خلال الزيارة التي قام بها السيد فرانك شتاينماير / وزير الخارجية الالماني قبل بضعة أيام الى العراق حاطّا ركابه بين بغداد واقليم كوردستان فقد صمّم ضمن جدول اعمالهِ ان يزور احد مخيمات اللاجئين وقد اختار الاسوأ حالا من تلك الامكنة التي تأوي نازحينا وآلى على نفسه مقرّراً المبيت فيه حاله حال هؤلاء النازحين مستمعا الى معاناتهم وأوضاعهم المزرية ويتعايش معهم في ليلة نابغية مؤلمة ويسهر معهم ويصغي الى حكاياهم& المريرة حتى انه لم يصغِ للنصائح من مرافقيه بالعدول عن قرار المبيت كما عرفتُ من احد خاصّته المرافقين العراقيين
ففي امسية تلك الليلة البطيئة الكواكب احاط مجموعةٌ من النازحين به وعرضوا عليه ان تفتح المانيا ابوابها لهؤلاء الذين طردتهم الدواعش من بقاعهم& ، ودون ان يتردد لحظة أجاب بان بلاده بل وأوربا كلها ترحب بالشعب الذي بنى اول الحضارات الانسانية التي نحن نحتفظ بآثارها وكنوزها في متاحفنا ونفخر بالحفاظ عليها وصيانتها ايّما فخر ، اجل هكذا قالها بعظمة لسانه دون ايّ تحريف ، هكذا وصل الى اسماعي من احد مرافقيه العراقيين
لم يكتفِ بمعايشة اولئك الموجوعين المنفيين وسط بلادهم وانما تبرّع بمبلغ اربعة وعشرين مليون يورو حصرا لأولئك المهجّرين لانتشال بعض عذاباتهم وسدّ شيء من العوز والفاقة متعهدا ايضا بتوفير مزيد من الحماية لهم ولعوائلهم مما نالهم من نصيب الاخوة الاعداء من التشريد والإرغام على تغيير عقائدهم وسبي نسائهم والاتجار بها في اقفاص النخاسة وقتل اولادهم بالجملة والمفرق على السواء
أقول لساستنا الكرام جدا ، اين موقعكم من الاعراب ازاء هذا الرجل الذي يسميه بعضكم كافرا وانتم لم تكلّفوا انفسكم بزيارة عاجلة تخطفون بها أرجلكم في تلك المخيمات ولو لساعة واحدة لتطييب خواطر ابناء جلدتكم الذين عانوا الويلات والمناحات والقهر والإذلال جراء صراع الديكة الذي ادمنتم ممارسته ؟
قليلا من الخجل والحياء وتأنيب الضمير ومراجعة النفس سادتي النخبة السياسية ونوّاب البرلمان والوزراء القاعدين في كراسيكم التي لاتتزحزح قيد انملة الاّ حينما تحزمون حقائبكم للراحة والاستجمام خارج البلاد للالتقاء بعوائلكم المقيمة بالبلدان الباردة& وتتركون رعيتكم التعبى تلتهب سعيرا في هذا القيظ الحارق وسط صحراء أقيمت فيها خيام لناخبيكم الذين رفعوكم ؛ وحتى ان بقيتم ببلدكم انزويتم بمنطقتكم الخضراء وليتها تكون حمراء مجمرة تقذف على رؤوسكم حمما ، تلك الرؤوس التي لم تلتفت ولو بالخيال او الخاطر الى اهاليكم ؛ ودعوني استثنِ نفرا قليلا جدا وبضعة مسؤولين لايتجاوز اعدادهم& اصابع اليد الواحدة ولأسمّي بعضهم هنا مثل السيد مسعود البارزاني خلال زيارته لمخيم خازر والسيدة شروق العبايجي& / نائبة عن التحالف المدني الديمقراطي من مجموع النواب الذين يزيد عدهم عن 327 نائبا مع نزرٍ يسير جدا من مرافقيهم العاملين في منظمات المجتمع المدني وحاملي التبرّعات
كان العرب يعيبون من لايعبأ بأهله وجيرانه وهم يبيتون جياعاً وهو متخمٌ ينام رغيدا مثلما قال الاعشى في بيتهِ التالي :
تبيتون في المشتى ملاءٌ بطونكم&&&&&&&&& وجاراتكم غرثى يبتْنَ خمائصا !!
فكيف اذا سبيت النساء وفقدنَ فلذّات أكبادهنّ وقُتل معيلوهم امامهنّ وتشرّدن في البراري فزعات جائعات بحثا عن ملاذات آمنة لهن ولأطفالهن وخوفا من عارٍ محقق فيما لو تمّ القبض عليهنّ سبْياً او اغتصاباً او بيعاً في اسواق النخاسة التي فتحت حديثا بأرخص الاسعار للّحمِ الانثوي وفق تنزيلات معلنة وأوكازيون يثير شهية الشراء
أين انتم يامن تتناطحون وتتسابقون بأشواطكم الان بغية نيل المكاسب على الاستيزار والمناصب القابلة للإثراء وتتكالب اياديكم على العراق الفريسة لنهشها بأنيابكم وأظفاركم وماملكت اسلحتكم من سيوف وسكاكين تقتلون بعضكم بعضا لغنيمة او حظوة او جاهٍ او منصب ؟!
أليس هؤلاء اولى ان تطلّ وجوهكم الكالحة عليهم ولو على حين غرّة ؟
عفوك سيدي شتاينماير ؛ أصارحك انّ كثيرا منهم نعتوك مرة بالكافر لانك نصراني الديانة مع انك قد لاتعبأ بالشرائع الدينية وقد لاتزور الكنيسة كل صبيحة احد ولكنك حتما انسان نبيل يهمّك امر الموجوعين والمسحوقين والمغلوب على امرهم ، فالذين يرزحون الان في مخيمات خازر وغير خازر والذين يأوون الى كهوف الجبال ومغاراتها خوفا من دواعش الالفية الثالثة هم عبيد الله وخليط من المسلمين والمسيحيين والايزيديين لكنهم بشرٌ ونظراؤنا في الخلق وأخوة لنا في وطن واحد ومصير واحد وهمٍّ مشترك
اللعنة على كل سياسي طامعٍ رعديد يخاف على نفسه ولايولي اهتماما بشعبه في الضرّاء قبل السرّاء ، وهل اكثر ظلما ممن يترك ارضه وماله وعرضه ومنبته ومحتده ليولِّي نازحا هنا وهناك باحثا عن بريّة آمنة ومأوى مثل مأوى الكلاب وقبر يحتويه وهو حيّ يرزق ؟ لالشيء الاّ ليهرب من وحوش لها أشكال بشرية ونفوس فاقت حيوانات الغاب في التوحّش والإجرام والعسف
الخرس والصمت لكل الاصوات الناعقة كذبا وبهتانا لتوهمنا بأنها تتضامن مع هؤلاء النازحين لكن قلوبهم تتلذّذ بالأذى ونفوسهم مليئة بالساديّة ربيبي الفرانكنشتاينية وتعشق العنف والدم والدمار
طوبى لك وزير الخارجية الألماني ؛ ايها الرجل الشريف شتاينماير وتبقى مرفوع الرأس حتى لو سمّوك كافرا وليتهم يدركون انهم هم الكافرون بالقيم النبيلة والسمات الانسانية الرفيعة التي تحملها
مرحى لك وانت تنام ليلتك وسط اهلنا الهاربين من كواسر البشر ، لقد عشت ليلة نابغية ، اعرفك لم تنم عيناك وكان قلبك وجيفا نابضا بالصدق والتضامن
في لغتنا العربية ان الوزير سُمِّي بهذا الاسم لانه يتحمّل وزراً كبيرا عليه ان يطيقه ويقدر عليه وها انت اهلٌ لهذا العبء مع انك لم تكن السبب في اقتراف آثام وذنوب وإجرام الآخرين لكنك حتما كنت المطبّب لجراحنا والبلسم الذي يخفف من وطأة الألم العائم فينا
[email protected]
&
&