منذ الاجتياح الامريكي للعراق سنة 2003 م ( رغم مخالفة ذلك جميع الاعراف والقوانين الدولية المتبعة - الامم المتحدة ومجلس الأمن – وحتى محكمة نورمبرغ التي اعتبرت ذلك من أكبر وأفظع الجرائم بحق المجتمعات الدولية. وتحت ذرائع متعددة منها علاقة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالقاعدة اضافة الى امتلاكه للأسلحة الكيماوية والتي ثبت لاحقا عدم صحة هذه الادعاءات وانها كانت معلومات مُضللة حسب ما أوردته الإدارة الأمريكية! ). والعراق يرزح تحت طائلة الاستعمار الجديد ومخططاته لبعثرة العالم العربي وإضعافه وبداية تقسيمة الى اشلاء.
&
لا يمكن الحديث عن ديمقراطية مزعومة تأتي على ظهر الدبابة ناهيك عن عدم توفر الأرضية والظروف الملائمة لها مسبقاً لا ثقافيا ولا فكريا ولا مجتمعياً ولا يمكن الادعاء بفرضية نجاح الديمقراطية بينما المعطيات على الأرض تشير الى خلاف ذلك خصوصا إن علمنا ان من بديهيات الديمقراطية هي الاستقلال بحرية الرأي والقرار والمشاركة الجماعية لكافة أطياف المجتمع واستغلال الموارد الطبيعية لمصلحة الشعب لا لمصلحة من فرض مسمى الديمقراطية من الخارج. وكل ذلك ما أنتفى في حالة العراق بعد الاحتلال الأمريكي؟!
&
صدق بعض السذج سياسياً ادعاء القوات الأمريكية الخروج من العراق بعد ستة أشهر من تحريره! "هكذا أستخدم المصطلح حينها تحرير" ( بينما دعم البعض ذلك الادعاء عنوة للتوطئة للاحتلال من أجل الحصول على حصة من الغنيمة لاحقا ). وما تبعه على النقيض من ذلك من تمديد لتواجد القوات الاجنبية "الأمريكية خصوصاً " لسنوات طوال من حكومات عراقية استفردت بالحكم واتفقت مصالحها الخاصة مع من أتى بهم لسدة الحكم.
&
من الهزل الحديث حالياً عن تقسيم العراق جغرافياً وهو الذي قسم مسبقا على أساس طائفي وعرقي "سني-شيعي-أكراد" منذ بداية اجتياحه سنة 2003 م! ومكنت شريحة معينة للوصول والاستفراد بمفاصل الحكم دون غيرها "برعاية امريكية –إيرانية" وهي الطائفة الشيعية ممثلة بحزب الدعوة. بإسناد منصب رئاسة الوزراء لها والتي فاقت صلاحياته الفعلية شكلية رئاسة الدولة "بتمثيل كردي" والبرلمان برئاسة "سنية". حيث كان أخر رئيس للوزراء السيد المالكي يجمع حقيبة الدفاع والداخلية والقائد العام للجيش أضافة الى منصبة!.
&
فعن أي ديمقراطية يُتحدث عنها؟ والتي تَشكل بصورة فئوية تمكنها من أن تستحوذ على مقدرات البلد دون غيرها ويتم مد الفتات على بقية الشعب والمناطق حسب درجة انصياعهم لأوامرها! ناهيك عن تبعيتها بدرجة الأفضلية لسياسة الدول التي تتقاسم حكم العراق معها. من أن تؤدي الى ما يسمى بعراق وطني وموحد!
&
تنازل رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي عن رئاسة الوزراء الى الرئيس المكلف الحالي حيدر العبادي وكلاهما من حزب الدعوة ضمن إئتلاف دولة القانون (بعد ضغط من المرجعيات الشيعية وايران وامريكا) لن يغير بسياسة العراق السابقة واستقراره شيئاً إلا بحالة أن تم إشراك بقية الأطراف المغيبة سياسيا مسبقا وخصوصا ممثلي المناطق ذات الغالبية السنية في الأنبار ونينوى "والأخيرة يسيطر عليها حاليا العشائر وتنظيم داعش الذي يتصدر المشهد الإعلامي!". ويبدوا الأمر أكثر صعوبة بالدعوة التي أثيرت في الاجتماع الأخير بالأردن (للفصائل والعشائر العراقية المعارضة) المطالبة بعودة حزب البعث المحظور للمشاركة بالحياة السياسية مجددا والتي تعارضها أيضا الأحزاب الشيعية المسيطرة على الحكم حاليا بشدة. ولم تأتي هذه الدعوة إلا بعد أن أصبح لحزب البعث متكأ جغرافي يستند عليه بعد مشاركته بالسيطرة على المناطق الواقعة غربي العراق مؤخراً.
&
بالنظر إلى الرؤية والمنهاج السياسي لكافة الأطياف العراقية المتواجدة على أرض الحدث سواء أكانت من داخل الأحزاب المشاركة بالحكم حاليا أو لتلك الشرائح التي غيبت مسبقا أو حتى الى تلك التي ظهر لها تواجد مؤثر كتنظيم عسكري لاحقاً بعد أحداث الموصل , يلاحظ التباين الواضح فيما بينها وتلاشي نقاط الالتقاء إلا فيما يعد تمرير لأمر واقع إن جاز القول! فبينما ترى الأحزاب الحاكمة بانها أحق من الأخرين بالحكم ( نتيجة وقوف الدعم الدولي الى جانبها وبالأخص من أمريكا وايران فالأولى تريد إنجاح العملية السياسية ولو ظاهرياً موازاة مع مصالحها والأخرى لا تريد ان تفرط بفرصة لم تكن تحلم بها بتواجد أتباعها على أرض العراق خدمة لاستراتيجيتها بالمنطقة ). تنظر الشرائح الأخرى من الشعب العراقي بأنهم همشوا وابعدوا لصالح الأخرين (خلاف من تمت هجرته أو تهجيره خارج العراق وهم بالملايين) نتيجة موقفهم من الغزو الأمريكي أساسا مضافاً اليه رفضهم الانخراط بالعملية السياسية في ظل السطوة الإيرانية على المشهد العراقي بأكمله واعتبار ذلك إنما نوعاً أخر من أنواع الاحتلال بغطاء سياسي تنفذه الأحزاب الحاكمة لمصلحة ايران لذلك لجأوا للصدام العسكري كأمر واقع لابد منه!.بينما وقف الجانب الكردي بصف مصالح اقليمه بالدرجة الأولى رغم مساهمته بالعملية السياسية في العراق ورغم اختلاف وجهات نظره مع الحكومات العراقية السابقة!.
&
بعد الاجتياح الأمريكي للعراق تم استخدام الديموغرافيا كمنهج وتم التركيز على بذر الطائفية كأرض خصبة لتتجذر لاحقا كركن أساسي كونها أسهل الأدوات تأثيرا واستغلالا في عملية الموازنة والتقلب من جانب لأخر حسب المعطيات السياسية التي تتطلبها المنطقة لاحقاً, مما يسهل عملية تقسيم العراق جغرافيا وبصورة رسمية متى ما أريد ذلك كأمر مفروغ منه وكحل جيوسياسي سوف يوجد من يقبل به سواء أكان راضيا أو مرغما عليه. والأمر ليس بالعسير خصوصاً مع وجود فصائل تنادي من الأن بالفيدرالية كبوابة ابتدائية!.
&
وقفة:
&
سبق أن ذكرنا بمقالات سابقة بأن الأحداث الجارية في سوريا والعراق سترمي بظلالها على المنطقة ككل لذلك من الأوجب أخذ الحيطة والعبر مما يحصل تحسباً لمفاجأة تفجر صراعات بمناطق أخرى قريبة بصورة دراماتيكية تتولد منها سياسات معادية لدول الخليج! فمشاريع تقسيم المنطقة العربية تسير على قدم وساق ضمن مشروع الفوضى الخلاقة.
&
*كاتب في الشأن السياسي والاقتصادي