عندنا مثل كردي يقول" الخبز للخباز واللحم للقصاب". وهناك مثل عربي دارج يماثله وهو( إعطي الخبز لخبازه)،وهذا مثل يقال كناية عن المبدأ السياسي الذي يدعو الى إحلال الرجل المناسب بالمكان المناسب وهو مطلب يعز على الشعوب بمنطقتنا، وكردستان جزء من هذه المنطقة الموبوءة بالفشل في الإدارة وبالغرق في الفساد والمحسوبيات والمنسوبيات وبتجهيل المجتمعات، وإبتلاء أنظمتها بسياسة الإعلام المركزي الكاذب، وتصوير الحاكم كأنه ظل الله على الأرض والمنزه عن الخطأ، والتسويق والترويج للقائد الفذ والضرورة الذي لامثيل له في التاريخ مع أن كل حكامنا المتعاقبون أثبتوا فشلهم في إدارة شؤون البلاد وأذهبوا بعبادهم الى الجحيم وبئس المصير.
&
مع بدء معركتنا الحالية مع جماعات داعش ظهر زيف الإعلام الكردي والسياسة الكردية ومن يديرونها،وظهرت عورات النظام السياسي الفاسد الذي كان في طريقه لإعلان الإستقلال التام لكردستان،لكن المناطق المتنازعة التي جاهرت القيادة الكردية بأنها حررتها من دون قتال طبعا، بدأت تتداعى مع أول ضربة داعشية،ودخلت كردستان بحرب لاقبل لها من حيث التسليح والتجهيز والخبرات العسكرية وخطط الحرب على رغم تشكيل وزارة للبيشمركة التي توازي وزارة الدفاع بالبلدان الأخرى منذ أكثر من 23 سنة.
&
لن أخوض بتفاصيل المعارك العسكرية ومن تفوق بها ومن إنسحب وإنكسر، لكني سأركز بمقالي على الأداء الإعلامي الذي بدا عليه الفوضى الخلاقة والإرتباك الشديد في التعاطي مع هذا الحدث الجلل.
&
هذا الاعلام الحزبي المتخلف الذي فرض نفسه على كردستان منذ تحريرها عام 1991 والذي تصرف عليه القيادات الكردية ملايين الدولارات وتأبى أن تغيره، يديره عدد من جهلاء المهنة من المتطفلين والمنافقين وأشباه الصحفيين،قام بدور تخريبي أثناء المعارك التي خاضتها قوات البيشمركة ضد جماعات داعش.ويمكن القول أن هذا الإعلام الكردي المتخلف ساهم من خلال نقل معلوماته بخدمة تلك الجماعة الإرهابية قبل أن توفق بإيصال المعلومة الصحيحة للمتلقي، فمعظم التقارير الأخبارية التي نقلتها وسائل الإعلام الكردية بإستثناءات محدودة جدا كانت تندرج في إطار خدمة العدو من خلال كشف نقاط الضعف لدى قوات البيشمركة بل حتى كشف مواقع تجمعاتهم، وهذا أوضح دليل على عدم كفاءة الإعلاميين الكرد وإفتقارهم الى أبسط مستلزمات المهنة وفي مقدمتها الخطاب الأعلامي الموجه أثناء الحرب والذي يعتمد بالدرجة الأساس على الحرب النفسية التي برعت بها جماعة داعش بشكل أفضل من أساتذة الإعلام الحزبي المتهالك بكردستان.
&
أثناء التغطيات الاعلامية كانت هناك قنوات تكشف ظهر قوات البيشمركة وتحدد مواقعهم بشكل سافر وكأنها ترسل بذلك رسائل مباشرة الى داعش للهجوم عليها. كما أن هذا الإعلام الكردي وقف عاجزا تماما أمام الحرب النفسية التي شنتها وسائل إعلام داعش لتخويف وترعيب المواطن الكردي، وهي الحرب التي أدت الى هروب الآلاف من سكان مدينة أربيل عشية هجوم داعش على مخمور وهي تبعد بأكثر من 35 كيلومتر عن المدينة، كما أثرت تلك الحرب النفسية وبشكل سلبي كبير على معنويات قوات البيشمركة التي سارعت بالتخلي عن مواقعها لتحتلها جماعات داعش.
&
غاب عن المشهد المتحدث الإعلامي الرسمي لقيادة قوات البيشمركة والذي يفترض أن يكون ملما بأصول الحرب الإعلامية والنفسية، وبدأت التصريحات تتناثر بين قيادات من الصف الثالث والرابع والتي تحمل على أكتافها نجوما ونسورا مزيفة وهي لا تمتلك أية خبرات عسكرية أو إعلامية، وجلها تخدم أهداف داعش.
&
وبدلا من تركيز الإعلام الكردي في هذه الفترة الحرجة والحساسة للغاية لإظهار تكاتف القوى الكردستانية مع قوات البيشمركة ويسمو على الخلافات الحزبية السابقة وخاصة وأن كردستان برمتها تحت تهديد النار والخراب، ركزت وسائل الإعلام الحزبية على إثارة النزاعات السياسية والتقليل من شأن إنتصارات بعض القوى الكردستانية كما حدث عندما تدخل مقاتلي حزبي العمال الكردستاني والإتحاد الديمقراطي الكردي السوري الى جانب قوات البيشمركة وقتالهم ضد داعش.
&
ففي تقرير بثته قناة" روداو" الكردية المملوكة لنيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده رئيس الإقليم مسعود بارزاني وهو القناة التي تمول بعائدات النفط المصدر من الإقليم، ذكرت القناة" أن قوات حزب العمال الكردستاني والديمقراطي الكردي منعا القوات الأميركية من هجوم مشترك مع البيشمركة على قضاء سنجار لإستعادته".وهذا خبر عار عن الصحة تماما ويندرج في إطار الحقد والكره الذي يكنه حزب بارزاني ضد كل قوة كردية تظهر على الساحة الكردستانية،لأن المتحدث الرسمي بإسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي أكد في مؤتمر صحفي عقده بواشنطن" أن الولايات المتحدة لا تنوي شن أي هجوم على جماعات داعش بسنجار.وأن كل مافي الأمر أنه بناءا على توجيهات الرئيس أوباما تم تقديم المساعدات للنازحين الى جبل سنجار وليست هناك أية نية لدى البنتاغون لهجوم مشترك مع قوات البيشمركة لإستعادة سنجار"..
&
معنويات قوات البيشمركة إنهارت منذ بداية هجوم داعش على قضاء سنجار وهذا ما إعترف به رئيس الإقليم مسعود بارزاني وأصدر أوامره بعزل القيادات الأمنية والعسكرية التي تخلت عن مواقعها بسنجار وتوعد بمحاسبتهم قانونيا لأنهم تراجعوا عن الحرب،ويفترض أن يركز الإعلام الكردي على الخطاب الذي يدعو الى إعادة الثقة ورفع معنويات البيشمركة بما يساعد على توحيد الصف الكردي لمواجهة أكبر خطر يداهم الأكراد منذ وجودهم،وهو خطر منظمة إرهابية تفوق بحقدها على كردستان النظام البعثي الفاشي السابق، لأن هذه المنظمة لا تسعى لإحتلال كردستان وتقويض تجربتها بل تسعى لذبح الكرد وسبي نسائهم ومحو وجودهم على الأرض نهائيا، فهل يذكر أولي الألباب؟.
&