عزيز الحاج
يتواصل تساقط الضحايا من المدنيين في غزة، وبينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فيما لم يتم حتى اللحظة نوع من الهدنة الإنسانية المؤقتة من اجل المدنيين، أي لغايات إنسانية. المناظر مرعبة ومحزنة وتصدم المشاعر. والذين تهزهم ضمائرهم وتدفعهم للتظاهر- من أي جنس وبلد ودين كانوا- إنما يستجيبون لأوليات الدواعي والقيم الإنسانية- وذلك بمعزل عن الحيثيات والخلفيات والأسباب. لكن قضية هؤلاء المدنيين [والقضية الفلسطينية ككل] ليست قضية دينية، كما حاولت، وتحاول، عرضها الحركات والجماعات الإسلامية، من فلسطينية وعربية وإيرانية و تركية وغيرها. القضية الفلسطينية ليست مجرد مقدسات دينية تحت عنوان القدس، بل هي قضية سياسية ذات تاريخ طويل؛ قضية احتلال وتطلع الشعب الفلسطينية لقيام دولته المستقلة بجوار إسرائيل. خميني& تاجر باسم فلسطين، وهرع أبو عمار لمباركته، وهو- أي خميني- الذي استعار عنوان القدس لتشكيل فيلق القدس الإرهابي المسؤول عن سلسلة طويلة من عمليات التخريب والتدخل والتجسس في المنطقة، والذي يتدخل عسكريا في العراق وسورية بما لا علاقة له بالقدس وفلسطين. وصدام شكل بعد حرب الكويت ما سماه بجيش القدس، وهو نوع من المليشيات المسلحة المؤتمرة بأمر القائد الضرورة ولتثبيت سلطته. والتضامن مع ضحايا غزة المدنيين لا يكون بالمناداة بقتل اليهود أينما كانوا، كما فعلت مظاهرات مجموعات من غوغاء الإسلاميين في باريس، وبمشاركة لفيف من الفوضويين وأقصى اليسار الفرنسي، المعروف عدد من زعمائهم، بمعاداة اللاسامية. وحين نعزو التعنت في المفاوضات إلى أقصى اليمين الإسرائيلي وحده، فإنما نغض النظر عن حقيقة يجب الاعتراف بها وهي أن الغالبية العظمى من العرب والمسلمين، ناهيكم عن الجماعات الفلسطينية المتطرفة، هي أيضا لا تريد سلاما عادلا ودائما مع إسرائيل، وترفع شعارات تحرير كل فلسطين، والممانعة والمقاومة . ومن أسباب ذلك، وعدا مصالح وحسابات إقليمية، رسوخ كراهية اليهودية واليهود في ثقافة وتكوين الغالبية من المسلمين وبصرف النظر عن أية حرب بين إسرائيل وفلسطينيين. إن كثرة من الجماعات، وبعض الاتحادات، الإسلامية العربية في فرنسا لها خطابان، واحد مراوغ والآخر هو ما تريده وتعنيه حقا. فحين تقع جرائم قتل وتخريب ضد معابد يهودية وأطفال يهود، يعلنون أمام الرأي العام الفرنسي بأنهم غير راضين، في حين أنهم- ولاسيما الاتحاد الإخواني للمسلمين الفرنسيين [ اتحاد التنظيمات الإسلامية& الفرنسية u.o.i.f]- يبثون الكراهية لليهود في الجامع وفيما بين المنتمين لهم. وهذا الاتحاد الإخواني، الذي يهب اليوم لنصرة حماس الإخوانية، اعتاد عقد مؤتمر سنوي يرعاه القرضاوي وغيره من كبار الدعاة المعروفين بالتطرف وكراهية غير المسلمين[*]. وفي عام 2012 منع& الرئيس الفرنسي السابق القرضاوي وزملاء له من دخول فرنسا، وذلك بعد جريمة الإرهابي الجزائري محمد مراح في تولوز، وقتله لسبعة فرنسيين، منهم أربعة أطفال يهود. وللتذكير، فحين قررت الحكومة الفرنسية& الوقوف في المدارس دقيقة حداد على الضحايا، رفض عدد غير قليل من الصبية المسلمين أن يفعلوا ذلك. وحين قالت مدرسة في إحدى المدارس إن بين الضحايا أطفالا، أجابها صبي مسلم" يستحقون، فهم يهود." ويطالعنا اليوم أحد كتاب جريدة الحياة لينفي ثقافة معاداة السامية بين الجاليات المسلمة في الغرب، ويذهب حتى لنفي حقيقة ميل مفتي فلسطين الراحل أمين الحسيني لألمانيا& النازية وإيطاليا الفاشية مع أن وجوده هناك واقعة حقيقية. والمفتي الراحل هو من رفض عام 1937 مشروع دولة فلسطينية عربية مستقلة على أن يكون ربع السكان من اليهود.
مظاهرات الجاليات المسلمة في الغرب والعالم، وكذلك مشاركة& فئات من اليسار وأقصى اليسار الغربي، باسم التضامن مع مدنيي غزة أو حتى من أجل دولة مستقلة للشعب الفلسطيني، تكون ذات مصداقية لو أن هذه المجموعات والشرائح قامت يوما ما بالتظاهر من أجل أطفال سوريا، وهم ضحايا بالملايين وليس بالمئات، أو تنديدا بتهحير واضطهاد المسيحيين العراقيين، وبينهم عشرات آلاف الأطفال، أو إدانة جرائم إرهابيي يوكو حرام التي قتلت المئات من مسيحيي نيجيريا وخطفت 200 فتاة نيجيرية مسيحية منذ شهور. ولم نجد مظاهرة& إسلامية فرنسية ولو صغيرة تنديدا بجريمة محمد مراح أو بجريمة المغاربي نمنوش في ألمانيا عند المتحف اليهودي، وهما جريمتان تمتا قبل أحداث غزة.
إن حقوق الإنسان لا تتجزأ، والقيم الإنسانية واحدة، لا تحتمل التلاعب والتجزئة والانتقائية. والدفاع عن المدنيين الضحايا في المنازعات المسلحة واجب مقدس، أيا كانوا، وبمعزل عن الجوانب السياسية، وهي جوانب يجب أن يتناولها ويتعامل معها الساسة والكتاب والمحللون الموضوعيون لكي يضعوا النقاط على الحروف، أي تحديد المسؤوليات والأسباب؛ وفي حالة غزة، دور حركة حماس في تفجير الموقف، وما يكمن وراء ذلك من حسابات لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، ولكن نجد ارتباطاتها في تركيا والدوحة وأممية الإخوان، وفي إيران أيضا من خلال مشاركة الجماعة الإسلامية المرتبطة بإيران. ويجب التساؤل عن الأسباب التي تدفع بقادة حماس إلى وضع وإطلاق الصواريخ بين المنازل والأحياء المأهولة، وأسباب مطالبتهم من المدنيين في منطقة الخطر بعدم تركها رغم العلم المسبق بأنها ستكون هدفا لغارات إسرائيلية وحشية ودموية.&&&&&&
إن هتافات " الموت لليهود"، التي دوت في شوارع باريس، لا تخدم القضية الفلسطينية، بل، على العكس، إنها ستزيد من قلق المواطنين الغربيين من الجاليات المسلمة، التي يتلاعب بالكثير من شرائحها دعاة إسلاميون متطرفون يخدمون مصالح وحسابات لا علاقة لها بمصلحة الشعب الفلسطيني. كما لا علاقة لهذه المصلحة بمناورات هدفها إحراج وإقحام مصر، أو بتهميش دور السلطة الفلسطينية الشرعية وقيادة فتح. حماس ليست في وارد الحل السلمي، بالعكس من قيادة أبي مازن، ولكن& من نتائج عملية حماس [الخطف والقتل] أن خالد مشعل صار هو الناطق باسم القضية وليس أبا مازن، وأن الرأي العام الإسرائيلي التف بقوة حول اليمين، بينما ضعفت قوى الاعتدال هناك. وحركة حماس استهدفت الثأر من مصر بسبب التطويح بعهد الإخوان. وها هم العشرات من الجنود والضباط المصريين يقتلون في سيناء. وليست أصابع حلفاء حماس وأنفاقها ببعيدة عن هذه الجرائم. ونود التأكيد مجددا على أن الإسلام السياسي- بكل مذاهبه وأطرافه- لا يؤمن بالمساواة بين الأديان، فلا دين غير الإسلام [ هو وحده دين الله الحق] والمسلم الذي يغير دينه محكوم عليه بالردة والموت، وحين ينادي المالكي& العالم لنجدة مسيحيي العراق، فإن& المعروف تماما [وكما بينا في المقال السابق ]أن الإسلاميين ومليشياتهم قاموا بمطاردة المسيحيين وحرق كنائسهم قبل ظهور داعش. وهذه الحقيقة هي ما عناها الأستاذ عدنان حسين حين خاطب إسلاميي العراق: " كلكم داعشيون وإن لم تعترفوا"! وهذا أيضا ما يجب قوله عن المسلمين المتطرفين في الغرب، المنادين بقتل اليهود، فهم، لو جرؤوا، لنادوا بقتل المسيحيين وكل من هم غير مسلمين. ففي العراق طورد أيضا، وعدا المسيحيين، الصابئة المندائيون والأيزيديون.&
هذه بضع ملاحظات إضافية، آملين أن يتم التوصل سريعا لاتفاق هدنة ولو مؤقتة لإسعاف ومساعدة المدنيين.
إيلاف في 26 يوليو 2014
] * بين من منعهم سركوزي من دخول فرنسا للمشاركة في مؤتمر الاتحاد الإخواني الداعية المصري صفوت الحجازي، الذي كان قد صرح "أنا معاد لليهود، ولولا الزعماء العرب، فان علبنا افتراس اليهود بأسناننا.." والمسيحيون يا سيدي!!!!ماذا فعلتم بهم قي مصر والعراق؟؟!!
&