& تئن الدولة العراقية اليوم من ظاهرة الإبتلاع الحزبي الذي أنتجه الإقطاع السياسي، وإذا كانت الدولة قبل 9 نيسان 2003م أسيرة اقطاعية حزب البعث الذي ابتلع الدولة بالكامل وأنشأ أكبر وأخطر اقطاعية احتكارية حزبية في تاريخ العراق المعاصر، فإنَّ ما بعد 2003م شهد أيضاً إعادة إنتاج ظاهرة الإقطاع السياسي ليتم ابتلاع الدولة مرة أخرى حزبياً.

&تظافرت جملة من العوامل لإنتاج ظاهرة الإبتلاع الحزبي بعد 2003م، لعل في مقدمتها طبيعة نظام الدولة التوافقية المستندة الى مبدأ المكوّن العرقطائفي. إنَّ نظام الديمقراطية التوافقية العرقطائفية ينتج بالضرورة الإقطاع الحزبي، فقيام الدولة على أساس من مبدأ المكوّن العرقي الطائفي سينتج أحزاب منغلقة على أساس عرقي مذهبي فتكون هي المعبرة عن مجتمعاتها المحلية وهوياتها الفرعية. وفي الحقيقة فإنَّ النظام التوافقي العرقطائفي هو نظام دمج السياسي التمثيلي (مؤسسات الحكم) بالمجتمعي الفرعي (المجتمعيات العرقية المذهبية)، فتكون المحصلة قيام مجتمعيات سياسية تتصدر مجتمع الدولة، حينها يتسيد الحزب الأكثر تعبيراً وإغراقاً في المجتمعيات العرقية والطائفية الخاصة لينشىء إقطاعيته السياسية المبتلعة للقومية أو الطائفة أو الإثنية السياسية ومن ثم للدولة التي تتشيء على عدد قومياتها وطوائفها. هذا ما شهدته الحياة السياسية في العراق بعد 2003م.

&أيضا، من مناشىء الإقطاع الحزبي اعتماد نظام المحاصصة، وهو نظام تفرزه بالضرورة الدولة التوافقية التي تقوم على توزيع مصادر السلطة والثروة على عدد المكونات العرقية الطائفية وليس على أساس المواطنة، فالدولة التوافقية دولة المكونات وليست دولة المواطنين المتكافئين. إنّ نظام المحاصصة في عمقه هو نظام يجسد ابتلاع المكون العرقي الطائفي لأمة الدولة الوطنية، وابتلاع الحزب المعبر عن المكوّن لمؤسسات الدولة الوطنية، فتنشأ لدينا بالنتيجة دولة الأحزاب المبتلعة للأمة والدولة معاً وليس أحزاب دولة معبرة بموضوعية عن الأمة والدولة معاً،.. وهذا ما يؤسس لإقطاعيات حزبية احتكارية متجذرة ستعيد إنتاج نفسها عند كل استحقاق تاريخي كونها تشتغل على أساس من تمثيل القومية والطائفة في نظامي التمثيل وحماية المصالح، فتكون هي المستفيدة النهائية من نظام المحاصصة العرقية الطائفية، وقد شهد العراق أكبر نظام محاصصة عرقطائفية حزبية على أساس من الديمقراطية التوافقية المعتمدة سياسياً تحت واجهات التوافق والتوازن والشراكة، ولأول مرة نشهد تحاصص علني لوزارات وهيئات ومؤسسات الدولة.

&لعل من أهم المباديء المنتظرة من الدكتور حيدر العبادي في مسعاه لتشكيل الحكومة العراقية القادمة هو ما أسميه بمبدأ (تحرير الدولة) من ظاهرة الإبتلاع الحزبي، هذا إذا ما أردنا وضع أسس جديدة لإعادة انتاج دولة الجمهور السياسي لا دولة الطوائف الحزبوية، وإلآّ قادت ظواهر الإقطاعيات والإحتكاريات العرقية الطائفية الحزبية الى انهدام الدولة.

&النموذج اللبناني خير شاهد على تسيد الإقطاعيات السياسية (الحزبية والعائلية) القائمة على أساس من ديمقراطية توافقية تحاصصية طائفية، وهو نموذج اللادولة المراوحة في مربع التأسيس والمهددة كل لحظة بالإحتراب الداخلي والإستلاب الخارجي.

&الدولة امبراطورية قوانين ومملكة مؤسسات وهرم سياقات لا يمكن أن تصمد مع ابتلاع مؤسساتها وتحاصص هيئاتها واحتكار سياقاتها عرقياً وطائفياً وحزبيا،.. وإذا ما استهدفنا تماسك الأمة الوطنية والدولة الوطنية فيجب قبل كل شيء منع ابتلاعها من قبل قوى المكونات وتحريرها من هيمنة التسيد العرقطائفي الحزبوي. إنَّ مساحة عمل الأحزاب هو الحكم التداولي وليس الدولة ككيان ومؤسسات، ومتى ما امتدت الأحزاب الى الدولة وحاصصتها فقد ابتلعتها وشيأتها وجعلتها محميات سياسية لينتج لدينا نظام الدويلات ضمن نظام الدولة.

&