&

من منطلق ديني وسياسي، جعلت السعودية من الدين عنصر الحياة الأساسي. وليس سرا القول ان الاعتماد على المدرسة الوهابية لتكون هي المرجع الأساسي لكل ما يتعلق بالحياة اتسم بنوع من التشدد، بل والكثير منه أحيانا. وكان لذلك تبعات من بينها بروز عدد من التنظيمات التي اعتمدت بعض مبادئ الوهابية نفسها. فاكتوى العالم العربي والسعودية معها بنار التطرف الذي جنحت إليه هذه التنظيمات.
فجأة، أدركت السعودية الخطر الذي يقود إليه التشدد، من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلى داعش مرورا بطالبان والقاعدة، وإن لم تتوقف كثيرا عند المدرسة الوهابية المتشددة بطبيعتها.
يذكرني ذلك بحادثة التايتانك التي غرقت عام 1912. ففي جنح الليل كانت تنطلق إلى الأمام بكل طاقة محركاتها، حتى إذا ما بان لها جبل جليدي، أخذت تعمل بكل طاقتها باتجاه عكسي الى الوراء. لكن كان الأوان قد فات. اعتقد الركاب ان كل شيء تحت السيطرة، دون ان يعلموا بأن سكين الجبل قد اقتطع ضريبته وشطر السفينة من أحد جوانبها.
لا أتمنى أن تغرق أي سفينة عربية أو إسلامية، فيكفي من مات غرقا او كمدا، لكني أقول أنه ان كانت السعودية قد باتت اليوم تأخذ خطا مضادا للتنظيمات الدينية المتطرفة، فعليها بالمثل إعادة النظر في الكثير من الأفكار الوهابية المتشددة. وليس في ذلك عيب او خطأ. بل الخطأ هو في استمرار الخطأ والإصرار على أن هذا يختلف عن ذاك!
اتفهم اعتماد المؤسسة السياسية السعودية على العنصر الديني كمصدر للشرعية. فلم تكن هي الأولى ولن تكون الأخيرة. لكني أقول بأن الشرعية الوحيدة لضمان بقاء أي حكم، في المجتمع الحديث، تكمن في عملية التنمية.
الأنظمة السياسية في دول الخليج تشبه السعودية تماما. ومع هذا لم تلجأ الى عنصر الدين بل إلى التنمية لتعزيز الشرعية السياسية. وقد نجحت في ذلك شأن الكثير من الدول الحديثة.
لا يمكن بحال استمرار تكرير العبارة ذاتها بالنسبة للسعودية، وأعني هنا القول بخصوصية المجتمع السعودي عن غيره. فكل مجتمعات العالم لها خصوصيتها. وما عاد مقبولا اليوم السماح للمنطق المتشدد، وهابيا كان أو غيره، بالنمو عشوائيا بدعوى الخصوصية لأن ناره باتت تمتد الى خارج الحدود وترتد إليها ايضا.
لقد ولدت في السعودية جملة من الأفكار المتشددة التي كان ينادي بها حتى اقرب عناصر المؤسسة الدينية قربا من السلطة. وما تزال بعض الكتب الدينية إلى اليوم تمتلئ بفتاوى أصدرها علماء دين كبار تخالف كل منطق وعقل. وهي لمن نظر إليها تتقاطع مع كثير من أفكار داعش والقاعدة وطالبان.
لنأخذ مثلا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هي مؤسسة حكومية رسمية. بعض عناصرها لا يقلون تشددا عن داعش. يعاقبون من لا يصلي بل ويضربونه. يراقبون أفعال الناس وتصرفاتهم وينزلون العقوبة على من يشاؤون. حتى الموت، كانت لهم سوابق فيه. خذ مثل أخر في عقوبة الجلد التي يغالي فيها بعض القضاة، ودون خوف من سلطة أعلى تحول دونها. صحيح ان الوضع الآن، وخاصة في ظل حكم الملك عبد الله، قد اصبح اكثر منطقية واقرب للسيطرة ودولة القانون، لكن قد يعود الوضع كما كان في أي وقت إن لم تصدر تشريعات واضحة وحازمة.
ربما كانت هناك حاجة الى سطوة المدرسة الوهابية في مرحلة سياسية وزمانية معينة، لكن قطعا ليس الآن. وإن كان لا بد وان تبقى المدرسة قائمة فعليها ان تفتح مناهجها للأفكار الأخرى الأكثر استنارة، حتى لا ينتهي بنا المطاف في قعر المحيط، فما عاد العالم سوى سفينة كبيرة واحدة.

[email protected]
&