في الفترة الأخيرة صعّد "الائتلاف السوري" المعارض، حملته المعادية للمقاطعات الثلاثة في "الجزيرة" و"كوباني" و"عفرين"، وهي مقاطعات ذات غالبية كردية أعلنت عنها قوى وأحزاب سياسية ومكونات اجتماعية لسد الفراغ الذي تركه غياب السلطة السورية، ولتنظيم شؤون الدفاع الذاتي ضد تمدد تنظيم "داعش" الإجرامي. هذا "الائتلاف السوري"، المتضعضع، المهلهل، والذي ينخر في مفاصله الفساد، وينتشرحوله الحديث عن عمليات نهب لأموال المساعدات المخصصة للاجئين السوريين، فضلا عن عدم وجود "قرية محررة" يقيم عليها حكومته الشكلية، يعادي هذه المقاطعات بشدة، وذلك لعدة أسباب:

أولا: لأنها تضم المناطق الكردية الرئيسية في سوريا، وتعترف رسميا باللغة والهوية الكردية، ولم يعد فيها أي وجود حقيقي لسلطة دمشق. فهي مناطق تٌدار من قبل أبنائها، خارج إرادة "الائتلاف"، الذي يريد احتكار العمل المعارض لنفسه، مقلدا النظام في إدارة "الدولة والمجتمع"، هذا ناهيك عن إنه يرى في معاداة هذه المناطق ومحاربة الاستقرار فيها، وسيلة لإرضاء تركيا التي تعادي أي حق كردي في سوريا، وتدعم المجموعات المسلحة، بما فيها "داعش"، جهارا نهارا في حربها ضد الكرد السوريين.

ثانيا: لأنها مناطق تحمي المسيحيين والأقليات الدينية والعرقية الأخرى، وتعترف بلغاتها وخصوصياتها وتقرها في العقد الاجتماعي للمقاطعات ( في مقاطعة "الجزيرة" هناك 53 كنيسة لم يدنسها أي مجموعات مسلحة مرتزقة)، وهو ما يغضب الحكومة التركية، مجددا، ويغضب وكيلها تنظيم الإخوان المسلمين المسيطر على مفاصل "الائتلاف".

ثالثا: لأن العشائر العربية مشاركة وممثلة في المقاطعات وإداراتها، فشيخ عشيرة شمر، حميدي دهام الهادي الجربا، هو الحاكم المشارك لمقاطعة "الجزيرة"، وقد أصدر "الائتلاف" المخترق من العديد من أجهزة الاستخبارات الدولية، بيانا منددا بتجربة مقاطعة "الجزيرة" يعلن فيها عدائه لها، في نفس اليوم الذي أختير فيه الشيخ حميدي حاكما لهذه المقاطعة التي تشكل ثالث أكبر محافظة سورية مساحة، وخامسها سكانا، وتستحوذ على نصف اقتصاد البلد، زراعة ونفطا..

رابعا: لأن هناك قوة عسكرية، كبيرة ومؤثرة في عموم المشهد الميداني السوري، تحمي هذه المقاطعات، هي وحدات حماية الشعب(YPG)، والتي تضم حوالي 50 ألف مقاتلة ومقاتل، وبدأت تستقطب مؤخرا المئات من شباب المكونين العربي والسرياني( سقط العشرات منهم شهداء في مواجهات مع "داعش" وغيرها من المجموعات المرتزقة)، بينما كان "الائتلاف"

ينتظر حربا عرقية بين الكرد والعرب والسريان، وحالة فوضى سلاح شاملة وقتل على الهوية، كما يحدث في مناطق "الثورة" الأخرى.

خامسا: المخاوف المتصاعدة من اعتراف أوروبي ودولي بهذه المقاطعات، في ظل حمايتها للمسيحيين وكنائسهم، وتقديم تجربة رائدة في إشراك المرأة في شتى مناحي الحياة، والاستبسال في محاربة تنظيم "داعش" الذي يندحر منذ 3 أعوام أمام مقاومة وحدات حماية الشعب(YPG) لها. المواضيع الإيجابية التي تنشرها الصحافة الغربية، وتوصيات مجلس الكنائس العالمي، وتقارير منظمات حقوق الإنسان، وتأييد أحزاب اليسار والخضر والمجتمع المدني الأوروبي لحكومات المقاطعات الثلاثة، في الوقت الذي ينكمش فيه "الائتلاف" وتفتضح علاقاته مع المجموعات المأجورة المرتزقة، كل ذلك يجعل من هذا التنظيم المتاجر بدماء الشعب السوري، يزداد حقدا على الكرد وعلى المقاطعات الثلاثة، ويسعى للنيل منهم بأي وسيلة.

وكل مراقب للحالة السورية يعرف بأن "الائتلاف" ومنذ 3 أعوام أصدر عشرات البيانات المعادية للشعب الكردي ولحقوقه، وأيدّ فيها، بشكل أو بآخر، عمليات الإرهاب والتخريب التي طالت المقاطعات الثلاثة وأهلها. وأمس أصدر "الائتلاف" بيانا لافتعال فتنة عرقية بين الكرد والعرب في مدينة الحسكة، اتهم فيها، زورا وعدوانا، وحدات حماية الشعب(YPG) ب"قصف حي عربي وقتل عائلة عربية"!!. لكنه تراجع بعد عدة ساعات وسحب بيان الدجل والكذب من على موقعه وصفحته على شبكة التواصل الاجتماعي، وذلك بعد ردود فعل غاضبة من أهل الحسكة من الكرد والعرب والسريان.

على كل حال ف"الائتلاف" لم يعد رقما في المعادلة السورية، ف "الجيش الحر" تبخرّ وفرّ معظم قادته مع عائلاتهم إلى تركيا ودول أوروبية لتقديم اللجوء. ولم نعد نسمع باسم "الائتلاف" إلا حين الحديث عن سرقة ونهب الأموال المقدمة لمساعدة اللاجئين السوريين، فضلا عن جولات "الركل والرفس" بين أعضاءه في الاجتماعات الطويلة، أثناء "النضال" من أجل احتلال كراسي "المسؤولية" في هذه اللجنة أو تلك...