يمكن أن نعد يوم( 12) حزيران الماضي في العراق، مقابلا ل 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، ففيه ارتكبت داعش وأنصارها في قاعدة سبايكر بتكريت مجزرة كبرى استشهد فيها 1700 ( أكرر كتابة: ألف وسبعمائة) طالبا أسيرا اعزل لا يحمل سلاحا، فقط لأنهم من أبناء الشيعة!

وقد طمست هذه الجريمة البشعة تحت أطنان المجادلات والخطب الرنانة عمن سيكون رئيسا للوزراء في بغداد، وما معنى رئيس للوزراء في بلد ترتكب فيه جريمة بهذا الحجم،وبهذه الخسة والدناءة؟

في أمريكا حين قتل أكثر من ثلاثة آلاف إنسان بريء في هجوم القاعدة الإجرامي على برج التجارة في واشنطن اهتزت أمريكا كلها، ووضعت سلاحها النووي في الإنذار، ثم راحت تهز أركان العالم معلنة؛ ان تاريخا جديدا للبشرية قد بدأ منذ اليوم، كانت مقدمته ( مجرد مقدمة) إشعال حربين كبيرتين في أفغانستان ثم العراق!

وتحت شعار "الحرب على الإرهاب" دوخت أمريكا العالم وأباحت لنفسها كل شيء فيه، حللت الحرام، وحرمت الحلال، وما تزال باسم الضحايا الأبرياء تمارس تدخلاتها غير البريئة في مختلف البلدان!

ثم في النهاية لم تشرب غير السراب، ولم تقبض بيدها الحديدية سوى أكفان قتلاها وعلمها الممزق في ساحات المدن المنكوبة. وبينما أغرقت جثة بن لادن في البحر، غرقت هي في بحر آخر من أشباح الإرهابيين داخل حدودها وخارجها!

وعلة ذلك ان أمريكا بكل ما تمتلك من ترسانة العلم والمعرفة والخبرات تصر على عدم معرفة الأسباب الحقيقية للإرهاب، لا تريد أن تقر أن العقيدة الدينية المتطرفة لا تنموا وتنشر ثمارها السامة إلا في تربة الفقر والظلم والاستغلال والفساد،والتعالي الفارغ!

والثقافة والفكر وطريقة فهم الدين، تخضعان دون إرادتهما لطبيعة النظام السائد إذا كان عادلا حرا، أو جائرا مظلما، وللإنسان إذا كان جائعا أو متخما!

وبينما تقول أمريكا أنها أبعدت الإرهاب عن أرضها صارت متهمة بإنتاجه وتسويقه!

بالطبع نحن لا ندعو لأن يهتز العراق؛ جراء جريمة سبايكر الكبرى ، فهو مهتز من أقصاه إلى أقصاه كل يوم بمتفجرات،الدواعش باسم السنة، تقابلها براميل الدولة&المتفجرة تلقى على السكان المدنيين العزل في الفلوجة والموصل وتكريت نفسها لا على الدواعش المجرمين!

ولا ندعو أن يشن العراق حربا خارج حدوده، تكفي العراق شرور وويلات حروب المليشيات الطائفية التي ذهبت إلى سوريا لتحمي المقدسات كما قالت! فقد دفع الشباب الأبرياء في سبايكر ثمنها باهظا؛ فحقد داعش جاء معها من سوريا بكل ما فيه من شبهات وريب، وتلقفه حقد أنصارها المتراكم في العراق!

ندعو فقط للبحث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب والخراب الذي تغرق فيه بلادنا وذهب ضحيته هذه العدد الهائل من الطلاب العسكريين الشهداء! ولا يتكرر هنا الضلال والتيه الذي وقعت فيهما أمريكا بكل ما تمتلك من تكنلوجيا وقوة وجبروت!

لذا لا نريد ان يقف أعضاء البرلمان حدادا على أرواح الشهداء فقد شبع الناس والشهداء من بسملاتهم وحوقلاتهم، نريدهم أن يقفوا كرجال عاقلين بلغوا "سن الرشد" ويبحثوا عن الأسباب العميقة والحقيقية لوجود الدواعش على الجانبين في أرضنا، ومن هو الذي يمضي في تصعيد الصراع الطائفي، ويصر على الحكم باسم الطائفة، لا باسم الوطن، ويعمل دون خجل على جعل إيران صاحبة القرار في العراق،من وراء أستار المقدسات!

من الضروري طبعا أن يتقصى البرلمان فيما إذا هناك ما يزال طلاب محتجزون لدى أنصار داعش ،ويعمل بدقة وحذر على إطلاق سراحهم،ولا بأس أن ينهمك بالتحقيق في هذه الجريمة الشنيعة ويقف على مدى تقصير المسؤولين وإهمالهم ولا مبالاتهم بمصائر هؤلاء الطلاب ويعرف من اختار مكان المدرسة في هذا المكان الذي ما يزال محتقنا بأحقاد ماض لم تزل آثاره تعتمل في الصدور، ومن هو الذي أمر القاعدة كلها بأن ترفع راية الاستسلام لداعش حتى قبل أن تصل! ومن هو الذي لم يكلف نفسه عناء نقلهم بسيارات الجيش الكثيرة إلى بغداد وتركهم يتجمعون على الطرقات بحثا عن واسطة نقل؟ حتى يأتي القتلة ويوقعوا بهم هذه المجزرة!

لكن هذا بحث قليل الجدوى فالمصيبة وقعت ، ولن ترد أرواح الشهداء، وقد سئم أهالي الضحايا من لجان التحقيق، والوعود الكاذبة، والتعويضات المسروقة!

إن الأهم هو تشريع قانون يخوض تفصيلا في معالجة وطنية عميقة للصراع الطائفي الدموي، ومواجهة إرهاب الدواعش أينما وجدوا وبنفس القدر من الحزم والصدق، حيث أحدهما ينتج الآخر، وبتصفية الفساد والمفسدين كداعمين للإرهاب! والوصول إلى أعمق مصالحة وطنية ممكنة وأن يتوقف هذا التهالك المخزي على المناصب ، كبديل للمصالحة والوفاق، ولأهداف شخصية وطائفية لا وطنية،&وتحاشي أية توازنات لا تحمي المواطنين من القتل والانتهاك والتجويع والتشريد والإذلال!

هذه ليست المرة الأولى التي يستخف فيها الحاكم الطائفي بأرواح أبناء&طائفته فالمرات عديدة سابقة كان المتطوعون للجيش والشرطة يقتلون على أبوب مراكز التطوع بمتفجرات الإرهابيين حيث لا يسمح لهم بالدخول إلى أماكن آمنة بينما الحاكم مستغرق بنشوة السلطة!

يمكن لمن شاهد شريط الفديو عن المذبحة؛ أن يرى ويسمع شابا يقول آخر كلماته قبل الموت ( الله لا يوفقك يالمالكي) هو أبدا لم يكن يتوسل قتلته، فهو يدرك في أعماقه المعذبة أنهم أنذال وجبناء ووحوش، ولن ترق قلوبهم، لكنه كان لا شعوريا يعرف أن من وضعه ورفاقه في هذا الموقف القاسي الأخير هو سلسلة تقصيرات وأخطاء وسوء نوايا ،وتخبط ، وإذكاء فتن طائفية،وتكريس للأحقاد، وعجز عن الحكم الصحيح، وتبعية لطهران، يقف على رأسها نوري المالكي!

لا بد للناس في الغربية والموصل وهم يعيشون قريبا من داعش، أن يدركوا حقيقتها وعمق المأزق الذي تحاول جرهم إليه،فدولتها الكذبة الكبرى لن تجد من يعترف بها سوى أشباح الليل، ودود القبور، وهي على الأرض أجهضت تطلع الناس لتغيير حقيقي نحو الأحسن ؛فصار على يدها في مهب الرياح!

الناس الواعون لحاجاتهم الحقيقية لن يتحالفوا مع داعش، بل سيسعون رغم الصعوبات الكثيرة للتحالف مع أمثالهم من رجال الشيعة الذين يعانون كثيرا أيضا من دواعش بينهم، تخرب وتقتل باسمهم!

هي مبادرة مشجعة تبعث الأمل انطلاق رجال من عشائر تكريت لتحرير مدينتهم من داعش وتطهير أرضهم من رجسها، والعمل على تحرير كل المحتجزين لديها، وإلقاء القبض على الجناة الذين ارتكبوا جريمة سبايكر..

إن أشخاصا من أمثال ابن سبعاوي وضبعاوي وجرباوي، وغيرهم من الأوغاد الذين تربوا على القتل والسرقة والاغتصاب، لا يمثلون أهل تكريت المعروفين بنخوتهم وعفتهم وشجاعتهم؛ لذا يجب تأكيد وجه المدينة الناصع ، بإدانة جماعية من أهلها لهذه الجريمة،والاعتذار لعوائل الشهداء، وللشعب العراقي، والعمل بعد تحرير تكريت على إقامة نصب كبير يليق بذكرى هؤلاء الشهداء، ليكون رمزا للمحبة والوحدة الوطنية،وإن أفضل تكريم للشهداء هو بناء كل الجسور وكل الوشائج بين الطوائف والأديان والقوميات والتي هي ضرورة ملحة لبناء عهد جديد!