركية لمصر لحضور القمة الأفريقية في الولايات المتحدة، وبالأخص& هذا التعامل المقرف لوزير خارجية دولة كبرى لا يدلان على نضج دبلوماسي، بل على انفعالية لا تليق بدولة عربية كبرى كمصر.. وبانتظار& توضيحات مصرية رسمية...