حينما بدأت ماكينة الدعاية الخاصة بنوري المالكي ووسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة بشن حملة شعواء ضد الكورد وكوردستان ورموزها إلى درجة التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية وإشاعة فبركات وسيناريوهات اعتدنا عليها طيلة حكم حزب البعث وادعاءاته باتهام كل من يخالفه الرأي بالعمالة لإسرائيل والامبريالية العالمية، أدركنا إن هناك من يهيئ الأرضية لعدوان كبير على شعبنا ووطننا خاصة وان العالم باجمعه أدرك مديات النجاح الكبير الذي حققته كوردستان في تجربتها الفيدرالية في كل نواحي الحياة.

لقد أدت تلك السياسة في إشاعة الحقد والكراهية بإعلام موجه إلى رأي عام ملوث أساسا بسموم ثقافة القطيع المسيطر عليه من خلال أدوات السلطة في المال والإغراء والترهيب إلى عمليات منظمة لمعاداة الكورد في العاصمة خاصة بعد التمثيلية التي نفذها نوري المالكي وجهاز دعايته اثر مقتل الصحفي ألشمري، حيث أقدمت ميليشيات مدعومة من المالكي على اختطاف وتصفية عدد كبير من الكورد العاملين في بغداد ومضايقة المسافرين من سكان الإقليم إثناء دخولهم إلى العاصمة أو طردهم وعدم السماح لهم بدخول بغداد وسط اهانات وشتائم تطال الشعب برمته ورموزه.

هذه السلوكيات وما رافقها من إجراءات الحصار المفروض على الإقليم منذ مطلع العام الحالي، وإيقاف صرف مرتبات الموظفين وعدم تسليح قوات حرس الإقليم واعتبارها جزء من المنظومة الدفاعية العراقية وما يترتب على ذلك من التزامات، إضافة إلى عدم الاكتراث بتحذيرات قيادة الإقليم من نمو وتطور التنظيمات الإرهابية غرب الموصل وضرورة التعاون والتنسيق بين المركز والإقليم قبل سقوط الموصل وتكريت بأكثر من ستة أشهر، يدلل على مشروع كبير كان يتم إعداده باتجاه الإقليم وبخيوط عنكبوتية معقدة اشتركت فيها كل القوى والدول ذات العلاقة بإيقاف نهضة الإقليم وإنهاء تطوره، من خلال السماح بزراعة كيان معاد ومنفلت من عصابات لا قيم لديها ولا أسس أخلاقية أو مهنية في تصرفاتها غير الهمجية والبربرية.

وهذا ما حصل فعلا مطلع حزيران الماضي حيث تساقطت المدن والبلدات والفرق الجرارة بعددها وعدتها التي وقعت بكاملها بيد تلك العصابات لنصبح بين ليلة وضحاها أمام كيان إرهابي يفصل كوردستان عن بقية أجزاء العراق على حدود طولها أكثر من ألف كيلومتر من شنكال إلى السعدية، هذه العصابات تحولت خلال&أيام معدودة إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية وأصبح لديها ما يزيد على عشرة آلاف مقاتل بتدريب جيد حسب وزارة البنتاكون الأمريكي في تقريرها قبل عدة أيام واستحوذت على أعداد كبيرة وهائلة من احدث الأسلحة الأمريكية التي تم تزويدها لقطعات الجيش العراقي من مدافع بعيدة المدى ودبابات ومدرعات وأسلحة متوسطة وخفيفة وأكداس هائلة من العتاد، بينما كانت حكومة المالكي طيلة ثماني سنوات ترفض تسليح البيشمه ركه ودفع رواتبها رغم انها كانت تعرف جيدا كم هي باسلة تلك القوات وكم هي قوات منضبطة ولا يمكن اختراقها وقد أبلت بلاء حسنا في واجباتها بالعاصمة بغداد أو بتنفيذ واجباتها في إي مكان عهد لها.

وأخيرا ذهبت كل تلك الأسلحة الحديثة إلى عصابات داعش لتبدأ في تأسيس مشروعها العنصري الفاشي على تخوم كوردستان بما يحقق ما ذهب إليه إعلام ودعاية المالكي وطاقمه الحزبي والإعلامي بمحاصرة كوردستان بعصابات منفلتة انتشرت وعملت في بيئة مهيأة لها بسبب فشل إدارة المالكي وانشغاله في صناعة الأعداء وافتراض أسباب ومبررات لفشله الذريع، وهذا ما حصل فعلا حينما غيرت داعش إستراتيجيتها وتحولت من أطراف بغداد ومحاسبة المالكي في النجف إلى سنجار وزمار ومخمور والسعدية وبقية المدن والبلدات الكوردستانية، والتي سبقتها بحملة مكثفة من نشر مقاطع اليوتيوب التي تظهر عملياتها الهمجية والبربرية في القتل والذبح والتدمير وبناء مجتمعات البداوة والتخلف، مستغلة الحزام العربي حول معظم هذه المدن وخاصة اولئك الذين استخدمهم نظام البعث في تعريب تلك المدن والبلدات مع مجاميع من مرتزقة شمال أفريقيا والمغرب العربي وبعض البلدان الأوربية بقيادة ضباط من أجهزة الحرس الجمهوري والخاص والمخابرات والأمن العامة من النظام السابق الذين اندمجوا في تنظيمات القاعدة وبناتها ومن ثم ما يسمى بداعش.

إن ما حصل في شنكال اكبر بكثير مما يتصوره المرء في ضخامة جريمته، فهو عملية إبادة للجنس البشري بأسلوب بدائي وهمجي تتحكم فيه الغرائز الحيوانية الموجهة عقائديا ضد كل ما هو مخالف لعقيدتهم، وهو بالتالي امتداد لذات الثقافة والفكر والسلوك عبر مئات السنين، والذي ساد معظم الأنظمة السياسية والاجتماعية للحاكمين في هذه البقعة من العالم، والتي تعتبر كل مخالف لها كافر ومرتد وعميل يستحق الموت الزؤام، وسنأتي في كتابات قادمة على كثير من التفاصيل لما جرى وعلى أسباب ومسببات ونتائج جريمة العصر في شنكال.

*شنكال: التسمية الكردية لسنجار