الكل يعلم بأن البعض من الأديان كانت سبباً من وراء اندلاع العديد من الحروب، وكانت سبباً في قتل الملايين من البشر، وكانت سبباً في تشريد الملايين منهم، وكانت سبباً في تدمير البنية التحتية لكثير من المجتمعات، هذه الأديان لم ترتكب الإجرام ولم تمارس الظلم والاضطهاد بحق من يخالفها في الدين فقط وأنما مارست القتل داخل الدين الواحد (الطوائف والمذاهب).
فالديانة المسيحية والتي كان الحكم بيد الكنيسة قديماً، فهذه كانت منقسمة إلى الكاثوليكية والبروتستانتية، فكان بينهما الحرب لعدة عقود والتي كانت سبباً في تدمير وحرق الكثير من المدن الأوربية، ومن تلك الحروب، حرب الثلاثين عام 1618م -1648م،حيث قتل في هذه الحرب حوالي 7 ملايين من سكان ألمانيا، فقد كان سكان ألمانيا 20 مليون نسمة آنذاك، وبسبب هذه الحرب نقص إلى 13 مليون، وفي كل المدن والقرى الأوربية كانت الحرب بين هاتين الكنيستين. كل هذا كان السبب من ورائه هو التداخل مابين الدين والسياسة، فرجل السياسة كان يستغل الدين من أجل تحقيق المكاسب السياسية وفي نفس الوقت رجل الدين كان يستغل السياسة من أجل توطيد مكانته الدينية، وأستمر الوضع هكذا حتى أيقن الإنسان المسيحي بضرورة فصل الدين عن الدولة، فأصبح الدين لله والوطن للجميع، فرجل الدين بدأ بممارسة الطقوس الدينية في دور العبادة ورجل السياسة أصبح يمارس سياساته في مؤسسات الدولة، ودساتيرها استمدت مبادئها وشر عيتها من مبادئ حقوق الإنسان، لذا فكل فرد في تلك الدول أصبح يتمتع بكل الحقوق والحريات وعليه نفس الواجبات، وسادت المساواة بين أبناء المجتمع الواحد، والقانون أصبح فوق الكل، فبدأت هذه الدول بالازدهار والتطور، فالفرد فيها يعامل على أساس المواطنة وليس على أساس العرق أو المذهب أو الطائفة.

والديانة الإسلامية حالها كحال المسيحية ارتكبت الكثير من الظلم والاضطهاد بحق الشعوب الأخرى التي تدين بأديان مغايرة لها، وغزت ديارهم، وحللت دمائهم، ومازال الكثير من معتنقي الديانة الإسلامية يصرون على أن تستمد دساتير الدول مبادئها من الديانة الإسلامية ويرفضون مبدأ فصل الدين عن الدولة، ولايقبلون بفكرة العلمانية، بل أنهم يذهبون أكثر من ذلك، فينعتون العلمانية بالكفر، ويقولون بعداء الديمقراطية لثقافة الإسلامية، ويرفضون كل ما هو جديد، ويصرون على تطبيق الثقافة التي كانت سائدة قبل 1400 سنة، حيث الجهل والتخلف الذي كانت عليه الشعوب، فليس من المعقول أن يقال بتطبيق الفكر والثقافة التي كانت في الجاهلية في القرن ال 21، هذا ما يقول به أصحاب الفكر الإسلامي المتشدد أمثال داعش والقاعدة، فهم يريدون أن يعيدوا بالبشرية إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث لا مساواة والقمع والظلم والاضطهاد بحق الغير، وعدم قبوله، وبفرض الجزية على غير المسلم، والدعوة إلى غزو ديار الغير وسفك دمه، ونهب ماله وحلاله، وليس هذا فقط فهم يعيدون الحرب الطائفية ( الشيعة والسنة)، وهذا سائد الآن في البعض من الدول العربية كسوريا والعراق.

إذا أرادت المجتمعات الإسلامية أن تواكب الحضارة، وأن تتعايش مع الأخرين في الوئام، وأن تطبق المساواة بين أبناء مجتمعاتها، وأن تحترم معتقدات الأخرين، عليها أن تبعد الدين عن السياسة، وأن تلغي كل الدساتير القائمة على أساس الدين الواحد، وأن تشرع دساتير جديدة تستمد مبادئها من شرائع حقوق الإنسان ومن المواثيق والمعاهدات الدولية التي عالجت حقوق الإنسان وحرياته، ومن غير ذلك سوف تبقى الشعوب في المجتمعات العربية على تخلفها، وسوف ينخر الجهل جسد مجتمعاتها، وسوف تعود بركبها إلى القرون الماضية، حيث الجهل والتخلف والجمود الفكري والظلم والاضطهاد، وسفك الدماء.

&

&