أيدنا السيد المالكي في ولايته الأولى وحتى الثانية رغم الأخطاء المتكررة والهفوات القاتلة في الإداء الحكومي وعلى مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والإقتصادية ,آخذين بنظر الإعتبار تعقيدات المشهد العراقي بكل تفاصيله السياسية والإجتماعية وحتى الثقافية، وأشدنا بجهود ومنجزات رغم شحتها لكننا كنا نعتبرها كبيرة في ظل أوضاع غير طبيعية، وأجواء غير صحية يعيشها العراق كعادته , ودعمنا وجهة النظر التي تقول إن المنجزات حتى تكون واضحة وملموسة فلا بد أن يُمنح صاحبها الوقت الكافي، وقد مُنِحَ السيد المالكي ثمان سنيين كانت أكثر من كافية ليُثبت إنه على قَدَر المسؤولية في التعامل مع كل الظروف والملمات وعلى كل المستويات، لكن إخفاق الرجل كان واضحآ في الكثير من الملفات التي فشل في معالجتها وإيجاد الحلول الناجعة لها، فعلى مستوى السياسة الداخلية إفتقد الرجل للحنكة والوضوح في التعامل مع حلفاءه في التحالف الوطني الذين أوصلوه لكرسي رئاسة الوزراء فأدار ظهره لهم وتعامل معهم بجفاء وتعالي يصل الى حد الإستخفاف مما جعل هؤلاء الحلفاء يتحينون الفرصة للإيقاع به حتى لو تطلب الأمر التضحية بمكتسبات الشيعة في العراق فقد إستحكم الخلاف بين مختلف تيارات التحالف الوطني، أما رفقاء السلاح وشركاء المظلومية وهم الكرد رغم إختلافنا معهم في بعض القضايا إلا إن الحكمة كانت تقتضي منذ البداية إما إحتواءهم ولجم أطماعهم ,أو عدم معاداتهم وتلبية بعض مطالبهم ومنها الدعوة المبكرة لأستفتاء شعبي لتقرير مصيرهم، بدل من رفع شعارات وطنية جوفاء زائفة لمواجهتهم، لقد خَدَعَ السيد نوري المالكي نفسه بهذه الشعارات التي لا اساس لها على أرض الواقع في العراق, أو خدعه بها مستشاريه ومن لف لفهم من إعلاميين مرتزقة وبعض من الذين يصفون أنفسهم بالمحللين السياسيين هؤلاء الدائرين في فلك السلطة الآن والذين يذكروننا بجوقة صدام وزبانيته والمطبلين له، وتناسى هؤلاء إن الأكراد هم الرقم الصعب في المعادلة العراقية البائسة بما يشكلوه من كتلة متجانسة ولو ظاهريآ، علاوة على نسجهم الكثير من العلاقات والتحالفات مع مختلف دول العالم.

أما التعثر على مستوى السياسة الخارجية فكان واضحآ حينما ضَيَعَ العراق الفُرصة لإقامة علاقات راسخة متينة مع الولايات المتحدة الدولة العظمى التي تربطه معها إتفاقية الإطار السيتراتيجي وغيرها من دول العالم نتيجة للفوضى التي يعيشها العراق والتخبط في إتخاذ القرارات وعدم وضوح الرؤية والأهم من هذا وذاك هو وجود شخصية كردية على رأس وزارة الخارجية أعاقت وعطلت الكثير من الخطوات بإتجاه تحسين علاقات العراق بالعالم وخاصة العالم المتحضر وقد حصرت هذه الوزارة عملها للترويج لكردستان والتمهيد لأعلان الدولة الكردية عن طريق نسج الكثير من العلاقات والمصالح مع مختلف دول العالم وأغلب المؤسسات ومراكز صنع القرار والشركات العالمية الفعالة.

وفيما يتعلق بالملف الإقتصادي فالعراق من البلدان ذات الإقتصاد الريعي إذ أن موازنته السنوية تعتمد بنسبة 95% على إيرادات النفط المباع، ولا توجد أي خطط لتطوير الأقتصاد وتنويعه , وكل ما يقال هنا وهناك هو كلام تنظيري، وعمليات ترقيعية محدودة تفتقر الى التخطيط السليم الذي يقوم على أساس إدارة الموارد الإقتصادية والبشرية بشكل علمي مدروس، فنسب التضخم على سبيل المثال إزدادت , والعاطلين عن العمل في إرتفاع, والطبقية ترسخت جذورها بعد أن كان الأمل يحدونا في القضاء عليها أو تقليص فوارقها، والفجوة بين الفقراء والأغنياء إتسعت، وليس هناك أي نظام للعدالة الأجتماعية تم أستحداثه والعمل به ( سوى بعض الإعانات التي تُوَزع بذلة على بعض المعوزين لشراء أصواتهم أو ذممهم )،علاوة على المحسوبية، والواسطة، والرشى في أوجها، فأجهزة الدولة ووزاراتها وكل مؤسساتها ينخرها الفساد بكل عناوينه تلك


أما على مستوى الأمن وقبل أحداث الموصل كانت المفخخات والعبوات الناسفة تضرب بغداد ومدن الجنوب والوسط الأخرى بين يوم وآخر وتمزق أجساد الكثير من شبابها وشيبها وأطفالها ونساءها كانت للشيعة الحصة الأكبر في هذا القتل الممنهج والمبرمج الذي يستهدف وجودهم وكيانهم ومقدساتهم, وهذه الدماء الشيعية التي تسفك كل يوم يتحملها المالكي وحكومته نتيجة لتراخيه المفرط مع حواضن الإرهاب وداعميه وتقديم التنازلات الكبيرة لهم علاوة على القصور الواضح في إداء أجهزته الأمنية المخترقة أصلآ من قبل أزلام الطاغية المقبور.


أن ما حدث في الموصل كان نتيجة متوقعة لكل تلك المشاكل والأخطاء التي ذكرنا القليل منها في أعلاه , وحقيقة القول فأن تصريح السيد مسعود برزاني بعد أحداث الموصل الذي قال فيه ( إن العراق قبل أحداث 6-10 غير العراق بعدها ) كان مُلفتآ وواقعيآ , ويحمل الكثير من المعاني التي يجب الإستفادة منها بعد أن سيطرت عصابات داعش بالتعاون مع بعض الفصائل الطائفية السنية المسلحة على مساحات شاسعة من مناطق غرب وشمال العراق والإنتهاكات الفظيعة التي قامت بها بحق بعض الأقليات العرقية والطائفية , وهذا يدعونا الى تقديم نصيحة واضحة لشيعة العراق وخاصة قادة الرأي وأصحاب القرار أن ينظروا للأمور من منظار المصلحة الشيعية العامة ويتعاملوا ببراغماتية مع المتغيرات والواقع الجديد بعيدآ عن العواطف والغوغائية، ويعملوا بجد وذكاء على التمهيد لإقامة دولة شيعية ,وليكن السيد المالكي من أوائل دعاة هذه الدولة ليكفر عن أخطاءه قبل فوات الأوان إذا كان حقآ مهتم بمستقبله السياسي المهدد بالسقوط ,ويتجنب لعنة التأريخ، وبدون ذلك سوف يستمر شلال الإنتحاريين من كل حدب وصوب بالتدفق على مناطق الشيعة متخذين من الحواضن والملاذات المعروفة منطلقآ لإرتكاب الجرائم وسفك المزيد من الدماء.