كثرة الأقوال في حماية أرض العراق وقلة الأفعال في حماية سكانه من الأرهاب هو مايزيد من قلق المخلصين من طبقات ومكونات العراق المختلفة من التسميات المختلفة الغامضة والسرية التي بدأت تُطلَقُ جهاراً على العراق مؤخراً : دولة الطوائفِ ودولة الأمراء ودولة الخلفاء ودولة الديمقراطية الطائفية، بعد أن كنا " العراق " بلد الحضارة والتاريخ وبلاد الرافدين ومابين النهرين وأرض آشور بانيبال.

كنتُ قد نَشرتُ مقالاً تحذيرياً موجزاً في ايلاف بتاريخ 22 تموز يوليو 2014، تحت عنوان "صراع على اسم الدولة العراقية" وتناولتُ فيه اعلانات و مسميات وأعلام ورايات جهادية لم تنتهي منذ اعلان الدولة الهاشمية عام 1921 الى عصر دخول الانظمة الفاشية ومسؤوليها الذين دقو معاول التجزئة والتفرقة ودفن الأبرياء في مقابر جماعية نبش القبور وبعثرة الأجساد وتشويهها، وشملت حتى تغيير علم الدولة الى " الله أكبر" وأضافت نشيد البعث الى نشيدنا الوطني الرسمي تحقيقاً لرغبة شخص واحد. ولم تنتهِ تسمية الدولة العراقية في عهد دولة ( ديمقراطية الرئاسات الثلاث) بعد 2003 ومزاد التسميات والمطالبات المثيرة للانتقاد والجدل والفرضيات الغامضة التي تطالب بخبث وحقد وجهل لكيان دولة كردية ودولة شيعية ودولة سنية، في طبخات وصفقات يُعدّها عراقيون يجتمعون في عمان – الأردن&تحت شعار " دعم الثورة وانقاذ العراق " وغرضهم الحقيقي التأمر على اسقاط الدولة العراقية بشتى الوسائل والألغاز والأسرار بمساعدة خليجية مالية لمجموعات مطرودة من العراق.

العتاب الذي وصلني من صديق كردي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مقبول تماماً لِما فيه من تركيز وتخصيص على ماهية التسمية الحقيقية الرسمية للعراق وغموض مرتكزاتها، ليس للأحزاب الكردية بشقيهما وقادتهما ( البارزاني والطالباني فقط ) ولكنها غامضة حتى لأعضاء التكتلات العربية في مجلس النواب العراقي والحكومات المتعاقبة منذ أن ظفر الدكتور أياد علاوي بأول حكومة عراقية بعد انتهاء الأنتداب الأمريكي الى كثرة المراهنات وازدياد الغموض عقب أجتماعات أربيل المتواصلة التي ضمت في وقتها الهاشمي والصدر والنجيفي وعلاوي والحكيم والعيساوي وغيرهم. فالأكراد (على حد قول قادة بينهم) لايطمحون بالانفصال والوقوع من جديد في مخالب أربع دول محيطة بهم أرضاً وجواً، وطموحهم الوطني هو الاعتراف بقوميتهم وكيانهم الفدرالي والوصول الى تعريف لاسم الدولة الحديثة وعلمها الوطني واعادة ترميمها حضاريا.

كنتُ أبحث معه وآخرين من المهتمين بالحقل السياسي عن الاسم الحقيقي للدولة العراقية بعد أن تم خرابها بهمجية البعث العشائري الصدامي وتفريطه الحفاظ على مكونات الدولة وصيانة مقومات أركانها بالحروب العبثية، لأن كيان الدولة باسمها وعلمها ودستورها ورمزها التاريخي هي حبل النجاة لبقائها ونشاط سكانها وديمومتها واحترام المجتمع الدولي لها.

في العراق نبحثُ عمن يضحي ويخدم ويعطي للعراق الصوت والروح واللحن والثقافة وأخلاقية الدين. نبحثُ عمن يُمثّل العراق الحقيقي وينقله بصدق الى العالم المدني المتحضر. عراق لا ينشغل فقط بالكتل السياسية المنشغلة في أختيار شخصيات المناصب&القيادية التي لم تقدم أو تأخذ خطوة واحدة لنصرة أهل العراق والألتزام بالديمقراطية الدستورية، وبدا بعضهم يهرف لأنه لايعرف ماتقف على أبواب مدنه من جيوش ظلامية متعطشة للدماء ترفع رايات الجهاد في ارض الرافدين وتدعو دخول السذج من الناس الى صفوف المجاهدين.

والحقيقة، لقد كان في أستطاعة العراق (حكومةً وبرلماناً ) خلال السنوات الماضية تفعيل العديد من القرارات والمشاريع الأمنية والاقتصادية للمحافظات،اِلا أنها نامت في مجلس النواب وتم تجميدها في عهد السكوت على قوى الأرهاب والخصومة المفتعلة وكظم الغيظ، وفقدان الثقة، وتغيير المواقف. والمقصود هنا المقاييس والأدوات التي وضعها على أنفسهم القائمين على أمور الدولة ومراقبة وتسجيل سلوكهم السياسي. فما الذي ينفعنا كشعب من تعنت النجيفي وعلاوي والصدر والمطلك وصراعهم الدائم مع المالكي؟ وماهو النفع العام والمصلحة لنا كشعب من خصام البارزاني والعلاقات المتوترة بين الاقليم والحكومة الأتحادية بشأن محافظة كركوك، تصدير النفط، الميزانية، والرواتب، حل المليشيات، وأزمة الأحتجاجات في الأنبار؟ كان يهمنا رفع أسم الدولة وتكثيف عملها في بناء صرح العراق والحكمة السياسية في معالجة شؤون الدولة وحمايتها ومواطنيها ورؤية أدائها على أرض الواقع. فجلسة عمل لبناء ملاعب تنس ومسابح للشباب وعوائلهم أهم من جلسة عمل روتينية لايتخذ فيها غير قرار التأجيل. لقد ضاقت مكونات الشعب العراقي ذرعاً وأصابها الملل والكأبة من أناس لايعرفون قيمة وظائفهم وهم يمثلون طبقاته ادعاءً.

وركيزة الغموض تراها عند التسائل : هل يبحث قادة المجتمع العراقي وهم يمثلون طبقاته عن اسم جديد لدولة مؤقتة دينية أو علمانية، أم الوصول الى دولة فدرالية ديمقراطية دستورية&ثابته المعالم؟ وماهو غرض التطفل ( والتدخل بالرجال والسلاح والعتاد والأفكار الرثة) من أطراف أقليمية لاعلاقة لها بمستقبل العراق وطموح أهله في الاستقرار والطمأنينة والسلام.

المفترض في الحقل الدولي ونحن في القرن الحادي والعشرين أن لا يكون هناك خلاف على اسم الدولة وشكلها المدني وتوسيط الوسطاء، وعدم أعطائها الصبغة العسكرية أو تَنفذُ في سلوكها اسناد (أي نوع من المليشيات وتطوعها الغير مطلوب)، ولكن ماالعمل مع أصحاب المناهج والمذاهب والتطرف والتزمت القومي ومبايعة الخلفاء الظلاميين وجنودهم من مختلي العقول؟

ورغم بساطة الأسئلة والرؤية الواضحة للحلول الناجعة، فأن حل رموز العقد والتعقيد أصبحت في غاية التعقيد على أرض الواقع بدراسة ثقافة بعض القادة العراقيين ومرتكزات أفكارهم والشعب الراضخ تحت سحرهم العقائدي الحزبي والقومي،اضافةً الى رعاية بعض المتطرفين لعناصر الارهاب الاسلامية وحمايتها واستخدامها لهم تحت مسميات وطنية اسلامية.

والأمر الذي يثير أنواعاً من الشكوك وحل رموز العقد والتعقيد هو تخصيص الولايات المتحدة عشرة ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن الارهابي أبو بكر البغدادي، في حين يجتمع في عمان الأردن وتركيا خلفاء الجهل السلفي الوهابي والاخواني والبعثي وحرس صدام والقاعدي ويسهلون دخول المسلحين الجهاديين من زمر التفجير والتفخيخ وخبراء الكمائن الى العراق وميوعة مطالبة وزارة الخارجية العراقية، الأحد 20 يوليو تموز 2014 بتسليمهم للجهات القضائية، رغم ان العراق والولايات المتحدة تربطهما علاقات وثيقة مع تركيا والأردن، ورغم ان أسمائهم ومقرات واجتماعاتهم واقامتهم معروفة للجهات الأمنية المختصة.

من ناحية أخرى، ولوضع بوصلة الدولة المدنية بشكلها الصحيح وكيانها المستقل وانهاء الحرب القذرة الدائرة في رقعة جغرافية من الرقة الى تكريت فأن على قادة العراق تشجيع والزام القوى الوطنية للدخول في بند واحد وهو (صيانة الدولة العراقية الأتحادية وأمنها) والتعريف نصاً بأِسمها عند الحديث مع ممثلي الدول العربية والاسلامية والأجنبية.

والمرحلة في تقديري الشخصي، تجاوزت الكلام العابث والخطاب الوطني وتبادل الآراء بين القيادات السياسية والعسكرية وبحثهم عن طرق انهاء زمر الارهاب وهم يقودون جيش قوامه 800 ألف جندي وضابط وقوات شرطة وأمن ومخابرات ومتطوعين من أبناء العشائر. ولم يبقَ أمام الدولتين سوريا والعراق، المهددتان بخطر فرق التكفير الجهادية أن يرافق حربها النفسية الاخبارية اليومية الحكومية، السياق العسكري الطبيعي المطلوب في الميدان لانهاء هذه الفصائل بسرعة ومحاصرة المسلحين منهم وعجلاتهم ووقودهم وقطع وصول أرزاقهم بكماشة عسكرية تتطلب قيادة موحدة تُسند الى شخصية عسكرية وبمساهمة قوات كردية من البيشمركة بحجم اللواء بالتنسيق مع قوات الجزيرة والبادية في منطقة القائم والبعاج واطراف الموصل وقوات خاصة منقولة بحجم اللواء ومساندة 3 ألوية سورية تبدأ عملها من منطقة الرقة الى الحدود العراقية كي يتسنى قلب المعركة لصالح سكان المدن وأهاليها من جهة واذلال من تكلم باسم الله كَذباً (انجز الله وعده للمجاهدين فذاقوا حلاوة النصر وعرفوا طعم العزة ).

&

باحث وكاتب سياسي مستقل