عندما سقط صدام حسين في عام نيسان2003، فقد کان سقوطا مدويا و استثنائيا من نوعه، إذ لم يکن سقوطا لشخصه وانما لدولة و نظام برمته، وتبين"والحق يقال"، انه(أي صدام حسين)، وعلى الرغم من کل الملاحظات على ذلك، قد بنى نظاما و دولة و نجح الى أبعد حد في إدارتها.

نوري المالکي، الذي تشبث بالسلطة و ظل متمسکا بحقه في الولاية الثالثة و کأنه تخويل إلهي قد تم تفويضه إليه، وبعد أن إشتدت عليه الضغوط و لم يبق أمامه من خيار، فقد أعلن إستسلامه للأمر الواقع، وإستسلام المستبدين يعتبر دائما سقوطا، لأنهم يعتبرون أنفسهم حالة إستثنائية فوق الجميع و لايرون بديلا لهم، لکن الذي يجب ملاحظته جيدا عند سقوط المالکي، انه لم يسقط معه نظام او دولة.

فترة الاعوام الثمانية من الفترة المظلمة لحکم المالکي، والتي کانت أشبه الى حد بعيد بحکم أحد ولاة الدولة العثمانية"أيام تدهورها" للعراق، حيث لم يکن هناك من هم للولاة سوى جمع أکبر مقدار من الضرائب من عامة الناس و إرسالها للاستانة کي يستخدمها السلاطين في ترفهم و ملذاتهم، والحق أن المالکي لم يکن يهمه شئ سوى إرضاء النظام الايراني و تنفيذ مخططاته و مطالبه التي لم يکن لها من نهاية، ولذلك وبقدر ماکانت طهران راضية عنه و مشيدة به، فإن الشعب العراقي کان ساخطا عليه و متذمرا منه بنفس الدرجة.

المالکي الذي لم يکن سوى مجرد ممثل يٶدي دورا قد عهد إليه من قبل مخرج قام بإعداد نص مسرحي خاص، وان خروج المالکي من المسرحية کممثل لايعني بأن المسرحية قد إنتهت، وانما سيتم إسناد الدور لممثل آخر، ولذلك فإنه من الضروري و المهم جدا أن لاتجرفنا احاسيس و مشاعر الفرح و الغبطة بإنتهاء دور المالکي"رغم أهميته النسبية" مالم نتأکد من أن المسرحية برمتها قد إنتهت و أوقف عرضها، لکن، هل بالامکان أن يحدث ذلك؟

العودة الى تأريخ العراق في مختلف العصور و المراحل، ترينا نماذج و انواع غريبة من الهيمنات المختلفة على العراق، لکن، يمکن القول بأن هيمنة النظام الايراني من أغرب الهيمنات و أکثرها لفتا للأنظار، إذ يحاول هذا النظام و عن طريق أفکار دينية ذات بعد طائفي واضح، أن يستخدم الواجهة الدينية لمرة أخرى في التأريخ بعد سقوط الدولة العثمانية، من أجل إقامة مايمکن تسميته بإمبراطورية دينية، يکون العراق واحدا من رکائزها الهامة، غير ان الذي يجب أن يٶخذ بنظر الاعتبار، ان على العراق أن يدفع ضريبة إقامة هذه الدولة منذ الان، وبطبيعة الحال ليست الضرائب و الرسوم المالية و المادية فقط، وانما المجازر و الفظائع و الفتن و

المواجهات و الحروب أيضا، فالعراق عليه أن يدفع فقط من دون أن يستسلم، وهذا هو کل الذي قام به المالکي للعراق طوال ثمانية أعوام، ولهذا فإن سقوط المالکي لم يکن سوى سقوطا شخصيا لأن الرجل کان مهما بالدور الموکول إليه وعندما سحبت طهران الدور الموکول إليه، فقد إنتهى بريقه و إضمحل دوره و تأثيره.

الاعتقاد و التصور بأن سقوط المالکي يعني سقوط مرحلته کلها، هو وهم يعيشه حاليا الکثيرون، لکنهم سيصحون على قريبا على إستمرار نفس النهج و ذات الطروحات و الاساليب المتبعة في عهد"مختار العصر"، وان القضية برمتها تتعلق بنفوذ النظام الايراني المستشري في العراق، واننا نجد ماقد أکدت عليه الزعيمة الايرانية المعارضة مريم رجوي، من أن قطع دابر النظام الايراني عن المشهد العراقي کاملا، هو الحل الامثل للأوضاع المتأزمة في العراق، ومن دون ذلك فليس لدينا غير أن نقول: کأنك يا أبو زيد ماغزيت!

&