من المتهم في مجزرة شنكال؟

في مقال للأستاذ هوشنك بروكا نشره في موقع إيلاف يتهم قيادة إقليم كردستان بأنها وراء مجزرة شنكال من أجل الحصول على السلاح لتحقيق هدفها الأساسي في استقلال كردستان. كنا لنعتبر هذا الكلام فورة دم من كردي يزيدي بسيط، لولا أن قائله يعتبر أحد المثقفين الكرد ينتمي إلى الديانة اليزيدية.

عدد كبير من المحللين يجمعون أن داعش تنظيم مصطنع، وتقف وراءه دول إقليمية، وربما أبعد من إقليمية. لكننا نعرف أن تحرك داعش بهذا الزخم في العراق وخاصة تجاه الموصل حدث بعد أن أعلن الكرد في كردستان العراق نيتهم للاستقلال. وبالتاي أن الذين يقفون خلف هذا الاجتياح هم الجهات التي تقف ضد استقلال كردستان. هذه الجهات حصراً هي مالكي وإيران والنظام السوري وربما تركيا أيضاً.&

يقال أن الدواعش الذين اجتاحوا الموصل كان عددهم قليلاً مقارنة بالجيش العراقي الذي كان موجوداً في الموصل. وفجأة هرب هذا الجيش وأجهزة حكومة بغداد من الموصل، ليسلموا كل عتاد الجيش من السلاح والذخيرة والودائع المالية في بنوك ومصارف الموصل إلى داعش. يعني ذلك بكل بساطة، أن التحالف الثلاثي المعادي لكردستان أراد أن يوجه داعش نحو الاقليم الكردي، بعد أن تم تسليحه بالسلاح الأمريكي الحديث، ليكون قادراً على تدمير إقليم كردستان حتى لا يفكر قادتها بالاستقلال أبداً.&

بالرغم من تهديدات المالكي لحكومة الإقليم وقطع رواتب الموظفين وحجب حصة الإقليم من الميزانية، لم يتجرأ على تحريك الجيش العراقي ضد كردستان خشية انفراط تحالفه الداخلي، وخوفاً من الدول الكبرى ولا سيما أمريكا التي لن توافق على اجتياحه لكردستان. وهكذا حُبكت المؤامرة من وراء الستار بين مالكي وملالي إيران والنظام السوري.&

كان هدف المالكي المباشر من المؤامرة الحصول على ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء، إضافة إلى فرض أمر واقع على قيادة إقليم كردستان بالتخلي عن فكرة الاستقلال والمطالبة بالأراضي المتنازعة عليها وإيقاف ضخ النفط إلى الخارج من الإقليم.&

اذن الخيانة الأساسية والإستراتيجية ضد اقليم كردستان حدثت في هذا المحور الثلاثي وليس كما يقول الأستاذ هوشنك بروكا أنها حدثت في أربيل.&

يعلم الأستاذ هوشنك علم اليقين لو لم تقف أمريكا وبقية الدول الغربية مع حكومة كردستان لكان داعش الآن في أربيل ودهوك والسليمانية ولقام بمجازر في هذه المدن لا تقل عن مجزرة شنكال. ومن المستحيل أن يضمن مسعود البرزاني وقوف أمريكا والدول الغربية معه نتيجة حبكه "مؤامرة" التضحية باليزيديين من اجل استدرار تأييد الأوروبيين لتسليح جيشه، كما يقول هوشنك. فإذا كانت هذه "المؤامرة" صحيحة، يعني ذلك أنه تم الاتفاق مسبقاً مع هذه الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا.

الحكومات الغربية لا تحركهم المواقف الإنسانية رغم تجارتهم بها، والدليل على ذلك ما يحدث في سوريا من الجرائم الفظيعة التي يرتكبها النظام. من ناحية أخرى، لو أن المواقف الإنسانية تحرك الغرب، لتحرك ضد داعش عندما شرد المسيحيين من الموصل ونهب بيوتهم وخيرهم بين ترك كل شيء والنفاذ بجدلهم أو يدفعون الجزية أو القتل، كما كان يحدث في عهد الخلافة الأموية والعباسية.

لماذا تعمل بوصلة الأستاذ هوشنك بروكا بشكل كيفي؟ فهو لم يوجه أصابع الاتهام إلى المالكي وإيران وسوريا وأمريكا وكافة الدول الغربية، اكتفى باتهام أربيل. لم يشر الأستاذ هوشنك إلى خيانة العرب الذين يحيطون بشنكال، وهذا ثبت على أرض الواقع وفي تصريحات العديد من اليزيديين الذين استطاعوا الفرار من المجزرة.

ربما يحق لبعض اليزيديين البسطاء أن يقولوا ما قاله هوشنك. ففي حالة فوران الدم يضطرب العقل غالباً وينتج أفكاراً مشوشة. لكن أن يقول هكذا الكلام مثقف كردي، يدل على مصيبة في الفكر لا تقل عن مجزرة شنكال. والخطأ الفكري والسياسي، كما نعلن، حين يتحول إلى الواقع المادي يجلب معه أعظم الكوارث.&

ما كنت أتوقع لمثقف مثل الأستاذ هوشنك، وقد قرأت له العديد من الأبحاث الفكرية في المعتقد اليزيدي في الانترنيت، أن ينزلق هذا المنزلق الذي يعبر عن فكر مشوش، ويضع معتقده الديني فوق انتمائه القومي وولائه لأرضه كردستان. فالإنسان عندما يقول "وطني" لا يقصد جزءاً، بل يقصد كل مساحته وخارطته.هناك شعوب كثيرة لدى أفرادها معتقدات دينية عدة ومناطق دينية مقدسة مختلفة. لكن الأمة والقومية تجمعها في إطار دولة واحدة ووطن يوحد كل تلك الأماكن المقدسة.&

لماذا يتحاشى هوشنك في اتهام حكومة بغداد بالغدر الذي قامت به حين سلمت الموصل لداعش؟ لماذا يتحاشى هوشنك في اتهام إيران التي أعلنت صراحة أنها لن تقبل باستقلال كردستان، وأجبرت القيادة الكردية أن تسحب المتطوعين الكرد الإيرانيين من جبهات القتال ضد داعش؟

لا أعتقد أن الأستاذ هوشنك غير مقتنع مثلي أن الدوائر الغربية تعرف كل صغيرة وكبيرة في مشرقنا الأوسطي. بدءاً بطبيعة مجتمعاتنا ومعتقداتنا وبنية أنظمتنا وسيكولوجية زعمائنا وعدد أجهزة مخابرات هؤلاء الزعماء وممارساتهم الديكتاتورية والاستبدادية وحتى شذوذهم الجنسية. فإلى جانب نشاطهم المخابراتي والتجسسي الذي يدخل حتى إلى بيوتنا، فلدى هذا الغرب مراكز علمية إستراتيجية تحلل واقعنا مثل الأطباء النفسيين. ومن الجدير الاشارة أن أمريكا لم توافق حتى الآن على تغيير النظام السوري رغم وحشيته المتميزة(وهي قادرة على تغييره) لأنها غير مقتنعة بالبدائل. ولم تقف مع حكومة بغداد بعد الاحتلال الداعشي لموصل لعدم ثقتها بهذه الحكومة ورجالاتها.

يرى الأستاذ هوشنك أن أربيل حققت الهدف من وراء مؤامرته في شنكال من الحصول على السلاح الغربي: ( والآن بعد ان أصبح هذا المطلب الكردي قاب قوسين او أدنى من التحقق، على اليزيديين بإيصال صوتهم الى مراكز القرار الألمانية بالإضافة الى الدول الأوروبية الأخرى وأمريكا، والوقوف ضد قرار "تسليح الأكراد" بدون صك أممي يضمن حماية الأقليات في مناطقهم عبر إنشاء منطقة حكم ذاتي آمنة خاصة بهم، بالاتفاق مع الحكومتين المركزية في بغداد والإقليمية في هولير).

إذن الإقليم الكردي هو الذي يشكل الخطر على اليزيديين. وكأن البيشمركة هم الذين قاموا بالمجزرة. وأن شنكالات قادمة آتية من الإقليم. وماذا عن الحكومة المركزية في بغداد؟ لماذا لم يقل هوشنك عدم تسليح الجيش العراقي أيضاً في شرطه؟ هل طرف بغداد مضمون له؟ ولماذا لم يتكلم عن داعش وعن مالكي؟

هذا خلل فكري وسياسي ما كنت أتوقع أن يصدر من مثقف كردي.

إذا كان الأستاذ هوشنك يعتز بكرديته، ويعتبر شنكال جزء من كردستان(وهي كذلك بكل تأكيد) فلماذا يطالب بحكم ذاتي لليزيديين خارج كردستان، وبالاتفاق مع بغداد وأربيل وتحت الوصاية الدولية. وكأن شنكال ليست كردستانية، وأن الطرفان، بغداد وأربيل، على مستوى واحد من العداوة. وسبق أن أشرت أن الأستاذ هوشنك يضع أربيل في المرتبة الأولى من الخطر. هل توجد في العالم منطقة حكم ذاتي ليست في إطار دائرة أكبر منها؟ فإلى أي من المركزين ستنتمي هذه المنطقة ذات الحكم الذاتي. هل ستنتمي إلى أربيل أم بغداد؟ واضح أن أستاذ هوشك سكت عن ذلك.

أعتقد أن لليزيديين كل الحق أن يوجهوا انتقادات حادة لإقليم كردستان وقيادته، ولطبيعة النظام الذي مازال يتقاسمه الحزبان والبيشمركيان من تحت الطاولة، والآن صار ثلاثة أحزاب رئيسية في البرلمان، وربما سيكون هناك ثلاث بيشمركيات. من حقهم أيضاً أن يطالبوا بمنطقة حكم ذاتي من الناحية الديانة، وأن يقر ذلك في دستور الإقليم. لكن وضع فاصل بين تلك المنطقة وكردستان، وبين الكرد اليزيديين وكرد الديانات الأخرى، هو العودة إلى فكر بدائي وشعبوي أضيق بكثير من كل انتقادات هوشنك لأربيل.&

لقد بدأ يتردد على لسان بعض اليزيديين، وعلى أعلى المستويات، مسألة الهجرة الجماعية من شنكال إلى أوروبا. لا شك من حق أي إنسان أن يترك موطنه بإرادته، ومن حقه أن يغير ديانته أو جنسيته أو قوميته. لكن الهجرة الجماعية تعني تحقيق ما يريده أعداء اليزيديين. وبما أن شنكال ليس فقط موطن الكرد اليزيديين، بل هي المكان شبه المقدس لديهم، ففي حال الرحيل عنها يعني أنهم تركوا وطنهم ومقدساتهم. وهذا عمل انتحار جماعي. ولن يحصلوا عندئذ على احترام الشعوب.&

أن تهجر إلى أوروبا لكي تحافظ فقط على ديانتك، فأنت تعيش في وهم كبير. فبعد قرن من الزمن ستذوب دينياً وقومياً في أوروبا. لن تستطيع في أوربا منع الفتاة اليزيدية أو الفتى اليزيدي الزواج من الأوروبيين والأوروبيات كما تفعل في شنكال. ولن يكون لأولادها وأولاده أي ارتباط بملك طاووس، وسيعتبرونه شيء من تراث الشرق الأوسطي، وسيتخلون عن عادات وتقاليد أجدادكم. وسينتهون قومياً دون ضغوطات ومخططات سافلة كما يحدث في الشرق.

&