لأول مرة في تاريخ الأمم والشعوب والدول المنحازة وغير المنحازة،الدول الإشتراكية والرأسمالية. في الأنظمة الشمولية والدكتاتورية أو في الدول الديمقراطية والبرلمانية، لم يحدث لا في القرن الأول الهجري ولا في القرن الواحد والعشرين الميلادي، أن فوض حزب أو جمعية أو حتى نقابة طرفا آخر ليرشح ممثله لمنصب ما.

ولكن ذلك حصل في العراق بلاد الواق الواق، وأقدم عليه حزب تظهر أدبياته ومنهاجه ونظامه الداخلي وتقريره السياسي وإعلامه المرئي والمسموع والمقروء أنه حزب ديمقراطي ليبرالي متمدن من عيار 24 قيراط.

فبعدما يقرب من سنتين من إصابة الرئيس العراقي جلال طالباني بالجلطة الدماغية ودخوله الغيبوبة لم يستطع حزبه أن يتفق على مرشح بديل لخلافته في أهم وأكبر منصب سيادي بالدولة وهو منصب رئيس الجمهورية.

في البداية كان إعلام الإتحاد الوطني يطبل ويزمر يوميا مدوخا رؤوسنا ورؤوس عباد الله الصالحين والطالحين بأنه مادام هناك نفس بالرئيس المريض فلا أحد يستطيع أن يملأ مكانه، رغم أن الدستور العراقي نص وبصريح العبارة أن الرئيس إذا حالت ظروفه الصحية من أداء مهامه الرسمية أو عجز عن أداء واجباته فلحزبه أو كتلته أن يرشح بديلا عنه يخلفه بالمنصب، لكن صراعات الحزب الداخلية وأطماع كل عضو فيه بالمنصب حال دون التوافق على مرشح لخلافته رغم أن الرجل مثله مثل جميع عبادالله الصالحين والطالحين سيموت والموت قدر الإنسان لا مهرب منه.

فقد مات أعظم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومات خلفائه، ومات أبو نؤاس والمعز لدين الله،ومات أديسون وأنشتاين، ومات السيد عبدالفتاح والبقال مام بيربال والشاياتي الحاج أمين، كلنا سنموت كما مات الآخرون، ولكن الإتحاد الوطني ظن أن رئيسه خالد أبدا الدهر لذلك لم يجرؤ أحد منهم أن يملأ مكانه، فتركوه خاليا تعصف به الرياح، ووصل العراق في ظل غياب رئيسه الى أسفل السافلين والى جهنم أعده للعراقيون تنظيم داعش وفلول البعث وجيش النقشبندية وغيرهم ممن إستغلوا النقمة الشعبية على الحكم الدكتاتوري الذي دشنه نوري المالكي بعد غياب حكمة الرئيس طالباني.

منذ البداية كان الكل يرشح برهم صالح للمنصب، وتوسموا فيه الحنكة والخبرة الدبلوماسية والكفاءة العالية والتجربة الإدارية كونه ترأس الحكومة لمرتين،وكانت له علاقات سياسية دولية،ونظرت إليه المحافل الدولية كرجل دولة من الطراز الأول، لكن المشكلة في أحزاب كردستان وهي بالمناسبة مشكلة مزمنة،أنها لا تتقدم أبدا بأفضل ما لديها من أشخاص وشخصيات لتولي المناصب القيادية،بل أن توزيع المناصب أصبحت لدى قادة تلك الأحزاب خاضعا لمبدأ المحسوبية والمنسوبية، وفي بعضها الآخر كعطية من عطايا السلطان يوزعها كيفما يشاء، فرئيس الحزب أو قائده الأوحد يعز من يشاء ويذل من يشاء على إعتباره ظل الله على الأرض، بل أنه حتى زوجاتهم ونساء مخادعهم لهن السطوة والكلمة العليا في بعض الأحيان بترشيح هذا أو ذاك لمناصب رفيعة بالدولة.ولذلك رأينا مرارا وتكرارا أن معلما يعين وزيرا للزراعة،&ومقاتلا يعين وزيرا للثقافة، ومهندسا وزيرا للعدل، وكأن تلك الأحزاب الكبيرة كبر محيطات الأرض بكردستان لا تملك شخصا مناسبا لتحله بالمكان المناسب بالوزارة.

بعد عدة أشهر من الإجتماعات المعيبة التي تحولت فعلا الى مسرحيات هزلية هابطة لم تستطع قيادة الإتحاد الوطني أن تتوافق على مرشح تتقدم به لمنصب رئيس الجمهورية، فعمدت أخيرا الى فكرة مستحدثة لم يخطر على بال أحد قط، وهي تخويل أحزاب أخرى للقيام بترشيح أحد قيادييها ليحتل المنصب ببغداد؟!.فأصبحوا بذلك كالسفيه المحجور عليه، أو كالطفل الفاقد للإرادة يفوضون أمره لولي أمره؟.

ذهبت قيادة الإتحاد تارة صوب البرلمان لكي يختار نيابة عنها، ولما عارض القانون ذلك، لجأت الى الحليف حزب بارزاني ليختار من يشاء من قيادات الإتحاد ليكون رئيسا للبلاد، وبعد أن فشل هذا الحزب أيضا من تحقيق التوافق أحال الموضوع الى الكتل النيابية لتتفق على مرشح واحد من بين ثلاثة مرشحين ليملأ المنصب، وإذا فشلت تلك الكتل لا سمح الله، فمن المتوقع أن يلجأ الإتحاد الوطني هذه المرة الى ضاربي الودع أو قاريء الفنجان ليختاروا واحدا منهم لتبوأ هذا المنصب السيادي.إنها فعلا مسرحية رخيصة جدا، وسابقة لم تحدث من قبل قط.

الأزمة الداخلية التي يعاني منها الإتحاد الوطني هي نتيجة وجود أجنحة متطاحنة ومتصارعة داخل الحزب، تؤجج نيرانها زوجة الرئيس التي هي مجرد عضو بالقيادة لكنها تأتمر على نائبي الأمين العام وعلى جميع أعضاء القيادة والمكتب السياسي،وكأن الحزب إرث ترثها عائلة الرئيس أو الأمين العام،وهي التي أدخلت مرشحين آخرين ليتنازعا برهم صالح على المنصب الذي إذا ذهب من يد الكرد فإن دورهم السياسي في العراق سينتهي الى الأبد.

فاليوم هناك أكثر من أربعين شخصا ترشحوا للمنصب وهذه مهزلة عراقية أخرى، رغم أن جميع من رشحوا للمنصب وهم 41 شخصا كلهم من العرب السنة والشيعة، فإذا إستحوذ العرب على هذا المنصب ماذا سيبقى للكرد من مناصب الدولة السيادية، خاصة وأن رئاسة البرلمان ذهبت أيضا للعرب السنة، ورئاسة الحكومة ستذهب بالطبع للمكون الشيعي،وبذا فإن الكرد سيخرجون من المولد بلا حمص وهم المكون الثاني في العراق حسب الدستور.

قيل في الموروث" لكل شئٍ آفةُ من جنسه، حتى الحديدُ سطا عليه المبرَدُ"

وبذا جنت على نفسها براقش.