لماذا عدنا إلى وضع رؤوسنا في الرمال كالنعام ونخفي حقيقة ما يواجهنا من أزمات ومشكلات؟ لماذا لم نعد نحتمل النقد البناء وما يحمله من تنبيه وتحذير لخطورة استمرارها؟ لماذا أصبحنا نتربص لكل ما هو إيجابي ونطعن في مصداقيته؟ لماذا نتجاهل الواقع الماثل أمامنا وما يعانيه المواطن فيه؟ لماذا نصرح بأقوال كاذبة ثم نخرج أو يخرج ممثلونا لنفيها ؟ لماذا نصر على بلبلة عقل ووجدان المواطن؟ لماذا عدنا لخطاب الطبل والزمر والنفاق والتضليل والتلفيق والتوفيق في معالجة قضايا الحيوية التي تمس حياة الناس؟.
إن المنظومات التي بدأت الحكومة المصرية في العمل عليها مثلا فيما يتعلق بالخبر أو التموين، منظومات رائعة لا أحد ينكر أنها في حال تطبيقها بشكل سليم ستخفف عن المواطن الكثير من الأعباء، لكن هذا صاحب التنفيذ رقابة للأجهزة المعنية؟ هل تم تهيئة مسئولي توزيع التموين ومحلاتهم لما تحمله المنظومة من زيادات في السلع مثل اللحوم والدجاج؟ هل جرى لقاء بين أصحاب المخابز ومسئولي التموين لتعريفهم بمسئولياتهم والعقوبات التي ستترتب على اللاتفاف حولها منعا للفساد والسرقة؟. لا أظن أن ذلك حدث، فمحلات التموين غير مؤهلة لاستقبال وتخزين سلع اللحوم والدجاج، ولو أن هناك مسئولا من وزارة التموين تبرع بجولة بين هذه المحال لاكتشف أن تخزين سلع كالدقيق والسحر والزيت والمكرونة والشاي يتم بطريق غير آمنة فما بالك باللحوم والدجاج؟ وهكذا أصحابها والعاملين معهم من الأميين، وبعضهم فتح هذه المخابز من باب التجارة والثراء والفساد واللصوصية، وليس من باب عمل شريف يسترزق منه، وأنه في ظل عدم وجود أجهزة رقابة فإن الأمر قبل للتكرر.
أما عن الصحة وما خرج به الوزير من توسيع نطاق التأمين الصحي وإعفاء غير القادرين، فإنني أسأل الوزير كيف حال عيادات ومستشفيات وأدوية التأمين الصحي؟ كيف حال المستشفيات الحكومية وهل معاليه كلف نفسه بزيارتها ومتابعتها وهي لا تعاني فقط من نقص الأدوية والأسرة والاهمال والقذارة بل تعاني أيضا من تردي المستوى المهني للأطباء والخدمي للممرضين؟ هلا فكر لنا معاليه في منظومة تنقذ المستشفيات الحكومية وتجعلها صالحة للتعامل الآدمي والإنساني للمرضى؟.
معالي وزير التعليم والذي لا نعلم حقيقة ما قاله للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال خمس ساعات حول أحوال التعليم في مصر، هل قال للرئيس أن المدارس الحكومية بلغت مبلغا من الاهمال والتردي يجعلها غير صالحة لاستقبال وتنشئة طفل أو تلميذ أو طالب سليم العقل والوجدان؟ هل قال للرئيس أن دورات المياه في المدارس الحكومية غير آدمية؟ هل قال له أن أولياء الأمور يدفعون ثمن الطباشير والمقاعد وأن المدرسين "مش فاضيين" لأداء واجبهم لأن عندهم مدارس خاصة ومراكز تقوية ودروس خصوصية، هل راجع المدارس الخاصة ومصروفاتها الخيالية وأوقف استغلال وابتزاز المصرين، هذا على الرغم من أن حل كل ذلك لا يحتاج استراتيجية ولا أموال ولكن يحتاج رقابة مخلصة ونزيهة وشريفة لأجهزة وزارته المعنية.
وعن أزمة الكهرباء تابعت تصريحات رئيس الحكومة التي قال فيها أن حل الأزمة خلال 45 يوما ثم تابعته حين قال أن هناك انفراجة خلال يومين، ثم تابعت تصريحات وزير الكهرباء ثم متحدث الوزارة وضحكت وتعالى ضحكي، الجميع يلف ويدور ولا يكاشف بالحقيقة بل يبرر تبريرات واهية لا ترقى لمستوى المسئولية.
هنا أريد أن أوجه لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ولرئيس الحكومة ووزيره للكهرباء سؤال: إذا كانت هناك بالفعل أزمة كهرباء فلماذا يتم ترك سرقة الكهرباء "عيني عينك" في الشوارع الرئيسي منها والخلفي من أصحاب الأكشاك والمقاهي والمحال والحواري؟ لو هناك أجهزة رقابية لعلم معالي رئيس الحكومة ووزيره للكهرباء أن ما يقرب من ربع طاقة الكهرباء في مصر مسروق ولا يدفع مقابلا له، هناك شوارع تصل لنصف كيلو تقطعها حبال من لمبات الكهرباء المشتعلة ليل نهار، وهناك أكشاك وباعة يحتلون الشوارع أي ليسو متخفين يسرقون الكهرباء، ولم نر حملة لا شرطية ولا مباحثية ولا رقابية، وبالنهاية يدفع المواطن ثمن هذه السرقات من راحته وماله.
ونأتي للإعلام بمناسبة جلوس الرئيس مع رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، وما ييخصني هنا الصحف القومية، هل صارح أحد هؤلاء الرؤساء أو نقيب الصحفيين أو أعضاء المجلس الأعلى للصحافة الرئيس بأن هناك صحفيين لا يجدون كرسيا لائقا للجلوس عليه، وأن مرتبات الصحفيين لا تغطي نفقات أسرهم لمدة 7 أيام وليس 30 يوما، وأن الصحفيين هم الوحيدون الذين لم يعاد هيكلة رواتبهم، وأن بدلاتهم تتأخر ولا تصرف في مواعيدها، وأن العمال والإداريين وليس الصحفيين هم من يحكمون هذه المؤسسات، وأن المؤسسات تعاني من الأهواء والمصالح والمجاملات وتعوم على بركة من فساد المكافآت التي تخرج للمحاسيب، وأن التغييرات التي تمت أخيرا لم يخرج معظمها ولا أقول كلها عن نطاق "التربيطات" و"تصفية الحسابات" و"سد الخانة"، وأن هناك قمعا وتحجيما للكفاءات التي هرب بعضها للخليج وبعضها الآخر إلى الصحف الخاصة والقنوات الفضائية، وما خفي كان أعظم، هل قال أحد ذلك للرئيس عندما طلب أن يقف الإعلام إلى جوار مصر وجواره لإنجاز طموحات الشعب المصري، لا لم يقل أحد ذلك وفقا لما تداولت وسائل الاعلام عن اللقاء.
&نعم ما خفي من الأحوال والتساؤلات كان أعظم حول ما يجري في وزارات أخرى كالثقافة والصحة والقوى العاملة والتضامن الاجتماعي وغيرها، في ظل وجود ضمائر خربة ومسئولين يكتفون بالحبر على الورق والجلوس في المكيفات والتقاط الصور والتنقل في العربات المكيفة والحراسات الخاصة والمكآفات الثمينة و.. وربنا يحفظ مصر&
&