لا أعرف لماذا تتكرر التجارب الفاشلة في العراق. فالدكتور جلال الطالباني وهو في أواخر صحته وحياته المستهلكة سياسياً وحزبياً تم تعيينه على رأس دولة أبتليت منذ صناعتها (قسرياً) بالكوارث السياسية. وفي المرحلة التي تم فيها تعين السيد طالباني يفترض إن تلك الدولة سوف تتلمس طريق الديموقراطية المليء بالصعوبات والعثرات والانتكاسات واللؤم السياسي من قبل القادة الجدد وغيرها من العقد التي كل واحدة منها تحتاج الى قلب حديد وصحة سوبر وأعصاب إستثنائية، إلا إن كل تلك المواصفات كانت فوق طاقة الرئيس المتعب، ومع ذلك لم يستمر مع حضوره المتواضع ونشاطه المحدود فغاب عن مكتب الرئاسة غيبة كبرى أنعشت الأقتصاد ألالماني بأكثر من 015 مليون دولار حسب مصادر صحفية عراقية دفعتها الدولة العراقية بسخاء بالأضافة الى الفراغ الرئاسي الدستوري الذي خلفه غياب الرئيس طالباني لفترة قاربت السنتين. كان الرئيس بأوج نشاطه الرئاسي لا يقوم إلا بدور الأطفائي لتقليل حجم خسائر الحريق وعدم قدرته على منع حدوثه. هذه التجربة المرة الفاشلة بإمتياز يكررها البرلمان العراقي بمباركة وتأييد جميع المراهقين السياسيين والمندسين وأصحاب الأجندات الخارجية والداخلية تحت قبة مايسمى بالبرلمان العراقي الذي يفترض إنه منتخب ويمثل مصالح الأمة!! السؤال هو هل كان إنتخاب الدكتور فؤاد معصوم لكرسي الانعاش الرئاسي يصب في مصلحة العراق أم انه رئيس ترضية لرفع العتب؟!


إستبعاد برهم صالح طعم بلعه البرلمان

ربما لم يبلعه البرلمان بل كان الأمر مبارك به لجميع الأجندات المشبوهة التي ليس من مصلحتها وجود شخصيات وطنية مخلصة شابة قادرة على العطاء لدولة ملتهبة صعبة المراس متعددة الأعراق والمشاكل. لم أقصد من ذلك الأعتراض على شخص السيد معصوم فتاريخه العلمي والعملي يؤهله للترشيح لرئاسة العراق ولكن ليس الان ربما قبل عشرين عاماً عندما كان بعمر يؤهله تحمل مسؤولية بلد متهالك ثلثيه لا يخضع لحكومة عبارة عن فريق منقسم متنافر. من المفترض بأعضاء البرلمان الذي لايحمل معظمهم الولاء للعراق بل الولاء لانفسهم ومنافعهم ومؤامرات أحزابهم وكتلهم وأجنداتهم الخارجية أن يعترضوا على الكتلة الكردية وخصوصاً حزب الأتحاد الديموقراطي الذي دخل بدهاليز المؤامرات السياسية منذ أن غاب عنه رئيسه السيد الطالباني. فأعضاء المكتب السياسي للاتحاد عكسوا مشاكلهم وأزماتهم الداخلية وصدروها لمنصب رئيس الجمهورية الذي خصص للأكراد لمجرد الترضية وليس لأسباب دستورية. هذا التصدير تم بإبتسامات عريضة لأعضاء البرلمان العراقي من جميع الأصناف والالوان والأعراق. ولم يدرك أعضاء البرلمان المنتخبين والذين خولتهم اصوات الناخبين للدفاع عن مصلحة العراق انهم عرضوا العراق بأنتخابهم السيد معصوم الى إحتمالين :

الاول: سيؤدي السيد معصوم دوره المتناسب مع سنه وصحته بالحد الأدنى من النشاط الرئاسي. فحتى دور الأطفائي الذي كان يمارسه السيد طالباني لاينفع في المرحلة الراهنة. في هذه المرحلة الأكراد يضمون كركوك ومناطق أخرى ويشتغل السيد مسعود البارزاني في منطقة تضبيط الدولة الكردية وإستثمار نفط كركوك ودعم العلاقات الخارجية ولجان الأستفتاء ومفوضية كردية مستقلة للانتخابات وطباعة العملة الداخلية والبحث عن أسباب الأعتراف والحياة للدولة الكردية التي بات إعلانها وشيكاً. وهذه العقدة لا تحتاج إطفائي بل تحتاج الى شخص مبادر متحرك قوي منتمي لكل العراق يتخلص من إنتماءه العاطفي للاكراد ويعمل كرئيس عراقي بمواصفات شخصية ابن البصرة وابن السليمانية على حد سواء. ولا أعتقد إن السيد معصوم الذي تتوسده الشيخوخة بقادر على مواجهة هذه العقدة وضبط دوزان الحكومة مع دوزان السيد مسعود البارزاني الجامح بغض النظر عن رئيس الوزراء القادم. ولا أدري الى أي مستشفى سينقل السيد معصوم حين يصر المالكي على الولاية الثالثة هل سينقل الى المانيا أيضاً أم الى دولة أوربية أخرى. من ناحية ثانية كيف سيواجه أزمة داعش والموصل وأزمة البعثيين والنقشبندية والعشائر المتحالفة ضد الحكومة والعملية السياسية التي تهدد بإجتياح بغداد أو قطع المياه، المليشيات الشيعية التي تتحرك في بغداد وشمالها على إيقاع التهديد الطائفي والتكفيري وتصفية المسيحيين والأعراق الأخرى كل ذلك يهيج الشيعة عسكرياً وميليشياوياً ويرفع سقف التعاون والدعم الأيراني. كيف سيساعد في إعداد وتسليح قوات مسلحة عراقية وطنية جديدة يعيدها الى كركوك والموصل؟ وهل توافق البيشمركة الأنسحاب سلمياً من كركوك وهي مدعوم وجودها بالشارع الكردي المغرر به إعلامياً بالاعلان عن إستقلال الأقليم؟ كيف ستندحر داعش وهي متعشقة داخل أزقة وبيوت الموصل؟ كل هذه الأزمات وغيرها مجرد ذكرها ترفع ضغط القارئ وتصيبه بالصداع، وكيف إذا وجدها السيد معصوم على شكل ملفات تحتاج العمل بها ووضع حلول ورأي رئاسة الجمهورية فيها. هل فكر البرلمانيون بذلك حينما إنصاعوا لرغبة الأتحاد ودعم بقية احزاب الكتلة الكردية باستبعاد السيد برهم صالح؟

الأحتمال الثاني : وبمجرد أول أزمة ستشتعل في العراق يرتفع ضغط السيد فؤاد معصوم وتهجم عليه أمراض الشيخوخة من السكر وضغط الدم والجلطات المتنوعة لا سمح الله ويغيب غيبة صغرى أو كبرى وسيعود الفراغ الرئاسي في العراق ليحرم الشعب العراق من أداة مهمة تساعد في حل أزمات البلد المتنوعة والمتوالدة وتضع حداً لأستفراد رئيس الوزراء أي رئيس وزراء قادم للسلطة.


ثغرات العملية السياسية

كتبة الدستور ورطوا العراق به، وكان للضغوط التي مارستها نفس الكتل المتحكمة بالقرار السياسي في الوقت الحاضر دورها في وضع ثغرات في الدستور في قضايا مست حياة العراقيين بشكل مباشر. فقضية الأقاليم والنظام الفدرالي كله ثغرات رمي بطريق العراقيين المقسمين عرقياً بدون إدراك وبث الوعي عن النظام الفدرالي وأهميته. فرض النظام الفدرالي على العراقيين لان طموح القوى الكردية في وضع مراحل تأسيس الدولة الكردية ولهذا السبب فأن قادة الاقليم الكردي أسسوا أقليم بمواصفات دولة في الحدود والجيش والقنصليات والتعامل مع العرب والطاقة والحكومة والضرائب وغيرها، يضاف الى ذلك عدم شعور المحافظات بالاستقرار بسبب الفهم الخاطئ للفدرالية وحذوهم حذو الاكراد. والثغرة الاخرى في الدستور التي مست حياتنا بشكل مباشر هو قضية ولايات رئيس الوزراء اللامتناهية، يضاف الى ذلك نظام المحاصصة الذي يفرض على العراق ولكنه غير دستوري، وقضية عمر رئيس الجمهورية الذي لم يحدده الدستور وغيرها. لكن المؤلم إن هذه الأخطاء تمارس مع سبق الأصرار والتخطيط وتمرر تحت قبة البرلمان وأعضاء البرلمان يمررون تلك الأخطاء بدم بارد في الوقت الذي يذبح به العراق وأهله.

&