تضاربت الآراء والمناقشات حول نتيجة الاجتياح الصهيوني لقطاع غزة "العصف المأكول" الذي بدأ في السابع من يوليو 2014 واستمر طوال 51 يوما، تخللته عدة هدن مؤقته لساعات أو لأيام قليلة أغلبها لم يصمد طوال هذه المدد المحددة، إلى أن تمّ الاتفاق على تهدئة طويلة نتيجة المباحثات غير المباشرة التي رعتها المخابرات المصرية في القاهرة. وهي مستمرة بدون خروقات من الطرفين منذ توقيعها وسريان مفعولها مساء الثلاثاء، السادس والعشرون من أغسطس 2014 . تضارب الاراء كان وما يزال حول نتيجة هذا الاجتياح الذي خلّف حوالي 2400 شهيد و أكثر من 10.000 جريح ومصاب وتدمير ألاف المنازل والبيوت التي نتج عنها تهجير ولجوء ما لا يقل عن أربعمائة وخمسين ألفا من المواطنين إلى المدارس والجوامع والكنائس أو لدى اقاربهم حيث تكدّس العشرات في غرفة واحدة ليس فيها أبسط مستلزمات الحياة بالإضافة لانقطاع شبه دائم للكهرباء ونقص عال في المستلزمات الطبية وكافة احتياجات الحياة اليومية نتيجة الحصار المفروض منذ زمن طويل. إزاء هذه النتيجة وضمن حسابات الربح والخسارة هناك من لا يعتبر النتيجة نصرا كما أعلنت واحتفلت كافة قيادات حركة حماس ، خالد مشعل من قطر واسماعيل هنية من غزة و محمود أبو مرزوق من القاهرة، بالإضافة الملحوظة لتظاهرات الشعب الفلسطيني في القطاع احتفالا ببدء سريان مفعول التهدئة دون أن نقرأ ما في ضمائر المتظاهرين هل هو فرح بنصر أم بتوقف الرصاص الذي قتله لا يرحم أحدا في ظل توازن قوى مائل بدرجة هائلة لصالح الاحتلال الصهيوني ليس مقابل سلاح المقاومة الفلسطينية فقط بل مقابل كافة الجيوش العربية مجتمعة التي كلها لم تطلق رصاصة على الاحتلال منذ عام 1973 بل قامت عدة دول بإقامة علاقات سرّية مع الاحتلال وبعضها علاقات دبلوماسية واعتراف كامل منذ عام 1979 . إزاء ميزان القوى هذا يمكن اعتبار انتصار المقاومة نصرا نسبيا في ظل هذه الخسائر الباهظة التي يحتاج القطاع لما لا يقل عن ثمانية مليارات من الدولارات وسنين طويلة لإعادة البناء والإعمار، خاصة إذا تذكرنا أنّ التدمير الذي نتج عن اجتياح وحرب عام 2008 لم يتم إعماره وإعادة بنائه بعد، فكم من السنين إذن سيحتاج تعمير مانتج عن اجتياح 2014 ؟.

هل تمّت الاستجابة لمطالب المقاومة في اتفاق التهدئة؟
حسب بنود الاتفاق التي تمّ إعلانها في القاهرة يمكن ملاحظة ما يلي:
1 . تمّ تأجيل بحث كافة القضايا المهمة ومنها إعادة فتح المطار الذي كان مقاما في مدينة رفح قبل تدميره من طرف الاحتلال، وبناء ميناء بحري والإفراج عن ألاف الأسرى الذين تمّ الاتفاق عليهم في اتفاقيات سابقة ولم تنفذ.
2 . المعابر التي الاتفاق على فتحها هي المعابر الخمسة بين القطاع ودولة الاحتلال، وهي خاصة لنقل البضائع ومرور الشاحنات، وهي تحت سيطرة الاحتلال إذ يمكن فتحها ولكن من الذي سيسمح بتوريد البضائع ومواد البناء من دولة الاحتلال للقطاع؟ المعابرمفتوحة ولكن من سيجبر التاجر الإسرائيلي على تصدير بضائعة للقطاع بعد هذا الدم والاحتقان الذي تصاعد بين الطرفين؟.
3 . المعبر الوحيد الخاص بالسفر ودخول وخروج سكان القطاع هو معبر رفح البري مع جمهورية مصر، ولم يتم التطرق له في اتفاق التهدئة، وهذا مسألة طبيعية لأنّه خاص بالعلاقة بين القطاع ومصر، وهو ما زال على حاله مغلقا أغلب الأوقات كما كان منذ ما يزيد على سنة ونصف، وبالتالي فالحصار دائم على الأفراد والبضائع خاصة بعد التدمير النهائي لغالبية الأنفاق التي كانت تمد القطاع بنسبة من احتياجاته.

ومن سيعمّر ما تهدّم في هذا الاجتياح؟
غالبية التقارير الفلسطينية من داخل القطاع تؤكد أنّ حجم الدمار في المنازل والبيوت والبنية التحتية هو دمار غير مسبوق، وبالتالي من سيدفع الثمانية مليار دولار التي يتطلبها هذا الإعمار المطلوب؟ ومن وكيف سيتم توريد المواد اللازمة لهذا الإعمار؟ وكم سنّة يحتاج هذا التعمير في حالة توفر المليارات والمواد؟ وكيف ستستمر طوال هذه السنوات حياة قرابة نصف مليون هجّروا بسبب تدمير بيوتهم؟ وكيف وأين سيتم علاج أكثر من عشرة ألاف جريح ومصاب؟ والملاحظ أنّ كافة خطابات قادة حركة حماس الذين أعلنوا النصر لم يتطرقوا للإجابة على هذه الأسئلة التي هي الشغل الشاغل لشعبنا في القطاع.

وهل هناك مصالحة فلسطينية أم استمرار للإنقسام؟
تفاءل كثيرون من التفاوض مع الاحتلال في القاهرة من خلال وفد فلسطيني موحد ضمّ غالبية الفصائل الفلسطينية الفاعلة في القطاع والضفة خاصة فتح وحماس والجهاد الإسلامي وبرئاسة القيادي الفتحاوي عزام الأحمد، واعتبرالبعض هذه الوفد الموحد بداية لتفعيل حكومة التوافق الوطني التي ظلت حبرا على ورق منذ شهور. وفجأة أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد سريان اتفاق التهدئة اول لغم في طريق المصالحة ، إذ قال منذ يومين: ( قرار الحرب والسلم ليس بيد فصيل واحد وإنما بيد القيادة. وإذا كانت حماس تريد أن يكون قرار السلم والحرب بيدها فلتتصرف وحدها إذن...أنا أصرّ على الانتخابات منذ 7 سنوات ولن نقبل إلا بسلطة واحدة وبندقية واحدة وقرار السلم والحرب بيد السلطة وإلا ستكون فوضى...لدى حماس حكومة ظل في غزة ولديهم وكلاء وزرارت وإذا استمر هذا الأمر، فإنّ هذا سيهدّد استمرار الوحدة الوطنية والامتحان قادم قريبا ).

وبناءا على ممارسات سبع سنوات فلسنا بحاجة
لامتحان قادم، فتجربة سبع سنوات وتصريحات كل الأطراف بعد سريان اتفاق التهدئة تقول:
1 . اتفاق التهدئة ليس مضمونا استمراره اتفاقا دائما لأنّه يخضع لاختبار شهر ينتهي في السادس والعشرين من سبتمبر 2014 كي تبدأ المفاوضات على القضايا المؤجلة وهي الأهم بالنسبة لحياة الشعب الفلسطيني.
2 . لا أمل في مصالحة فلسطينية قادمة فما لم يتم تحقيقه خلال 7 سنوات وبعد توقيع حوالي 5 اتفاقيات مصالحة في القاهرة وقطر ومكة لا يمكن تحقيقه في لحظة قادمة، إذ أنّ تضارب المواقف وتبادل التصريحات المضادة بدأ فور سريان اتفاق التهدئة المؤقت...ويظل الألم والحزن الحقيقي والجرح الدائم في قلوب و أجساد عائلات ألاف الشهداء والجرحى والمصابين الذين خلّفوا أو لهم ألاف الأرامل واليتامي وألاف المهجّرين من بيوتهم..وحقيقة ( من يده بالنار والدم غير من يده في الماء والهواء الطلق).
www.drabumatar.com

&