قبل فترة أطلقت المرجعية الفاضلة في العراق فتوى مفادها دعوة الناس لحمل السلاح للدفاع عن وطنهم ومقدساتهم. وبالتأكيد أن الخوف على المقدسات مشروع حيث يرقد الإمام الحسين والعباس وعلي بن أبي طالب والكاظميين والإمامين العسكرين في أرض العراق، والخوف عليهم مشروع مثل الخوف على الوطن لأن شراسة الإرهاب وحجمه هو حقيقة قائمة على أرض الواقع ولم تعد خافية.

ولو نظرنا مليا إلى ما حدث عند إحتلال الموصل وإحتلال كركوك وتكريت وبيجي وتلعفر وجانبا من سامراء وأخيرا على حدود بابل واللطيفية والصويرة لتساءنا أيضا بشكل مشروع لماذا تمكن هؤلاء القتلة من تحقيق الكثير من جرائمهم وإحتلال هذه المساحات من العراق، والإعلام العراقي لا يزال يتحدث كل يوم عن مقتل العشرات من داعش حتى فاق جمع العشرات جمعهم في نينوى، ودائما تأتينا الأنباء من مصدر رفض الكشف عن إسمه! وإعلام عراق اليوم يذكرنا بمسؤول إعلام الطاغية المقبور الذي لو جمعنا تصريحاته أبان الحرب مع إيران لكان الشعب الإيراني في خبر كان!

سؤالي المشروع وليس القصد منه الإساءة إلى المرجعية والناطقين بإسمها، وهو سؤال لن يثنيني عنه حجم إعلام الفضائية المرجعية وعدد ميكروفونات الفضائيات المصطفة أمام ممثل المرجع الأعلى. فأرسل هذا السؤال لكل صاحب ضمير يحب وطنه ويحب مقدساته ويبكي الحسين حقيقة لا تمثيلا ويبكي العراق حقيقة لا تمثيلا. والسؤال أن العراق منذ ما أطلق عليه عملية التغيير جاءت إلى سدة الحكم العراقية مجموعة لم نسمع بأسمائها من قبل تحمل دستوراً وقوانين ملغومة وكتب دستور لا يستر قامة العراق وبدأت عمليات نهب صارخة وغير معقول من أموال يمكن أن تبني أوطانا حتى بلغت حسب مؤتمر دولي عن العراق ستمائة وخمسين مليار دولار وهو رقم غير قابل للتصديق. لماذا المرجعية التي ترقب ما يجري في الوطن خوفا عليه وعلى مقدساته لم تصدر فتوى تحرم السرقة وتعتبر كل من أمتدت يده على حقوق الناس وأموالهم وأموال مستقبل الوطن وأهله هو شخص مجرم ومطلوب محاكمته وإسترجاع ما سرق من مال والشيعة والمرجعية براء منه والإسلام والوطن براء منه ومن يتستر عليه ويخفي ملفات الحقائق فإن المرجعية براء منه والشيعة براء منه والوطن والإسلام براء منه. لماذا سكتت المرجعية وهي لا تلامس موضوع الفساد إلا بكلمات عابرة ليست فصلا وليست فتوى حاسمة. كما تركت المرجعية موضوع الحيف الذي يعيشه المواطن بسبب شعوره بالظلم والتهميش وجمع الطعام والملبس من أكوام القمامة، ليس بسبب الطائفة والعرق بل التهميش بسبب المواطنة والفقر وعدم الفهلوة والمافيوية حتى وصلت رواتب المافيات إلى عشرين ألف دولاراً في البرلمان وتسعة آلاف من الدولارات للسفير وإثنا عشر ألفا من الدولارات للوزير وعشرة آلاف من الدولارات لمستشاري الرئيس مام ورئيس الوزراء فيما الأكاديميون عاطلون عن العمل ورواتب المفكرين والمبدعين لسيت سوى "فلسان"... لماذا لم تصدر المرجعية عبر فضائيتها وممثل مرجعها فتوى تحرم فيه الحيف وتحرم فيه الفساد بشكل حاسم وصريح وتحسم الموضوع، حينها لن تكون بحاجة إلى فتوى مستعجلة لحمل السلاح لينضوي بمحبة أحيانا وببطالة حينا آخر آلاف الشباب ليحملوا السلاح وهم غير مؤهلين لحمله لأن القتال دفاعا عن الوطن مهنة يضطلع فيه&جيش يتم بناؤه على مدى زمني طويل هدمه بريمر مع الذين اتى بهم وشكلوا تلك الفئة الظالة والظالمة والتي بلغ حجم نهب الأموال ستمائة وخمسين مليار دولار.

هذا هو خطأ المرجعية الفادح الذي يدفع اليوم ثمنه أبناء العراق.

هل شاهدتم عمليات الإعدام الجماعية التي بثتها وسائل إعلام ما يطلق عليه الدولة الإسلامية؟ من رأى المشهد من أصحاب الضمير هل يتمكن من النوم بدون قلق وبدون أرق وبدون كوابيس؟ أنها ليست مشاهد محرمة إنسانيا.. أبداً لا. هي شيء يشبه اللعبة الكاذبة الذي يتسلى بها الصبية في بيوتهم في قتل دمى من البلاستيك أو مصنوعة من البرامج التلفزيونية. صاروا يتسلون بذبح الوطن بطريقة لم تحصل في التاريخ لا في زمن هولاكو ولا في الأزمان والنكبات التي مرت على الوطن العراقي الغالي.

هل سيهدم المجرمون من منتسبي الدولة الإسلامية من الفاشلين في الحياة وسكنة السجون لأسباب أخلاقية وما كان يسمى بفدائيي صدام، هل سيهدمون مقدسات العراقيين ومراقد الأئمة؟ الجواب نعم وبدون تردد وأقولها مع "لا سمح الله" لأن تهديم قبر النبي يونس في نينوى سوف يشبه تهديم مراقد الأئمة الأطهار في النجف وكربلاء وسامراء والكاظميين!

وهل سيقومون بإعدام المواطنين بغض النظر عن أنتمائهم الديني أو العرقي؟ الجواب نعم لأن ما شاهدناه من إعدام بالطريقة الهمجية التي هزت كل صاحب ضمير في العالم وأرعبت البشرية عشية التاسع والعشرين من شهر يوليو عام 2014 ما يؤكد بأنهم سوف يفعلون ذلك وهم يتقدمون بإتجاه المدن القريبة من المقدسات في جرف الصخر وسامراء وأطراف الصويرة.

الجيش غير المهني الذي تم تجميعه لا يمكنه العمل وفق مسلكية عسكرية تمكنه من الإنتصار، ولا الشباب المخلص الذي حمل السلاح قادر على مواجهة عسكرة منظمة عملت عليها بلدان عملاقة ودول جوار خبيثة وعمل عليها أنذال من داخل الوطن وفتحوا أبوابهم ومدنهم حاضنة للقتلة والمخربين. الجيش العراقي غير مسلح بما يتطلبه من تسليح في وطن ثري بأرضه ومعادنه وتاريخه ومسلاته وأنبيائه الذين يقتلون للمرة العاشرة في التاريخ.

يطل علينا الناطق الرسمي ويذكرنا بصاحب العلوج طفل الدكتاتور المشبوه والملتبس والذي كان يروي لنا الإنتصارات فنسمع الأخبار عبر الناطق الرسمي حينا أو نشر الأخبار عن مسؤول إعلامي رفض التصريح بإسمه وهو يروي عن إنتصارات وهمية فيما القتلة يبثون بالصورة نسف جسر سامراء الستراتيجي في ربط المدن وعبور الآليات وعبور الموطانين ثم يقوم بإعدام المئات في كل مرة والإحتفال بالنكاح الجماعي لمناسبة العيد. هجمة شرسة رتبتها قوى إقليمية وأخرى دولية وثالثة عراقية مستهدفة العراق بالذات كتجربة سوف تزحف نحو بلدان الجوار النائمة اليقظة! ليحتل المنطقة نفر من بضعة آلاف تثير غرائزهم الدماء ويتلذذون بالقتل والإغتصاب والنكاح الجهادي تخجل برامج البلاي بوي من عرضه ونشره. سوف يحرقون المدن ويهدمون المقدسات أمام عيونكم وسوف تختفون في السراديب وأنتم الآن تعلنون خلافاتكم من أجل خلافتهم الآتية ليحكمكم أبو بكر البغدادي ومن لف لفه في وطن سوف تنعق بأرضه وخراباته الغربان والبوم ونحن نسمع خطبة الجمعة للمرجعية تلمح ولا تصرح عن رغبتها في تغيير الحاكم القابع في المنطقة الخضراء وكذا فعل بعض الخطباء في خطبة العيد بالتلميح لا بالتصريح. وسواء صرحت المرجعية أم لمحت وسواء صرحت الفئات المتنافسة أو لمحت فإنها لن تغير من الأمر شيئا، فلو رحل رئيس الوزراء فإن الآتي سوف لن يكون بأفضل منه كما أن السابقين ليسوا بأفضل حال منه. ألم يقف رئيس وزراء سابق إلى جانب المدفع الموجه نحو أبناء الرمادي وهو يصيح "إلى جهنم وبئس المصير" لسنا بصدد معرفة حجم الأموال والعمارات في دبي وبريطانيا وعمان فالمؤتمر الدولي أعلن الرقم وهو موزع على رموز السلطة منذ العام 2003 وحتى إشعار آخر.. لصوص ومافيات متكررة على شاشات الفضائيات وهم يتأنقون بآخر تصميم للملابس في الغرب ويتنهدون تمثيلا من أجل الوطن.

سقط الإعلام وسقطت الفضائيات وسقطت الحكومات المتعاقبة في منطقة خضراء محدودة وقد يسقط الوطن لسبب واضح بسيط هو سقوط الضمير.

تبدو الصورة كالحة وبدون أمل.. هي كذلك.. فهل يكمن الحل في تشكيل الحكومة؟ الجواب كلا. هذا تغيير بيادق الشطرنج أو إعادة لعبة الشطرنج في جولة ثانية وثالثة ورابعة من جديد ولكن الضحايا ليست من الخشب ولا من البلاستيك. سيموت جنود حقيقيون وستموت فيلة حقيقية وستتهدم قلاع حقيقية ومقدسة!.

العراق مشكلة لن يحلها العراقيون "اليوم" لأنهم على ما يبدو متقاعسون أو أنهم أنهكوا أو إرتشوا أو أرتضوا أو مر بهم العمر وأبناء الجيل الجديد لم يتعلموا فن الحياة بسبب حجم الحروب. كما أن ما إجتمع في عمان كرموز معارضة هم ليسوا سوى أيتام حزب فاشي وحاكم فاشي يريدون ويظنون إستعادة مواقعهم فيما ظهر حزب جديد أكثر فاشية منهم وأكثر حقدا على الوطن منهم وأكثر حقدا على التاريخ الزاهي منهم. لا هؤلاء ولا أولئك ينقذون الوطن. العراق بحاجة إلى قوة دولية من الأمم المتحدة تعيد ترتيبه والقضاء على هذا الحجم من المنحطين والقتلة من أجل سلام المنطقة وسلام العراق وسلام الإرث التاريخي لأن الفتاوى غير قادرة على الفعل وهي غير ملزمة لكل الشعب العراقي بتنوعه. العراق بحاجة إلى وصاية دولية لحقبة من الزمن تحت مظلة المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" بالتعاون مع عراقيين من التكنوقراط بغض النظر عن مواقع تواجدهم. لأن الخطر الداهم والذي يسري في جسد العراق كما السرطان تراه الناس مأخوذة لا تدري ماذا ينتظرها ولا تعرف حجم الكارثة وهل سنعيش حربا أهلية تحرق بغداد المتنوعة المتداخلة منتظرين أن يرحل المالكي كي يأتي الجعفري ويرحل الطالباني كي يأتي معصوم.. هي رقعة شطرنج عليها بيادق.. كلما سقط بيدق أعادوا مثيله على مربع الشطرنج في المرة اللاحقة!

&

كاتب وإعلامي مقيم في بانكوك

&