خلفية هذا السؤال عنوان المقالة هو تعليق لأحد الأصدقاء على صور لمظاهرة في أوسلو دعما لقطاع غزة واستنكارا للحرب العدوانية الإسرائيلية في صفحتي على الفيس بوك قال في تعليقه : (مع احترامي لرأيك من ورّط غزة في هذه الحرب عليه أن يتحمّل نتيجة أعماله. أعرف أنّ كلامي سيكون قاسيا ولكني أقول الحقيقة، بعد خراب البصرة بدل هذه ألآلاف من الصواريخ التي لم تحرّر شبرا واحدا من الأرض المحتلة ولا تجلب سوى الخراب والدمار على أهل غزة، بثمن هذه الصواريخ كان من الممكن شراء مولدات كهرباء وبناء منازل للشعب تحتوي على ملاجىء عند الطوارىء...إلخ ).

وسؤالي هو: هل يقبل الاحتلال هذا؟ هل كان ينتظر سببا لعدوانه؟
لو أخذنا الوارد في تعليق الصديق بعيدا عما يجري ميدانيا في الأراضي المحتلة منذ عشرات السنين لوافقناه على ما ذكره في تعليقه، ولكن ممارسات الاحتلال التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني تقول بأدلة مفحمة بأنّ هذا الاحتلال لا يريد أي حل للقضية الفلسطينية إلا بشروطه المهينة، وقد كرّرت مرارا بأنّ المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في العاصمة الجزائرية عام 1987 أعلن فيه الرئيس ياسر عرفات علنيا قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 مما يعني الاعتراف بدولة إسرائيل، ثم وقّع الرئيس عرفات اتفاقية اوسلو عام 1993 ليؤكد هذا المطلب الفلسطيني، ولو طبّق الاحتلال الإسرائيلي بنود هذه الاتفاقية لتم إعلان الدولة الفلسطينية عام 2005 ، ولكن هذا لم يحدث و استمر الاحتلال في ممارساته البشعة في القطاع والضفة، وأهم مظاهرها:

_ الاستمرار في سياسة الاستيطان في القدس الشرقية وجوارها والضفة الغربية مما جعل هذه المستوطنات تستولي على ما لا يقل عن عشرين بالمائة من مساحة الضفة الغربية، رغم أنّ كافة مساحة الضفة و القطاع لا تساوي أكثر من 21 % من مجموع مساحة فلسطين التاريخية المحتلة. ومن بدع الاحتلال أنّه اصطنع تسمية "مستوطنات شرعية" و "مستوطنات غير شرعية" ولذر الرماد في عيون العالم الغربي يقوم بين حين وآخر بتفكيك أمتار من مستوطنة على اعتبار انّها غير شرعية وفي مقابل ذلك يقوم بتوسيع الاستيطان في مستوطنات أخرى شرعية من وجهة نظره، رغم أنّ غالبية دول العالم تعتبر هذه المستوطنات في الأراضي الفلسطينية تحديا واضحا للقانون الدولي، خاصة بعد تأييد الأمم المتحدة لاعتبار هذه المستوطنات يشكّل خرقا للفقرة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة، كما تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 446 في مارس 1979 الذي اعتبر هذه المستوطنات ( ليست لها شرعية قانونية وتُشكّل إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل، عادل ودائم في الشرق الأوسط؛ ويدعو إسرائيل مرة أخرى، باعتبارها القوة المحتلة، إلى الالتزام بدقة بمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، إلغاء إجراءاتها السابقة والامتناع عن القيام بأي عمل يؤدي إلى تغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية ويؤثّر مادياً على التكوين الديمغرافي للأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس ). ورغم ذلك يستمر الاحتلال في توسيع هذه المستوطنات بشكل يومي غير عابىء بالمواقف والادانات الدولية.
_ الاستمرار بعد توقيع اتفاقية أوسلو في سياسة الاغتيالات والسجون التي لم تستثن تنظيما فلسطينيا حيث تمّ اغتيال عشرات القيادات والكوادر الفلسطينية، وأشهر هذه العمليات الإجرامية حصار الرئيس عرفات في المقاطعة بمدينة رام الله قرابة أربع سنوات ثم السماح له للذهاب للموت في باريس مسموما، ويبلغ عدد الأسرى والسجناء الفلسطينيين من كافة التنظيمات قرابة ثمانية ألآف بينهم مئات من النساء والأطفال، وبعد كل عملية اطلاق بعض السجناء يتمّ خطفهم وسجنهم من جديد.
_ رغم الانسحاب من قطاع غزة في صيف عام 2005 إلا أنّ عمليات الاغتيالات والتوغلات والقصف بالطيران داخل القطاع لم تتوقف بأي شكل من الأشكال بسبب وبدون أسباب مقنعة، ورغم مسؤولية حركة حماس عن الانقسام الفلسطيني في يونيو 2007 إلا أنّ الممارسات الميدانية أثبتت أنّ الاحتلال له نفس الممارسات والسياسات التي لم تختلف قبل الانقسام عمّا بعده.
_ استمرار الحصار على قطاع غزة تحديدا وإغلاق كافة المعابر مع فلسطين المحتلة وعدم السماح بإدخال أية مواد تموينية أو طبية إلا بالقطارة لذر الرماد في عيون المجتمع الدولي، وحصارر بحري أيضا يمنع الصيادين الفلسطينيين من الصيد في بحرهم الأبيض المتوسط ضمن ما يسمّى المياه الدولية لكل دولة، وهذا ما حوّل القطاع حسب كافة المتضامنين الدوليين إلى سجن كبير خاصة بعد المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق العشرات من المتضامنين الدوليين خاصة مجزرة سفينة "مرمرة" التركية فجر 31 مايو 2010 ، وجريمة قتل المتضامنة الأمريكية "راشيل كوري" سحقا بالجرافة الإسرايلية في مارس 2003 ، وقد تعمد سائق الجرافة الصهيوني بالمرور بجرافته على جسدها مرتين ليسحقها وتموت في نفس اللحظة.
_ إعلان حماس رسميا وعلنيا عدم مسؤوليتها عن حادث خطف الإسرائيليين الثلاثة و قتلهم الذي أخذه الاحتلال ذريعة لشنّ هذه الحرب الهمجية على قرابة مليونين إلا ربعا من فلسطينيي القطاع وكأنّهم كلهم حماس وأعضاءا وكوادر فيها. هذا مع أهمية العلم أنّ القناة الثانية بالتلفزيون الألماني " زي دي إف " قد بثت تقريرا خطيرا حول خطف الإسرائليين الثىلاثة وقتلهم شكّك في مسؤولية حركة حماس عن ذلك موردا تفاصيل عديدة عن فبركات الاحتلال واخفائه معلومات عن حقيقة هذا الحادث لاتخاذه ذريعة لبدء حربه الهمجية هذه

بعد كل هذه الممارسات والفبركات والجرائم هل يريد الاحتلال تهدئة؟
نعم يريد هذا الاحتلال المجرم تهدئة دائمة وبدون أن يطلق رصاصة واحدة في القطاع والضفة ولكن بالشروط التالية: وقف كل عمليات المقاومة ضده بأي شكل من الأشكال بما فيها المقاومة السلمية التي سبق أن قمع عشرات المظاهرات السلمية وقتل واعتقل العشرات من المشاركين فيها ليس ضد قواته المسلحة بل ضد الجدار العنصري العازل. وقف الاحتجاجات على توسيع المستوطنات والقبول بها مهما ابتلعت من مساحة الضفة الغربية. السكوت على سياسته في تهويد القدس المستمرة بدون توقف رغم تهديدها المسجد الأقصى نفسه. الاعتراف بيهودية دولة الاحتلال الإسرائيلي، والاعتراف بتوحيد القدس واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال. استمرار جيش وأمن الاحتلال في السيطرة على كافة المعابر بين القطاع و مصر والضفة والأردن وبدون ذلك الاستمرار في اقفالها وتشديد الحصار على القطاع والضفة أيضا. وأخيرا القبول بدويلة فلسطينية في القطاع وأجزاء من الضفة منزوعة السلاح مع استمرار عدم وجود تواصل جغرافي بين القطاع والضفة وسيطرة جيش الاحتلال على أجواء هذه الدويلة المسخ البحرية والجوية.

فمن يقبل بهذه الشروط يا صديقي صاحب التعليق؟
لذلك ما لم يقبل الفلسطينيون بهذه الشروط الخيانية المذلة فلن تكون من طرف الاحتلال تهدئة من أي نوع وبالتالي فالسؤال المنطقي ضمن هذا السياق هو: هل يحق لحماس وكافة التنظيمات الفلسطينية مواجهة ومقاومة هذا الاحتلال بكل السبل الممكنة أم لا؟ وعند ممارسة حماس أو أي فصيل فلسطيني هذا الحق في المقاومة ومهما تكن نوعية ردود الاحتلال الإجرامية، هل تتحمل حماس أو أي فصيل فلسطيني مسؤولية هذه الجرائم؟ لا..لا..لأنّ سياسة الاحتلال كما أوضحت هي: الاستسلام والخضوع الكامل لشروطه السابقة أو هذه الردود الإجرامية على أي رد فلسطيني على سياساته وممارساته العنصرية الاحتلالية الإجرامية، وبالتالي فالمقاومة الفلسطينية لهذا الاحتلال مشروعة بكل الوسائل الممكنة ضمن ميل موازين القوى تماما لصالح جيش الاحتلال وهذا الحصار الشامل الدائم للضفة الغربية وقطاع غزة.
www.drabumatar.com

&